أدركتنى مُقدّمات الوعى السياسى بعد ثورة السودان الشعبيّة الاكتوبريّة... فخرجنا للسطح السياسى فوجدنا الشيوعيّين هم أكثر القوى السياسيّة والاجتماعيّة تأثيراً فوق هذا السطح... حاولنا منذ سنٍ باكر الصعود بالمدارج المشروعة والإنتماء لفكرة التغيير ففوجئنا بأنّ الشيوعيّين يعملون لذلك فوق الأرض وتحتها... ولمّا عَرفنا أنّ التغيير ليست حالة نخبويّة وإنما هى عمليّة إلتحام بالجماهير حاولنا إختراق صفوف الجماهير من أجل التغيير فوجدنا الشيوعيين سبقونا إلى ذلك, حتى ظنّنا أنّنا إذا صعدنا إلى القمر سنجد أن عُمْدة القمر ينتمى إلى الحزب الشيوعى السودانى! الشيوعيّون السودانيّون شكّلوا خيالنا السياسى فى صبانا دون أن نكون أعضاء فى الجبهة الديمقراطيّة... وحدّدوا لنا خارطة الطريق إذا كنّا معهم أو كنّا ضدهم, أو إذا أردنا الوقوف على شواطئ الحياد الإيجابى! فى صبانا السياسى كان الشيوعيون أمامنا أو خلفنا أو حولنا... فهم طلاب معنا فى المرحلة الثانويّة بل إنّ بعضهم كان معنا شيوعيّاً (محترفاً) منذ المرحلة المتوسطة... هم معك فى المدرسة الثانوية ومناشطها الرياضية وجمعياتها الأدبيّة والموسيقيّة والمسرحيّة... يقدّمون الجدل فى كل شئ حتى فى نظريات التفاضل والتكامل ونظريات الهندسة التحليليّة! خارج أسوار المدرسة كنّا نجدهم فى حركات العمال والمزارعين, فى مظاهرات الشارع, كل مظاهرة تخرج أو اضراب يُعلن نسمع فيه كلمة العمال معناه أن ذلك صناعة شيوعيّة محليّة أو من دولة المنشأ: الاتحاد السوفيتى! أحاطنا الشيوعيون السودانيون من كل جانب بالفنانين غناءً وتشكيلاً وتأليفاً مسرحيّاً... أحاطونا بالفولكلور السودانى وبالترجمة من أدب المعسكر الاشتراكى, وبمعسكرات الشباب فى صوفيا وبراغ, وبالمنافسة العنيدة فى الإنتخابات الطلابيّة منفردين أو متحالفين أو جبهويّين... واحتلوا مسارات فى وعينا لم نستطع الإبداع فيها إلا بالسير عكسها! أين الشيوعيون السودانيّون اليوم... فليس كل الرفاق إلتحقوا بالرفيق الأعلى... فبعضهم إلتحق بالليبراليين الجدد... وبعضهم أعضاء فى منظمات حقوقيّة غربيّة رأسماليّة, بل إنّ آخرين منهم لاجئون فى الدول الامبريالية! لابدّ أن نسأل هذه الأسئلة القادمة من أعماق وعينا, ففى هذا اليوم من كل عام يُقَام حفل تأبين للحزب الشيوعى السودانى!!