اعلان دولة الامارات العربية المتحدة دولة عدوان    عادل الباز يكتب: المسيّرات… حرب السعودية ومصر!!    الإعيسر: إرادة الشعب السوداني ستظل عصية على الانكسار    الأهلي كوستي يعلن دعمه الكامل لمريخ كوستي ممثل المدينة في التأهيلي    نائب رئيس نادي الهلال كوستي يفند الادعاءات الطيب حسن: نعمل بمؤسسية.. وقراراتنا جماعية    مجلس الإتحاد يناقش مشروع تجديد أرضية ملعب استاد حلفا    "أبل" تستأنف على قرار يلزمها بتغييرات جذرية في متجرها للتطبيقات    من هم هدافو دوري أبطال أوروبا في كل موسم منذ 1992-1993؟    مصر تدين الاستهداف المكثف للمنشآت والبنى التحتية في بورتسودان    . إلغاء رحلات جوية عقب استهداف مطار بورتسودان بمسيرة    الناطق الرسمي للحكومة: قضية الأمة السودانية ضد دولة الإمارات لن تتوقف عند محطة المحكمة الدولية    ما هي "الخطة المستحيلة" لإيقاف لامين يامال؟ مدرب إنتر يوضح    تركيا تعلن استنكارها استهداف المرافق الحيوية ببورتسودان وكسلا بمسيرات المليشيا المتمردة    أموال طائلة تحفز إنتر ميلان لإقصاء برشلونة    وزير الطاقة: استهداف مستودعات بورتسودان عمل إرهابي    شاهد بالصورة والفيديو.. وسط سخرية الجمهور.. خبيرة تجميل سودانية تكرم صاحبة المركز الأول في امتحانات الشهادة بجلسة "مكياج"    شاهد بالفيديو.. أفراد من الدعم السريع بقيادة "لواء" يمارسون كرة القدم داخل استاد النهود بالزي الرسمي والأسلحة على ظهورهم والجمهور ينفجر بالضحكات    عبد الماجد عبد الحميد يكتب: معلومات خطيرة    بعقد قصير.. رونالدو قد ينتقل إلى تشيلسي الإنجليزي    تشفيره سهل التحرش بالأطفال.. انتقادات بريطانية لفيسبوك    "فلاتر التجميل" في الهواتف.. أدوات قاتلة بين يديك    ما هي محظورات الحج للنساء؟    شاهد بالفيديو.. هدى عربي وحنان بلوبلو تشعلان حفل زواج إبنة "ترباس" بفواصل من الرقص المثير    شاهد بالصورة والفيديو.. بالزي القومي السوداني ومن فوقه "تشيرت" النادي.. مواطن سوداني يرقص فرحاً بفوز الأهلي السعودي بأبطال آسيا من المدرجات ويخطف الأضواء من المشجعين    توجيه عاجل من وزير الطاقة السوداني بشأن الكهرباء    وقف الرحلات بمطار بن غوريون في اسرائيل بعد فشل اعتراض صاروخ أطلق من اليمن    الأقمار الصناعية تكشف مواقع جديدة بمطار نيالا للتحكم بالمسيرات ومخابئ لمشغلي المُسيّرات    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (ألف ليلة و....)    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    ارتفاع التضخم في السودان    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هذا الخميس
مصر في وزارة الخارجية.. عودة الملف (2-2)
نشر في الرأي العام يوم 01 - 07 - 2010

ما زالت الكتابات تترى حول جملة، معدودة الكلمات، أطلقها السيد وزير الخارجية الجديد في فاتحة عهده، فتلقفها المؤيدون وهم غالبية غالبة كما اشرنا بعين الرضا، وتلقفتها آذان معدودة ناقمة بعين السخط التي تبدي -دوماً- المساويا. يكشف الجدل الذي أثارته تلك التصريحات غياب المبادرة عن السياسة في عهد إنقاذ الطبعة الثانية، أو إنقاذ ما بعد المفاصلة ، فقد ظلت الحكومة تتعامل بردود الأفعال في الغالب مع مبادرات عنيفة قادمة من الخارج أو من الداخل. ظلت الحكومة طوال العقد الماضي تبعث بوفود الدبلوماسيين والخبراء للدفاع عن السودان في أروقة الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والقارية والإقليمية، وظلت تبعث بالجنرالات والجيوش إلى مناطق السودان المختلفة لكبح تمرد هنا أو مواجهة معركة من معارك الحرب الأهلية هناك، وظلت تبعث بقوات الشرطة لمكافحة التظاهرات في أقاليم البلاد المختلفة. حسب البعض -وكاتب هذه المقالة منهم- إن اعتماد الإنقاذ على جماعة الولاء أورثها ضعف المبادرات وإنها استكانت لهذه الطريقة من العمل واعتمدت على حشد كل قواها أمام المرمى، لكن تصريح السيد/ كرتي ربما يخط طريقاً جديداً. ---- لم يقتصر الأمر على طريقة التعاطي مع مصر الجارة والشقيقة الأولى بل تعداها إلى الإتحاد الأوروبي الذي يتوافد سفراء دوله هذه الأيام، في صمت، إلى المبنى الضخم في شارع الجامعة، ليجيبوا على أسئلة مهمة حول مدى إعترافهم بالنظام القائم، وأي نوع من العلاقات الثنائية يرغبون فيه مع الخرطوم. في الإتجاه غرباً تم إغلاق الحدود مع ليبيا الغارقة حتى أذنيها في السودان. صحيح أن القرار صدر عن وزارة الداخلية حتى يتم تناوله في إطار ترتيبات الحكومة لحفظ الأمن والإستقرار، ولكن إغلاق الحدود، في العرف الدبلوماسي، رسالة شديدة القسوة في التعامل مع الجيران، وهي رسالة جربت الجماهيرية ذاتها أن تبعثها ضد جارتها القريبة تونس فور فك الحصار الدولي عنها. من قال إن ليبيا ليست محاصرة الآن؟ رسالة الخرطوم بعد فك شفراتها تقول: لقد أغلقنا الحدود من ناحيتنا فاغلقوها من ناحيتكم وكفى الله المؤمنين شرور الحدود! قطاع معتبر من الرأي العام أكمل المسيرة فدافع عن كرامة البعض من أبناء السودان في (جنة) لبنان. من الواضح أن تظاهرة النشطاء أمام السفارة اللبنانية صادفت هوى في نفس السلطة لذا فإنها لم تقم بمنعها أو تفريقها تحت أي مزاعم. حسناً، الرسالة وصلت أيضاً إلى بيوت الحكم في بيروت (من شيعة وسنة وموارنة ودروز) فليس ثمة داعٍ لأن يفوت الأمر حده فينقلب إلى ضده. بالمناسبة يحتاج أمر ضبط إيقاع حركة الدبلوماسية السودانية إلى إغلاق مجلس الصداقة الشعبية العالمية وإعطاء أمينه العام السيد/ احمد عبدالرحمن محمد مصحفاً ومعاشاً كريماً والإستفادة من جهد موظفيه وعامليه في الوزارات الجديدة. سيكون من المفيد جداً ألا يقتصر أمر وزارة الخارجية على التعامل مع حالات العداء الخارجي فقط ، بل ينبغي ان يناط بها أيضاً دور تحقيق الصداقات مع دول العالم. ترى كم من الصداقات نجح مجلس الصداقة الشعبية العالمية في عقدها مع العالم؟ ???? في خضم موجة التفاعل مع تصريحات وزير الخارجية إزاء مصر، أثار إهتمامنا تصريحان: أحدهما من مسئول نافذ في حزب المؤتمر الوطني أكد على ما قاله السيد كرتي. حسناً، كرتي هو وزير الخارجية نيابة عن حزب المؤتمر الوطني وبهذا فهو مسئول مسئولية كاملة عن وزارته سواء كان ذلك أمام حزبه أو أمام رئاسة الحكومة، وبهذا المعنى فهو ليس في حاجة لتعضيد أو مساندة علنية من داخل الحزب، لأن مثل هذه المساندات تعطي إنطباعاً غير إيجابي عن مدى قدرة الوزير على إتخاذ المبادرات، وتشي بأن وزارة خارجية الظل ما زالت هناك تعبث بمفاتيح الوزارة كلما أظلم الليل! التصريح الثاني كان من قيادي حزبي معارض وصف تصريحات السيد كرتي بأنها تهدف للتقليل من أهمية الدور المصري، والاستخفاف به، و تعبر عن تيار داخل الحزب الحاكم يعمل على الإضرار ب (العلاقة الأزلية) بين البلدين. مثل هذا لا يحدث في مصر! لا يمكن أن تعلن الحكومة المصرية موقفاً إزاء بلد جار أو صديق فينتفض ساسة المعارضة ضد حكومتهم سعياً نحو توسيع شقة الخلاف، وموالاة لابن العم على الأخ ضد حكمة المثل الشهير. أحد أهم أسباب بقاء المؤتمر الوطني وتمدده في السلطة واستئثاره بها هو عجز الآخرين عن المنازلة الشريفة. إن الحاجة إلى عقد يتواضع فيه أهل السودان ، أو ما سيتبقى من السودان بعد 11 يناير المقبل، على طريقة شريفة في الإختصام والصراع، تصبح كل يوم أكثر إلحاحاً. هذه أشياء لا يولد الساسة بها لكن يمكن أن يتحصلوا على معرفتها وهم في الطريق، لذا ينبغي كتابتها. لا يحتاج الأمر سوى إلى ساسة شجعان من طرف المعارضة ليقولوا إننا سنختصم مع الحكومة على كل شيء لكن هناك سقفاً لخصوماتنا: لن نستقوي بالأجانب، ولن نحمل السلاح، وغير ذلك مما ينبغي للقائمة أن تحتويه. بالمقابل يحتاج الأمر إلى حكومة راشدة لتقول ما دمتم كذلك فنحن لن نستخدم القوة ضدكم ولا العنف، ولن نخرق الدستور الذي تواضعنا عليه فحقوق الجميع مكفولة وفق هذه الوثيقة. إذا أخل طرف بتعهده فعليه أن يتوقع تحلل الطرف الآخر من التزاماته وكما تدين تدان. ??? ونعود إلى مصر التي غضبت من جملة واحدة قالها وزير خارجيتنا. لا مشاحة في إعادة التذكير بان مصر هي أقرب دولة للسودان سياسياً ووجدانياً وإقتصادياً وينبغي ان تظل العلاقة معها دائماً في المقدمة . شعب السودان بحاجة إلى مصرمن أجل التعليم والطبابة والتجارة والثقافة والترفيه وقضاء شهر العسل. لا ينكر إلا مكابر إن خيراً كثيراً ناله السودان هو غيض من فيض النعم في مصر، التي دعا الله عباده أن أهبطوها، وأن لكم فيها سألتم، وأن ادخلوها بإذن الله آمنين. حكومة السودان (هذه أو غيرها) بحاجة إلى ثقل مصر في المحافل الدولية وإن خف هذا الثقل الآن. طريق السودان إلى العرب يمر عبر مصر وإن أخذتنا العزة والعظمة وقلنا إن طريقنا إلى جزيرة العرب، والخليج، والهلال الخصيب، وبلاد الرافدين، والمغرب العربي سالكة دون حاجة منا إلى دليل من الشمال. إن من مصلحتنا الإستراتيجية أن نعزز موقف مصر وندعم ثقلها لكن المشكلة الآن ليست في الخرطوم وإنما في القاهرة. ??? في العقد الأخير تراجع الحضور التاريخي وثقل الدولة المصرية في العالم بشكل غير مسبوق. من يكرمه الله بزيارة مصر والتأمل في حالة الحزن والعوز واليأس التي تشعر بها الفئات الضعيفة في أرض الكنانة يشعر بالأسى ويقول إن هذا الشعب الطيب المضياف الكريم يستحق حالاً افضل من هذا. هذا ليس كشفاً من كاتب هذه المقالة ولكنه يكتب كل يوم في صحف مصر. وصل النظام الحاكم في جارتنا الشقيقة إلى حالة من العجز والضعف في المسرح والتسلط في الداخل مما لا قبل لهبة النيل به وهذا أمر محزن. ليس بإمكاننا المضي أكثر هنا فشعب مصر وحكومتها لا يقبلون أن يكتب أحد عنهم بما لايرضون. ??? ظلت مصر لاعباً سياسياً دولياً بمهارات خاصة منذ آلاف السنين وظل شعبها البهي في رباط منذ عشرات السنين. خاضت مصر ثلاثة حروب مدمرة نيابة عن العرب جميعاً تركت آثارها على جدران عشرات الآلاف من المنازل المصرية التي تزدان بصور لأبطال استشهدوا دفاعاً عن الكرامة العربية. وبالرغم من ذلك فقد تعرض وزير خارجية هذا البلد العظيم للضرب بالأحذية من قبل المصلين في المسجد الأقصى في ديسمبر عام 2003. لقد كان منظراً مؤثراً رؤية الشيخ الكبير أحمد ماهر السيد وهو مغمى عليه في حراسة بعض الجنود. لقد كانت تلك الضربات للأسف موجهة ضد السياسة الرسمية للحكومة فكان كل ما فعله الإعلام الرسمي أن أنكر وقوع الحادثة من اساسها وقال إن السيد الوزير شعر بحالة من الإعياء فتكالب المصلون عليه لحمايته. لابد أن تلك الضربة آلمت السودان أيضاً لأن الخرطوم شاءت أم أبت تستفيد من قوة مصر وتتأثر سلباً بضعفها، هذا ما صنعه الله. في بغداد تعرض سفير مصر إيهاب الشريف إلى الإختطاف والقتل في رسالة مؤلمة وجهها الإرهابيون إلى القاهرة. كاد أن يحدث نفس الأمر للسودان لولا حكمة في وزارة الخارجية إقتضت ان ترضخ الخرطوم فتغلق سفارتها وتحمي مواطنيها من الذبح. في دارفور تعرض الضابط المصري الشهيد إيهاب أحمد للقتل في حادثة إرهابية مأساوية واستشهد الشهر الماضي فقط جنديان أيضاً في منطقة عد الفرسان إثر تعرض قوتهما لكمين مؤسف. هذه كلها تضحيات عظيمة يقدمها شعب مصر عاماً بعام وشهراً بشهر، لأجل هذا ولأجل أفضال أخرى لا تحصى على سائر العالم العربي والإسلامي إستحقت مصر الريادة. فجع العالم منذ أسابيع قليلة بسبب حادثة وقعت في بلدة (كترمايا) الريفية اللبنانية حيث تعرض مواطن مصري إسمه محمد مسلم للقتل والصلب ثم وقف قاتلوه بهواتفهم النقالة وهم يصورونه، من أجل عرض الجريمة البشعة على شبكة الإنترنت. ???? رعايا مصر حول العالم لا يستحقون ذلك بل هم يستحقون التقدير والإحترام وما كنت لأورد هذه القصص المؤسفة لولا أن اعتبر الدكتور مصطفى الفقي رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشعب المصري، والذي تم إجباره على الإستقالة من عضوية المجلس مؤخراً بعد أن تم تعيينه عضواً في مجلس الشورى وهو الغرفة الأدنى للبرلمان المصري، أن حدوثها يكشف عن عداء العرب لمصر! في الواقع قلة في العالم العربي هي التي ستحزن على الإطاحة بنفوذ الدكتور الفقي بخبطة واحدة من نائب منتخب ورئيس لجنة في البرلمان إلى عضو (معيّن) في مجلس ضعيف النفوذ وقليل الحضور في المشهد السياسي المصري، وذلك بسبب شغفه بالإعلام وتصريحاته المتغطرسة. قال الفقي إنه لو كان الشاب قتيل كتر مايا « سعودياً أو عراقياً لما حدث معه ذلك، ولم يكن يصل إلى هذه الدرجة» وقال في نفس الندوة إن تراجع دور مصر هو تراجع إرادي لأن مصر هي التي قررت ألا تحشر نفسها في كل شيء. أسوأ ما قاله المفكر القومي العربي إنه لا مستقبل للعروبة ذاتها. مثل هذه التصريحات تضر بمصر ذاتها وبالتالي السودان فثقل مصر السياسي مرتبط بحضورها في المشهد العربي ، وليس بسبب إتفاقية كامب ديفيد أو كثافتها السكانية. رجل يتولى منصباً حكومياً رفيعاً ويقدم وجهه بملامح عروبية ناصرية ثم يقول علناً «إن الطريق إلى رئاسة مصر يمر بموافقة أمريكية ورضا إسرائيلي» ماذا ترك الرجل لأعداء بلاده؟ رجل يطرح نفسه على أنه مفكر عروبي ويقول إن العروبة لا مستقبل لها ثم قبل حوالي عام واحد كان يرشح نفسه لرئاسة البرلمان الإنتقالي العربي (مؤسسة هلامية تراسها الدكتورة الليبية هدى بن عامر). حسناً أن كان السقوط حليفه لكن مصر خسرت المقعد الشرفي بترشيحها للرجل غير المناسب. بالمناسبة فإن ممثل السودان في الهيئة القيادية للبرلمان العربي هو اللواء ياسر جعفر ابراهيم (من الحركة الشعبية) وهو لم يعد عضواً في البرلمان السوداني، هذا لعناية المجلس الوطني- أم درمان. ??? مؤسف أن تقدم مصر التضحيات ولا تجني ما يليق بها من المكاسب . مصر الرسمية بحاجة إلى ان تسمع كلام الأشقاء في السودان وإعادة النظر والتأمل فيما قاله وزير الخارجية السوداني للمرة الأولى وما قاله العشرات من المهتمين في مصر والسودان. إذا تحدثت فضائية واحدة او صحيفة واحدة لأي مواطن مصري راشد في الطريق وسألته عن أي بلدان العالم أهم بالنسبة لبلاده لقال السودان. بالطبع لا يمكن مطالبة المصريين بإحسان المعرفة عن السودان وقبائله وعاداته وتقاليده وأقاليمه ونظم الإدارة فيه وطرق كسب العيش في اريافه والطرب لموسيقاه وفهم أشعار بطانته لكن على الدولة المصرية تشجيع ذلك. غريب أنه لا يمكن للأحزاب السياسية المصرية أو منظمات المجتمع المدني أن تتصل بنظائرها في السودان. هذا خط أحمر مرسوم بواسطة الحكومة المصرية. شأن العلاقة مع السودان يدار من مؤسسة المخابرات التابعة لرئاسة الجمهورية وهذا-لا شك- يضعف التواصل بين الشعبين. من جانبنا فإن قطاعاً كبيراً من الأدباء والمثقفين المصريين يحبون السودان ويؤمنون بضرورة توثيق الصلات معه، لكننا في الخرطوم لا نحسن التعامل معهم. ماذا يضير لو كلف المسئولون السودانيون أنفسهم ودعوا للندوات التي تقام في الخرطوم خبراء مثل السيد فليفل وحمدي عبدالجليل وإجلال رأفت وضياء رشوان وغيرهم؟ ماذا لو قام مسئول سوداني بزيارة لمنزل الدكتور ميلاد حنا أثناء حضوره لأي مناسبة في مصر؟ ماذا لو بادرت أي
جامعة أو مؤسسة صحفية بتسمية إحدى قاعاتها على إسم الصحفي الراحل يوسف الشريف فقد كان محباً لأهل السودان ومبشراً بين الناس بهم حتى ذهب إلى ربه راضياً مرضياً؟ ???? من ينظر إلى أزمة مصر الأخيرة مع دول حوض النيل يدرك ان الشقيقة الكبرى تدفع ثمن فشل سياستها في المنطقة الأفريقية وعلى وجه الخصوص في دول حوض النيل. في يناير الماضي تناول كاتب هذه السطور التقارب المفتعل وغير الطبيعي بين مصر وإثيوبيا وما نتج عن زيارة رئيس الوزراء أحمد نظيف على رأس وفد تجاري واستثماري ضخم إلى أديس أبابا (التقارب المصري الإثيوبي: أين مصالح السودان، الرأي العام 14/1/2010). جادل الكاتب في ذلك المقال بأنه لا يمكن للقاهرة وأديس أبابا التغاضي عن حقيقة أن النيل لا يصل بين الهضبة الإثيوبية والسهل المصري مباشرة، وإن السودان سيظل دائماً بينهما إذا شاءا التواصل الإيجابي أو انتهيا للإشتباك السلبي. وقلنا إن أمن مصر القومي يحتاج إلى أخوة السودان كأمر لا مناص منه. لم تمض إلا اشهر قليلة لتغير القاهرة وجهتها نحو إرتريا فاستقبلت الرئيس إسياس أفورقي وأكرمت وفادته وحصلت منه على تصريحات تهاجم الإتفاقية الإطارية الجديدة لدول مبادرة حوض النيل. إستقبلت مصر زعيم حركة العدل والمساواة المتمردة ثم توجهت نحو خصمها الجديد الرئيس إدريس دبي الذي نال في القاهرة إستقبالاً تاريخياً مميزاً. فجأة تذكرت مصر افريقيا فبعثت بالوفود إلى بوجمبورا وكيجالي وعنتيبي وغيرها من عواصم الأدغال، لكن كل هذه العواصم أغلقت آذانها منحت مصر الكبرى عاماً واحداً لتنضم للإتفاقية او فلتفعل ما بدا لها. الحق أن مصر تستطيع أن ترمي بهذه الإتفاقية في ذات النيل لكنها تحتاج إلى معاونة السودان. هذه معركة ينبغي الفراغ منها قبل يونيو المقبل وقبل يونيو أيضاً بشهر واحد ولأول مرة منذ توقيع إتفاقية كامب ديفيد 1979 ستواجه مصر تكتلاً عربياً مناهضاً لها في إنتخابات الأمين العام المقبل للجامعة العربية والذي سيخلف السيد عمرو موسى. الجزائر لا تخفى دخولها السحب ببطاقة الوزير عبدالعزيز بلخادم وقطر تقف خلفها وسوريا لن تخرج من المعركة دون مكاسب كعهدها دائماً. السعودية قد تطرح مفاجأة وتدفع بوزير خارجيتها الأمير سعود الفيصل الذي يتمتع بخبرة هائلة واحترام دولي كبير، كما توقعت صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية (13/5/2010). سيقف السودان مع مصر بطبيعة الحال لكن كيف العمل؟ *** لقد تسربت نيفاشا من ثغرة صغيرة في المبادرة المصرية الليبية، وتسربت أبوجا من بعض المعوقات في التواصل بين مصر وواشنطن، ودخلت أسمرا من بوابة عجز مفاوضات القاهرة بين الحكومة وتجمع المعارضة الشمالية وقدمت مصر فقط إتفاقية القاهرة بين الحكومة والتجمع الوطني الديمقراطي وهي إتفاقية ولدت ميتة وها هي الآن اثر بعد عين، فهل أخطأ كرتي في عتابه اللطيف؟

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.