واحدة من الأغنيات التي يرددها الشباب كثيراً هذه الأيام هي أغنية الفنان حسين الصادق (صاحبي الوحيد): ما لقيتي غير صاحبي الوحيد كان تمشي انتي مع الزمان تبقى الخيانة بعيد.. بعيد وتخلي لي صاحب العمر اشكيلو هم قلبي البريد.. وبرغم أن الصديق خان صديقه.. إلا أن الشاعر يلوم فتاته التي حرمته بخيانتها من (صاحب العمر)، والذي يرى أنه أقرب منها اليه.. وفي قيمنا السودانية هناك مكانة خاصة للأصدقاء، ونردد أن (الصديق وقت الضيق)، ودوما نقول : (الزول ما ببقى غير الناس)، في اشارة إلى أن تواصلنا الاجتماعي هو واحد من أهم مطلوبات حياتنا.. لكن تغير الزمن.. وتباعدت الشقة بين الأهل والأصدقاء وهم يلهثون ويكدون وراء لقمة العيش، وايقاع الزمن المتسارع، فلم تعد الكثير من الارتباطات القديمة كما هي.. (الجيران.. الأصدقاء.. بل حتى صلة الرحم في بعض الأحيان).. لكن إلى أي مدى الصداقة مازالت تحمل بعضاً من ملامحها ودلالتها القديمة..؟ (صديقتي.. أهم انسان في حياتي).. هكذا بدأت مها محمد مصطفى حديثها وقالت: لا استطيع أن أتخيل نفسي دون أصدقاء، الآن نحن سوياً نقضي معظم اليوم في الجامعة، وبعد الجامعة نذهب برفقة بعضنا البعض إلى الأسواق أو التنزه، وحتى حينما نعود إلى المنزل، يظل الاتصال بيننا، خاصة صديقة مقربة جداً بالنسبة لي، وهي تعرف كل أسراري، وتشاركني في كل تفاصيل حياتي.. حسام الدين علي عمر يؤمن على أن الصديق لا غنى للإنسان عنه، لكنه يستدرك: الزمن أصبح صعباً، لا أتحدث عن تغير أخلاقيات الناس، لكن الظروف أضحت ضاغطة للحد البعيد، وأصبح اليوم لا يكفيك كي تقوم بعملك، ناهيك أن تفكر في أن تقوم بصداقات تكون سمتها التواصل.. وحينما سألناه: هل يعني ذلك أنك تعيش بدون أصدقاء..؟ رد قائلاً: صداقات قديمة مازلت محتفظاً بها، لكن يعيبها عدم التواصل، وهذه الصداقات بنيت معظمها في أيام الدراسة، وكانت الحياة حينها سهلة -أو هكذا تبدو لنا-، لكن الآن الظروف تغيرت.. أما مصطفى كمال غبوش فانه ينظر للصداقة بأنها الوجه غير البراق للحب، لكنه الوجه الذي لا يصدأ، ويقول: خلال فترات مختلفة من حياتي كان لدي العديد من الأصدقاء، في الدراسة وفي الحي، والآن في العمل، وأنا أحتفي جداً بأصدقائي، لا يعني أن بعد المسافات يشكل خطراً على الصداقة، لكن نحاول تقريب هذه المسافة ولو في فترات متباعدة، وهاتفي ممتلئ بأرقام اصدقائي القدامى الذين ما زلت أتواصل معهم، ويضيف: كثيرة هي الملمات التي عايشتها، وكان أصدقائي هم الأقرب لي، حتى من أهلي.. لذا لن أفرط يوماً في أحد من أصدقائي.. برغم أن الكثيرين ممن سألناهم أكدوا أن الصداقة مازلت تحتفظ ببريقها ووهجها، إلاَّ أن أمير مكي يقول غير ذلك، فهو يرى أن الصداقات في هذا الزمن أصبحت تبنى على المصالح، ويقول: ليست تجربتي الشخصية فقط، لكن العديد ممن هم حولي، وثقوا في أشخاص واعتبروهم أصدقاء لهم بكل ما تحمله الكلمة من قيم حقيقية للتواصل بين الأصدقاء، لكن للأسف خذلوهم، وتخلوا عنهم في أول امتحان حقيقي للصداقة، فهناك من ابتعد عن صديقه لأنه أفلس، وآخر لأن صديقه ابتعد عن منصبه الذي كان يشغله، وآخرون تجمعك بينهم أعمال مختلفة وتصادقهم، لكن متى أنقضى ما كان يربطكم من عمل، ذهبوا ولم يسألوا عنك مرة أخرى.. ويقول أمير: لا يمكن للانسان ان يعيش بمفرده، لذا بنيت صداقاتي مع أهلي وأقاربي، لأن أواصر الدم قيدها يلازمك طيلة حياتك، وحتى بعد الممات أنت لن تغير من ذلك شيئاً، لذا اكتفيت بهم أصدقاء.. بين مصطفى وأمير بون واسع في الاحساس بالصداقة، ولعل الذين اعتبروا أن الصداقة مهمة يلتقون في نقاط كثيرة، لكن يختلفون في ظروفهم، فلا يزال البعض يعتقد الشيء الكثير في الصداقة، غير أن الظروف تمنعه من التواصل.. وبرغم كل ذلك فللصداقة أكثر من جانب مشرق، ويعتقد الكثيرون وجود (الخل الوفي) حتى في أيامنا هذي.