في الوقت الذي أعلن فيه والى ولاية غرب دارفور أن نذر جموع اللاجئين التشاديين باتت تلوح في أفق الولاية جراء الأزمة التي لما تزل أصداؤها تتوالى بين الحكومة التشادية والمعارضة، اكد أنهم أعدوا العدة لإستقبالهم في إطار العمل الإنساني وحقوق الجوار وأواصر التداخل القبلي والسكاني بين البلدين، لكن الحكومة التشادية فاجأت الجميع يوم الاثنين باعلان انها لن تقبل أي لاجئين اضافيين من دارفور وقالت انها ستطردهم اذا لم يعدهم المجتمع الدولي الى بلدهم أو يجد بلدا آخر يأويهم على زعم أن وجودهم يزعزع الامن. كرت ضغط ويبدو الأمر غير قابل للتصديق في ظل الظروف الإنسانية الحالىة في المنطقتين وفي وقت يعبر فيه آلاف اللاجئين السودانيين الحدود التشادية هربا من الصراع في غرب دارفور، غير أن رئيس وزراء تشاد نور الدين كوماكوي كان متشددا جدا وهو يطالب المجتمع الدولي بترحيل اللاجئين السودانيين من تشاد إلى السودان «للتخلص من مشاكلنا»، ويبدو هذا الجزء غريبا لدى المراقبين الذين يظنون أنه حمل الأمر أكثر مما يحتمل وكأن اللاجئين السودانيين هم أس البلاء في تشاد، وينظرون إلى الخطوة على أساس أنها مناورة سياسية من تشاد ليس المقصود بها السودان بعينه ولكن بطريقة الطعن في ظل الفيل هي محاولة للفت إنتباه المجتمع الدولي. ويعبر الدكتور أسامة زين العابدين أستاذ العلوم السياسية بجامعة النيلين عن ذلك بقوله: هي رسالة للمجتمع الدولي بوصفه يتحمل (الحماية والإعاشة) للاجئين كجزء من المشاركة مع الدولة المستضيفة وهي تشاد في هذه الحالة. ولأن المجتمع الدولي يراوغ في أحيان كثيرة ويخل بواجباته ولا يفي بإلتزاماته تجاه اللاجئين فإن التصريحات كرت ضغط ليقوم بواجباته، بمعنى ان تشاد لن تتحمل أعباء اللاجئين وأن على المجتمع الدولي الإسراع بالقوات الأوروبية لحماية اللاجئين.. وأن على الحكومة السودانية الإلتفات إلى مشكلة دارفور.. ويرى د. أسامة أنه لا توجد مقاصد أخرى بخلاف ذلك.. إحراج السودان ولتأكيد حديثها بشأن اللاجئين السودانيين ذهب رئيس وزرائها لمطالبة المجتمع الدولي بالبحث عن قطر آخر يعيش فيه «هؤلاء السودانيون»، وأرسل إشارة إعتبرها المراقبون ذات مغزى بقوله إن المجتمع الدولي إذا لم يفعل ذلك «سنفعل ذلك بأنفسنا» على إعتبار أن ما سيحدث مجهول وخطير، وما يؤكد مناورة تشاد بقصد ابتزاز المجتمع الدولي برأى مراقبين كون الخطوة التشادية اذا حدثت مخالفة للقوانين والمواثيق الدولية. وقال معتمد اللاجئين الدكتور محمد أحمد الأغبش ل(سونا) أن الإعلان التشادي يخالف القوانين والمواثيق للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين بجنيف وبروتوكولاتها الملحقة، وإتفاقية الإتحاد الأفريقي لعام 1969 فيما يخص كيفية التعامل مع اللاجئين بين الدول بإعتبارها قضية إنسانية ليست لها علاقة بالخلافات السياسية بين الدول. وأن الأمر يعتبر مزايدة ومتاجرة بقضية اللاجئين السودانيين على الحدود التشادية، مؤكدا حرص السودان على عودتهم بسعيه الدؤوب وعزمه لإحلال السلام في دارفور. وذات الإتجاه قال به مفوض العون الإنساني بولاية غرب دارفور محمد الحسن عواض وهاجم تشاد بقوله إنها دولة لم تبن على العلمية والأعراف القانونية وما بدر منها ينم عن مدى الجهل بحقوق اللاجئين الذين يفوق عددهم (30) ألف لاجئ في غرب دارفور وفيهم من إستضافته لعشر سنوات، وقارن بين عدد اللاجئين السودانيين في تشاد (12) ألفاً مؤكدا انه لا يساوي شيئاً في مقابل اللاجئين التشاديين في السودان (30) ألفاً، وأشار عواض إلى أن اللاجئين والمتأثرين من الكوارث لا ينبغي إدخالهم في الحسابات السياسية، وبين أن القصد من هذا الإعلان هو وضع السودان في موقف حرج مع المجتمع الدولي. لا معاملة بالمثل ويذكر ان لاجئي السودان في تشاد- معظمهم من غرب دارفور- فروا عبر الحدود متجهين صوب تشاد أقاموا فيها أكثر من «13» معسكراً وتجمعاً، تشرف علىها المفوضية العلىا للاجئين وشركاؤها، وبالمقابل يؤرخ لهجرة التشاديين المنظمة الى السودان بالعام 1979 بعد سقوط نظام تمبل باي ودخول «1500» من قبيلة السارا التي انتمى الىها تمبل باي الى السودان حيث تم استقبالهم بمعسكر ديسة. تلتها عدة هجرات خلال سنوات آخرها بعد تصعيد المعارضة لصراعها مع حكومة ديبي ليصل عدد اللاجئين التشاديين في السودان إلى هذا الرقم، ويقول عواض ؤن العمل الإنساني ليس بالقانون النص الدولي المتعارف علىه وإنما هو عمل إنساني في المقام الأول والسودان لن يتعامل بردود الأفعال تجاه اللاجئين التشاديين فهم في السودان لظرف إنساني قاهر وطردهم منافٍ للأعراف. ويعتقد أكثر من مراقب ان قرار تشاد ليس تهديدا جديا وإنما محاولة لحمل المجتمع الدولي على الإيفاء بإلتزاماته تجاه اللاجئين أولا، ثم تصفية الحسابات مع السودان بإحراجه بهذا الموقف، ثانيا وأخيرا التسريع بعمليات نشر القوة الدولية التي وافق ديبي على وجودها قبل السودان، فيما لا يظنون ان تشاد قادرة على التنفيذ الفعلى حال قررت ذلك ويشيرون إلى أن المجتمع الدولي لابد له من كلمة في ذلك، ولعل ما أوردته وكالة رويترز للأنباء على لسان سيرجي مالى رئيس بعثة المفوضية العلىا لشؤون اللاجئين التابعة للامم المتحدة في تشاد ابلغ دليل على ذلك حين قال إنه لم يتلق أي اخطار من الحكومة التشادية بتغيير موقفها بشأن اللاجئين يمضي في هذا الإتجاه، وهو يؤكد «ليس لدى المفوضية سبب وجيه للاعتقاد بأن الحكومة التشادية لن تحترم التزاماتها الدولية التي تحترمها حتى الآن