مَا يشغل منابر الخرطوم اليوم والى حلول يناير المقبل، قضية استفتاء الجنوب على تقرير المصير. ويرسل من على هذه المنابر حديثاً مجمعاً عليه ومتفقا فيه على تحديات ومكاسب الوحدة ومخاطر الانفصال. وعم ذلك المنابر السياسية وقطاع المرأة والشباب كافة، وبالأمس نظّم مجلس الشباب العربي الأفريقي بقاعة الشارقة بالمشاركة مع مكتب جامعة الدول العربية بالخرطوم، ندوةً ناقشت مكاسب الوحدة وتداعيات الانفصال نتاج ذلك على المستوى الداخلي والإقليمي والدولي. وأفردت الأوراق التي قدمت مساحة واسعة عن النماذج المشابهة والخلفيات التاريخية والقانونية في تلك المسألة. فيما نَبّه كمال حسن علي وزير الدولة بالخارجية على أن مسؤولية الوحدة تقع على كاهل كل فعاليات المجتمع، وناشد بعدم التسليم أن الإنفصال أمر واقع كما تذهب بعض الأصوات الآن. وزاد: إن الوحدة ممكنة وأن العمل من أجلها واجب الى آخر يوم معلن للذهاب لصناديق الاقتراع. وحدد أتيم قرنق نائب رئيس المجلس الوطني ثمانية أسباب قال إنها لا تدفع باتجاه الوحدة. ورأى أنها ضرورية وتتجاوز مسألة التنمية كثيراً على رأسها المصالحة الوطنية الواردة في الاتفاقية والدستور واعتبرها أتيم بمثابة العيادة النفسية التي كانت كافية لتجاوز كثيرٍ من مسألة عدم الثقة إلا أن الجميع مرّ عليها مرور الكرام، وزاد بأن القوات المشتركة المدمجة المراد بتكوينها بذر بذرة الوحدة لم تؤسس بالروح المرجوّة، كما انتقد السياسة الإعلامية التي (لم توحد بداية منذ توقيع الاتفاقية وكانت لبعض المنابر الإعلامية إفرازات سالبة)، وعاب عدم إدارة ولاية الخرطوم بصورة تعكس التعدد والتنوع الثقافي، وقال إن استيعاب أبناء للجنوب في الخدمة المدنية جاء متأخراً ومن ملاحظاته على ذلك أيضاً أن هناك وكيل وزارة جنوبي واحد في هذه الحكومة. وذكر أن قبائل التمازج بدلاً عن الإنطلاق نحو الوحدة اُستخدمت لتنفيذ أغراض لا تدعم خط الوحدة. إلا أن بقية المتحدثين أجمعوا على كثير من النقاط الإيجابية والعوامل الحيوية التي تلتقي لتغرس للوحدة، واعتبر د. ابراهيم نصر المحلل السياسي المصري أن مسألة تقرير المصير والوحدة والإنفصال لا تخرج من سِياق المزايدات السياسية وممارسة الضغوط لتحقيق مكاسب سياسية تُصب في مصلحة النخبة الحاكمة لا الوطن. فيما ألمح د. حسن مكي الخبير في شأن القرن الافريقي الى أن الاستفتاء تنطبق عليه كثير من الشروط والعوامل التي انطبقت على القضايا الكبيرة وجاءت كنتاج لإرادة خارجية وليست فكرة محلية. وأشار د. ابنيقو أقون بجامعة جوبا الى أن الثقافة ونظام التعليم للدولة يلعبان دوراً مهماً في الوعي بمسألة الوحدة. إلا أن د. محمد عبد الله الريح اختلف معه في أن مسألة الاستفتاء شأن سياسي وتفصل فيه السياسة، وأن الثقافة هي مسألة تواصل لا تقبل الإنفصال، واعبتر الريح أن هناك خيطاً ظل مع قضية الجنوب منذ تفجرها وتجدد مع الأحداث والمواقف وهو سوء الظن وعدم الثقة بين الطرفين. وذكر د. حسن الحاج علي أستاذ العلاقات الدولية بجامعة الخرطوم بكثير من التفاؤل عوامل عدة مفضية للوحدة منها عدم تفاؤل التقارير الدولية بنجاح دولة الجنوب المستقلة إذا كانت نتائج الاستفتاء رجحت خيار الإنفصال. إلا أن ضياء الدين بلال مدير تحرير «الرأي العام» أشار الى أن ذلك الحديث قد لا يفضي الى خيار الوحدة بل يدعم الخط الداعم للإنفصال. وافق د. أمير النعمان أستاذ العلوم السياسية بجامعة الرباط طرح جون دور والي ولاية أعالي النيل السابق الى أن التأسيس على ممسكات الوحدة يتم بالنظر للمصالح الإنسانية التي يتمثلها قطاع واسع من القبائل الجنوبية التي ارتبطت بالشمال والقبائل الشمالية التي إرتبطت وجدانياً بالجنوب. والى ذلك نبه ضياء الدين بلال مدير تحرير «الرأي العام» الى أن العامل الاقتصادي في الاتفاقية كان يمكن أن يكون في صالح الوحدة، لكن تم إهماله، وأمّن على أن الإعلام وكرة القدم والمناشط الإنسانية كافة كان يمكن أن تلعب دوراً مهماً في دعم الوحدة مع اتفاق وإجماع تام للمتحدثين عن مخاطر الانفصال، قال د. عبد القادر يعقوب أستاذ العلوم السياسية بجامعة أم درمان الإسلامية، إنّ وتيرة توقع الانفصال ماضية بصورة مرتفعة، وحذر من أن ذلك حتماً سيؤثر على مناطق جنوب كردفان والنل الأزرق وأبيي بصورة مباشرة وسالبة وبالتالي سيقود ذلك الى عنف قبلي ويترتب عليه اضطراب سياسي وإنفلات أمني يغري بالتدخل الأجنبي في كل المنطقة. وأفاد عبد القادر أن ذلك يترتب عليه شظف عيش في الشمال حيث يمثل البترول (60%) من عائدات الدولة التي ستذهب مع الجنوب. واعتبر د. مصطفى عثمان اسماعيل مستشار رئيس الجمهورية، هذه المنتديات والحوارات تكشف مدى تعاظم مخاطر الانفصال وتبشر بمكاسب الوحدة وهي ضرورية لأنها تعكس ما هو إيجابي وتُرجِّح خيار الوحدة التي نصت الاتفاقية على أن تكون الخيار المفضل. واتهم مصطفى وهو يتحدث في هذا المنتدى، القوى السياسية المعارضة التي قال إنها تجلس الآن في كرسي المتفرج (أول من أستنت الحديث عن حق تقرير المصير وطرحته في مؤتمر أسمرا للقضايا المصيرية في العام 1995م). وقال مصطفى إنَّ الغرب يعمل على دعم انفصال الجنوب وهو أمر غير غريب على الغرب الذي دأب على تطبيق سياسة فرق تسد.. والاستفتاء المقابل امتداد لهذه السياسة. وأضال مصطفى أن الغرب الذي رعى نيفاشا تنصل عنها ويدعم اليوم الخط الانفصالي الذي يقوده بعض قادة الحركة وبلغ بهم الأمر الى مطالبة واشنطن بعدم رفع العقوبات الاقتصادية عن البلاد. ووجّه عثمان، اتهاماً صريحاً للقوى السياسية المعارضة التي قال إنها حيث ذهبت الى جوبا لم تذهب من أجل الوطن، بل ذهبت للتخطيط لهزيمة المؤتمر الوطني ومازالت تعمل في إطار التكتيكات، بحسبان إذا انفصل الجنوب سيقع عبء ذلك تاريخياً على المؤتمر الوطني، وهذا ما عدَّه اسماعيل خلطاً للأوراق ما بين المعارضة للنظام والمعارضة ضد الوطن الذي يوقع في حبال العمالة.