عدم التوازن في الاقتصاد الكلي، يشير الى ارتفاع سعر الصرف الحقيقي وانخفاضه عن مستواه التوازني، مما يجعل اقتصاد البلاد أكثر ضعفاً عند التعرض لصدمات خارجية، وقد وصل سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني من ارتفاع في الدولار وصل الى (2.75) مقابل الجنيه في السوق الموازي «الأسود»، حيث يرى الخبراء والمختصون ان لا يتعدى سعر الدولار ال (2.3) للجنيه. وفي هذا السياق دعا الدكتور مصطفى محمد عبد الله - استاذ الاقتصاد بجامعة الخرطوم - إلى ضرورة تدخل البنك المركزي لتنظيم سوق النقد الأجنبي ومنع المضاربة في العملة الوطنية تدخلاً مباشراً أو غير مباشر عبر تدابير من شأنها تحجيم أو تعقيم الآثار السالبة للصدمات الخارجية. وأوضح د. مصطفى في ندوة المركز العالمي للدراسات الأفريقية حول ارتفاع سعر الصرف للعملات الأجنبية وتأثيره على الاقتصاد الوطني، وابتعاد سعر الصرف الحقيقي الجاري عن مستوى التوازن، مستخدماً ثلاثة منهجيات للقياس هي: تعادل القوى الشرائية والمقاربة النقدية لسعر الصرف والنموذج السلوكي لسعر الصرف، بدراسة تسهم في تحديد رؤية واضحة لكيفية ترقية وتطوير سوق النقد الأجنبي بناء على أسس ودلائل تجريبية، تسهم في استقرار الاقتصاد الكلي مما يسمح بجذب الاستثمار الأجنبي ويسهل حركة التجارة ويساعد في استدامة التنمية. واستعرض د. مصطفى مستوى سعر الصرف منذ إعلان سياسة التحرير الاقتصادي، واستمراره في الارتفاع حتى العام 2004م، حيث اتجه للانخفاض، مما ادى الى تلاشي السوق الموازي، وعاود الارتفاع في العام 2007م متأثراً بالأزمة العالمية، موضحاً العلاقة بين سعر الصرف والتضخم كعلاقة عكسية، فكلما انخفضت العملة الوطنية ارتفع معدل التضخم واضاف: توقعات سعر الصرف الحقيقي تعتمد على أساسيات الاقتصاد الكلي، وأدرج متغيرات تشمل معدل نمو الانتاجية وشروط التبادل التجاري الدولي، وصافي الأصول الأجنبية ونسبة الانفاق العام أو الاستثمار أو الحساب الجاري الى الناتج القومي الاجمالي. من جانبه عزا أبو القاسم أبو النور - استاذ الاقتصاد بجامعة الخرطوم - ارتفاع سعر الصرف الى ضخ العملات الأجنبية في البنوك السودانية، وضعف الهيكل الاقتصادي السوداني، وهشاشته وعدم ترابط النهضة الزراعية بالصناعية وتحديداً الصناعات التحويلية وقطاعات الخدمات، واضاف ابو القاسم: من الآثار المتوقعة لارتفاع سعر الصرف ارتفاع الأسعار وضعف القوة الشرائية، بجانب انخفاض الإيرادات العامة في الدولة، والزيادة السنوية في الأجور. ويقول د. علي الله عبدالرازق الاستاذ الجامعي ان لإرتفاع سعر الصرف آثاراً سالبة وأخرى ايجابية، ولكن السالب يغلب على الموجب، منها ظهور الدولار كمستودع للقيمة وانخفاض ودائع الافراد في المصارف، بجانب حقوق الملكية في المصارف، وندرة النقد الأجنبي «الدولار» واتجاه تصاعد الدولار مقابل الجنيه، وتحويل ارباح المستثمرين الى الخارج، اضافة الى ظهور المضاربات في الأنشطة غير القابلة للتدهور كالاتصالات، ويرى د. علي الله ان الحل الناجع هو تفعيل الصادرات غير البترولية. وتساءل الدكتور حسن بشير - الخبير الاقتصادي - عن سوق العملات الأجنبية بالبلاد، وقال: السودان يعتمد اعتماداً كلياً على البترول في صادراته، ووصف ذلك بالمعضلة وتساءل هل الفترة المتبقية لاجراء الاستفتاء كافية لتفعيل الصادرات غير البترولية؟ وما هو مصير الديون الخارجية للسودان حال الانفصال؟ وناشد القائمين على الأمر باعطاء الأولوية لذلك والتعامل بواقعية مع المخاطر ابتداء من مراجعة اتفاقية السلام الشامل والجوانب الاقتصادية المصاحبة لها، وقال إن ارتفاع الصرف ناتج من جوانب سياسية واقتصادية ولا يخلو من الجوانب النفسية. وفي السياق دعا الخبير محمد ابراهيم كبج الاهتمام بالزراعة مبيناً ان ميزانية البلاد مازالت ميزانية حرب. وأشار الخبيرالأمني العميد حسن بيومي الى طمع أمريكا في ثروات السودان وقال: تنظر إلينا كشعب غير جدير باستغلال ثرواته، واضاف لا تكون التنمية إلاَّ بشراكات دولية توفر التكنولوجيا والإدارة بجانب رأس المال.. وتوقع مصطفى محمد عبد الله ان يرتفع سعر العملة الوطنية مقابل الدولار في ظل ارتفاع أسعار البترول، وبذلك يتحسن ميزان المدفوعات كما يزيد الاحتياطي النقدي حسب الدراسات، وأن يتضاءل الدولار الى (2.3) مقابل الجنيه السوداني، وان ما يحدث الآن عبارة عن مضاربة في السوق وبقليل من التدخلات يمكن ان تحد خطورتها.