كسب الرئيس التشادي ادريس ديبي معركة انجمينا الاخيرة بينه وبين التحالف المعارض لنظامه،''ونظفت قواته المدينة من فلول المعارضة والمرتزقة''، حسب تصريحات سفير تشاد في واشنطون، وخرج ديبي بعد يومين من انتهاء المعركة بزي عسكري، وجلس امام الصحافيين في بهو القصر الرئاسي ليقول لهم: هاأنذا حي ارزق وسليم معافى، في رد منه، على ما بدا، على تصريحات ادلى بها ممثل للتحالف المعارض لقناة (الجزيرة) مفسراً اختفاء ديبي عن الانظار لايام، في تزامن مع وطيس المعركة بأنه :'' إما مجروح او مقتول''. وقال ديبي الذي مثل خروجه للعلن في ذلك اليوم بمثابة الحدث الأول، انه لا يسيطر على انجمينا فحسب، وانما يحكم سيطرته على كل البلاد ، جدد ديبي اتهاماته للسودان بدعم معارضيه، وقال ان من ضربوا انجمينا قدموا من السودان، وتوعد بكشف المزيد من المعلومات في هذا الخصوص، وفي اليوم التالي رفض على لسان مسؤولين في نظامه الدخول في اي حوار مع المعارضين لانهاء الازمة التشادية، وقالوا انهم يلاحقونهم في كل مكان. ربما كان الوقت مبكراً، او ربما لسبب آخر، لحظ المراقبون ان ديبي لم ينظر في مؤتمره الصحفي الى الامور في بلاده أبعد من انه''مشغول الآن بملاحقة المرتزقة''، فيما كان الصحافيون يتوقعون ان يطرح خططاً سياسية تفك الاختناق السياسي والامني الذي يحاصر بلاده منذ منتصف التسعينات من القرن الماضي، بل باتت تحاصره من وقت لآخر في عقر داره:القصر الرئاسي. فإذا كان الرجل بات يحتويه ظن بأن معركة انجمينا التي انتهت لصالحه هي الاخيرة، فإنه من الضروري في هذه الحالة ان يذكره مستشاروه بمحاولات سابقة للاطاحة أحبطها ولكنها تكررت بصور واشكال مختلفة، تقدم المعطي بامكانية تكرار المعركة الاخيرة، ففي ابريل من العام 6002، فوجيء بقوات المعارضة التشادية تطرق ابوب العاصمة انجمينا بكل ما اوتيت من قوة، فدخل معها في معارك طاحنة، وصفت بأنها معارك شوارع، انتهت بعد يومين بصد قوات المعارضة عن المدينة''ومطاردة فلولهم حتى الحدود مع السودان''، طبقا لبيان تلاه الرئيس ديبي على الشعب التشادي بعد يوم واحد من انقشاع المعركة، ولكن الانباء اكدت،فيما بعد ان مطاردة فلول المعارضة تمت بمساعدة من القوات الفرنسية الموجودة في تشاد، وعددها لا يتجاوز ال '' 0002 ''جندي، ولكنهم بمعدات عسكرية عالية الكفاءة . وخلفت تلك المعارك - وكانت هي الاولى من نوعها التي يتعرض لها ديبي منذ توليه السلطة في انجمينا في ديسمبر من العام0991 عبر انقلاب عسكري نفذه ضد الرئيس السابق حسين هبري، على طريقة الزحف العسكري من الحدود السودانية شرقاً وصولاً الى العاصمة - خلفت مئات القتلى من المدنيين ومن قوات الطرفين، كما ان المعارك التي لم تقصم ظهر ديبي قوته، قبل ان تنبهه الى انه بات امام خطر حقيقي تمثله الفصائل المعارضة لنظامه التي شنت تلك المعارك. وهذا ما جعله يتخذ ثلاث خطوات أساسية لتأمين نظامه: الاولى قام فيها بتعزيز تعاونه العسكري الاستخباراتي مع فرنسا، والثانية سد ثغرات ظهرت في جيشه خلال الهجوم ، والثالثة : فتح باب مصالحة مع اقوى معارضيه آنذاك ومنفذ الهجوم على انجمينا وهو رئيس الجبهة المتحدة من أجل التغيير محمد نور باعتباره المعارض الاقوى آنذاك، حيث قام بتعيينه وزيراً للدفاع، كما استوعب عددا مقدرا من قياداته في الجيش ومؤسسات الحكومة الاخرى. بعد أشهر قليلة، نسف ديبي الاتفاق بينه وبين نور، فأقصى الاخير واعوانه من السلطة، ونكل بهم تنكيلا، لم يستغربه معارضوه الذين يصفونه بأنه: رجل لا يحفظ العهود، وغير موثوق به، وعزز الخطوة بحملة اعلامية تصف المعارضين بأنهم مرتزقة وعملاء، والنتيجة ان توسعت هوة الثقة بينه وفصائل المعارضة، لتؤجج الاخيرة نشاطها العسكري ضده عبر ثلاثة تحالفات تضم في داخلها اكثر من (81) فصيلا مسلحا يقودها كل من: تيمان اردمي وهو ابن أخت الرئيس ديبي من قبيلة الزغاوة، والجنرال محمد نوري وهو ينحدر من قبيلة القرعان المتمركزة شمال تشاد حتى الحدود مع ليبيا، وعبد الواحد عبود المكاوي وهو ينتمي الى قبيلة المسيرية. وتمثل ذلك التصعيد في معارك مستمرة، ركزت على شرق تشاد، وتحديدا ولاية أدري المجاورة لدارفور، وقد تراجعت أمامها طوال الاشهر الماضية، أية محاولات لعمل سياسي عبر وسطاء او مباشر من شأنه ان يضع حدا للازمة التشادية. حتى فرنسا التي تعتبر المستفيدة الاولى من استقرار الاوضاع في تشاد، ركنت الى منطقة رمادية حيال السجال العسكري بين الطرفين، بصورة أوحت للمراقبين بالتنبؤ بحدوث تغييرات جوهرية ربما في السياسة الفرنسية تجاه الاوضاع في تشاد في عهد الرئيس الجديد ساركوزي. وحسب تعليق لصحيفة (لوموند) المرموقة على الاحداث الاخيرة فان ساركوزي''اراد تفادي الوقوع في محظورين سيئين لخصهما في وضع فرنسا في موقف يدفعها إما الى التدخل في المعارك التشادية فتتهم بأنها تدخلت في الشؤون الداخلية لبلد مستقل او عدم التدخل فتتهم بأنها تخلت عن حكومات ذات سيادة''. وبلغ التصعيد بين ديبي ومعارضيه ذروته، عندما بدأت اخيرا خطوات عملية لنشر قوات الاتحاد الاوربي المعروفة ب ''اليوفور''المجازة من قبل مجلس الامن الدولي، وبموافقة من تشاد، على الشريط الحدودي بين البلدين، بهدف توفير الحماية للاجئين السودانيين الفارين من نيران دارفور الى الدولة المجاورة،حيث شن التحالف مرة اخرى الجمعة قبل الماضية الهجوم الذي دُحر. أصبح الرئيس التشادي الآن في وضع مريح يسمح له بمد رجليه في كل الاتجاهات، حيث استطاع ان يهزم المتمردين في معركة وضعته على شفير الاطاحة بنظامه، وعلى ما بدا فان اوضاع المعارضين صارت لا يحسد عليها، قد يحتاجون الى وقت طويل لاسترداد قوتهم وتحريك العمليات العسكرية ضد خصمهم، وترتب على ذلك حصوله على دعم اقليمي من الاتحاد الافريقي، كما حصل على دعم دولي من مجلس الامن الدولي،الذي ادان الهجوم على انجمينا، وترك قراره، في هذا الخصوص،الباب موارباً أمام الدول لتقديم اية مساعدة عسكرية له في حال تعرضه للخطر، ما فسره المراقبون باعطاء فرنسا الضوء الاخضر لتوفير الحماية العسكرية لديبي حال تعرضه لاحقا لاي هجوم من تحالف المعارضة. ولكن الى متى سيظل ديبي يحكم البلاد بمثل هذه الاوضاع العليلة، بل المضطربة باستمرار؟ والى متى سيظل يحصل على الغطاء الاقليمي والدولي لنظامه، دون ان تترتب على ذلك خطوات من جانبه تبرر الغطاء، وتجعل من استمراره عملاً شرعياً اقليمياً ودولياً؟ وهل لدى الرجل ضمانات بأن يستمر الدعم الفرنسي العسكرى لنظامه الى ما شاء الله، وتحت كل الظروف؟ ومن يضمن نتائج الضربة الثالثة على انجمينا؟ والى متى ستظل حكومة ديبي على حياة الطواريء والمخاطر، كمن يتنفس تحت الماء، كما تبدو للعيان. اجابات هذه الاسئلة تأتي في صالح ديبي في حالة واحدة فقط:عندما يعيد تشكيل الاوضاع في بلاده بما يستوعب طموحات كل الشعب التشادي، بكل تنوعه السياسي والقبلي والثقافي، وايفائه حقوقه في تقاسم السلطة والثروة