نتميز نحن السودانيين باستعمالنا لبعض الحركات (البليغة) لتوضيح الكلام وإيصال المعنى، ومن ذلك أن كبارنا تعودوا عند يرغبون في إنذار أحدهم بسوء مآل سيحيق به، يستعملون في العادة مصطلح لطيف وهو (الترابة في خشمك)، ولكن عندما يكون العاقب المنتظر أكبر من ذلك فقد تضاف إليه حركة ألطف.. بحيث ينحني المتكلم للأرض ويدفع ب (كتحة) من تحت قدميه التراب مرتين بأصابعه تجاه المخاطب، يصحبها بقول: هاك دي ووراها دي!! في آخر زيارة قام بها زوجي لأسرته في الجزيرة حكى لنا عن الأمطار الغزيرة التي نزلت منذ الساعات الأولى للصباح في يوم عودته للخرطوم، واستمرت حتى طوال مسيرته في الطريق من مدني وحتى بعد الكاملين بنفس الدرجة حتى أن معالم الطريق اختفت رغم (المنشات)، ثم خفّ المطر تدريجيا حتى تحول لرذاذ خفيف مع المسعودية، ولكن كانت المفارقة الطريفة أنه اضطر لجر النور الطويل مع اقترابه من الخرطوم لشدة (الكتّاحة)، التي خفضت مستوى الرؤية لما دون (الشوف أبعد من النخرة).. يبدو أن الجزيرة المروية قد سمعت عن استعداداتنا للخريف، فمدت يدها و(كشحت) ناس الخرطوم بالترابة وهي تقول: هاكم دي ووراها دي!! مع ضربة البداية لولايته الجديدة سمعنا أن والينا (الخضر)، قد دعى لتشمير السواعد استعدادا للخريف، وكيف أن الشركات المتعاقدة قد انداحت (حفرا) ووعداً وتمنى.. انتظرت أن أرى الإنجاز على أرض واقع (حلّتنا)، والتي غرقت في الخريف الماضي وتحولت ل (طمّبجوها) ريفي محلية (فينيسيا عوج الدرب)!! صرت أترقب حضور عمّال الحفر يوميا، أنا أشعر ب (أم هلّا هلّا) والقلق، إشفاقا على خطة العمل التي سوف ينتهجوها مع شوارعنا، ف حلّتنا مثلها مثل كل أحياء الخرطوم، كل صاحب بيت فيها تصرف بمعرفته لحماية مياهه الإقليمية.. هناك من أنشأ السدود وردم الردميات على تخوم حيطة الشارع، وحوّل بيته لقلعة في رأس جبيل الطينة، وهناك من استعان ب (الصبة) وقام بترس الخرسانة (المسلّحة) حتى تجاوز بها الحدود الدولية لجاره المقابل (ليهو).. وهناك من قام بردم الجدول الماري من أمام بيته ووقف (ألف أحمر)، رافضا لأن يقترب من حماه أيّ من عمال الحفر، بحجة أن المياه تتراكم أمام بيته ولا تصل للمصرف الرئيسي..(هو ذاتو شن المصرف؟)، مما يضعه في دائرة الخطر من أن تقتحم عليه المياه عقر داره وتلحقه بغطس ناس البرازيل اليوم داك!!.