أدى التطور المتسارع في تقنيات الاتصال، والتوسع في الأشكال المختلفة للإعلام الجماهيري، إلى فتح آفاق جديدة لمصلحة المجتمع، ومضاعفة الروابط بين التعليم والاتصال، حيث أن هناك زيادة واضحة في الطاقة التربوية للاتصال. ويؤدي الاتصال، بما يملك من قيمة تربوية أكبر، إلى خلق بيئة تعليمية لم تكن موجودة من قبل. وفي حين بدا أن النظام التعليمي يفقد احتكاره لعملية التربية، فإن الاتصال نفسه أصبح وسيلة وموضوعاً للتعليم. وفي نفس الوقت، تعتبر التربية أداة لا غنى عنها لتعليم الناس كيف يتصلون على نحو أفضل، وكيف يحصلون على منافع أكبر من وسائل الإعلام. وهكذا، تتضح العلاقة المتبادلة المتزايدة بين الاتصال وبين التعليم. وتشير الدراسات، في بحثها عن تحديد الجمهور المستهدف، اي الذين يتأثرون بالرسائل الإعلامية, إلى فئات خاصة محددة تحديدا قَبْلِيا. إذ أن إستراتيجيات «الإعلام والاتصال» لا تستوعب ما أصطلح على تسميته «الجمهور العام»، وذلك لأن نشاطات الإعلام تتعامل مع جمهور محدد تحديداً دقيقاً. لذا، فقد ظهر مفهوم تجزئة الجمهور, ليتسنى التعامل مع الحاجات الخاصة لكل فئة من الفئات. ويقصد به تحديد الفئات المختلفة للجمهور المستهدف من أجل عملية الاستغلال الأمثل للحاجات الخاصة, بهدف تحقيق أقصى درجة من التأثير, باستغلال أفضل الوسائل. فالجمهور المستهدف يتكون عادة من الأفراد الذين توجه لهم الرسائل الإعلامية من أجل تغيير سلوكياتهم. لهذا، يميز الذين يقومون بعمليات التخطيط في مجال التعليم بين الجمهور الرئيس والجمهور الثانوي في وضعهم للإستراتيجية الإعلامية, وذلك تبعاً للدور الذي يلعبه كل منهما على المدى الطويل لعملية تغيير الاتجاهات والسلوكيات. ويضم الجمهور الرئيس الفئات التي تسعى الإستراتيجية إلى تغيير ممارساتها. أما الجمهور الثانوي فيضم الفئات التي تسعى الإستراتيجية من خلالها للتأثير إيجابياً على الجمهور الرئيس، أي بتحديد الفئة الأكثر قابلية للتأثر، ومن ثم استخدامها ك»نماذج» للتأثير على بقية الفئات. وعادة ما يتطلب تحديد هذه الفئة الخاصة معرفة خصائصها العامة، ومنها الثقافة, ومكانة الأسرة, والمستوى الاجتماعي، والوضع المهني, إضافة إلى الخصائص النفسية والعادات الاتصالية. إن أمر تَدخل وسائل الإعلام والاتصال في خلق البيئة التعليمية لم يعد وصفا لحالة عابرة، بل هو شأن عظيم يوليه الكثير من المفكرين والباحثين والسلطات الحكومية، وخاصة في الدول النامية، أهمية كبرى لقيمته التربوية، ولأثره في التطور الثقافي. فوسائل الإعلام تعادل المدرسة بالنسبة لأعداد لا حصر لها من الرجال والنساء، الذين حرموا من التعليم، حتى ولو لم يستطيعوا أن يحصلوا منها إلا على العناصر، التي يتسم مغزاها بأقل من الثراء، ومضمونها بأكبر قدر من البساطة. والدليل على ذلك، الأهمية التعليمية المتعاظمة للرسائل والأنباء، التي يتم بثها عبر العالم، أو على العكس مضمونها المضاد للتعليم والمجتمع. وقد يكون من الصعب أن نكران الأثر التربوي لوسائل الإعلام والاتصال بصفة عامة، حتى في الحالات التي لا يكون فيها لمحتوى هذه الرسائل طابع تربوي. وتعدى دور الاتصال عمليات التنشئة التربوية إلى الوفاء بأقصى قدر ممكن من احتياجات التنمية في المجتمع، وأن يعامل كسلطة اجتماعية رائدة. كما أن وجود الاتصال في كل مكان في المجتمع الحديث هو علامة على ظهور إطار جديد يتسم بطابع تربوي قوي. وقد أدى الإغداق على المواطنين بقدر متزايد دوماً من المعلومات، وأكثر من ذلك، توسيع نطاق التدفق الإخباري ليشمل فئات اجتماعية وجغرافية جديدة، إلى خلق انطباع بأن الانتفاع بالمعرفة قد أصبح حراً، وأن الفوارق الاجتماعية يمكن القضاء عليها بإشاعة المعرفة. وتشير جهود البحث العلمي في مجال دور وسائل الاتصال في عملية التغيير الجماعي, إلى أن هذه الوسائل، وبخاصة التلفزيون، لها تأثير فعّال في إحداث التغيير الجماعي, ليس بسبب توفير المعلومات للجماهير, ولكن بسبب توفيرها أساليب المشاركة النشطة في هذه العملية. كما تشير الدراسات إلى أن وسائل الاتصال قادرة على تحقيق ثلاثة مستويات من التأثير هي: البعد المعرفي, والبعد الاتجاهي العاطفي, والبعد السلوكي. لذا، فإن تصميم برامج «الإعلام والتعليم والاتصال»، التي تهدف في النهاية على تغيير السلوكيات، يجب أن تأخذ بعين الاعتبار عدداً معيناً من المراحل، والتي يمر بها الأفراد قبل أن يغيروا سلوكياتهم. وهذه المراحل يمكن حصرها في ما يلي: التعرض للرسالة والوعي بها, وتصور علاقة شخصية مع النماذج السلوكية المقدمة من خلال الرسالة, ومعرفة مضمون الرسالة، ثم الاقتناع بها, والميل إلى تغيير السلوك بطريقة تتفق وما تطرحه الرسالة, يتبعه التغيير في السلوك العلني وتعزيزه. كما يمكن الكشف عن الأسرار المهنية، بالاستخدام الأمثل لوسائل الإعلام، حيث إن مفاهيم مثل»حضارة الفيديو»، و»التعليم البديل»، و»المجتمع المسير بالحاسبات الآلية»، و»القرية العالمية»، إنما تعكس ذلك الوعي النامي بأن البيئة التقنية تخلق شكلاً دائماً من أشكال عرض الأخبار وإمكانية الوصول إلى المعرفة. حيث أن المعرفة التي تقدم وتجمع يومياً عن طريق وسائل الإعلام والاتصال المختلفة هي أشبه بالفسيفساء من حيث تمايزها مما يجعلها غير مرتبطة بالفئات الفكرية التقليدية. وربما لا يصل الناس حد المبالغة إذا تأكد لهم أن المعلومات المقدمة من خلال وسائل الإعلام ذات طبيعة مضطربة، إذ أن الأولية تعطى لنشر الأخبار السيئة والغريبة والمثيرة، وأن هناك تشويشاً متزايداً على حساب الرسالة الإعلامية الحقيقية. وبالإضافة إلى ذلك، فإن وسائل الاتصال الجماهيرية تميل إلى دعم وإثراء النظم الرمزية المشتركة، وذلك بالتعبير عنها وتفسيرها بطرائق جديدة. وبذلك، فإنها تقلل من الصفات المميزة للمجموعات، وتعزز القوالب الجامدة، ويصبح التنميط الفكري أرسخ قدماً، وبدرجة تزيد كثيراً عن ذي قبل، دون أن ينكر أحد القيمة الباطنة والظاهرة للمعرفة المجمعة على هذا النحو من عمليات التلقي. لقد أدى تفاعل تقنيات الاتصال مع العملية التربوية أول الأمر إلى تحليل النتائج ووضع المثيرات، التي ظلت تزداد باستمرار، ودراسة أثرها. واليوم، يمكن استنتاج أن أنماط الاتصال تُكَوِّن جزءاً من مجموعة أكبر من التحولات، التي أدت إليها تغيرات تدريجية في البيئة، وأن تأثير التكنولوجيا يختلف تبعاً للظروف النفسية، والفكرية، والاجتماعية، والثقافية للأفراد الذين يتعرضون لها. كما اضطرت المدارس والجامعات، في معظم المجتمعات، إلى التخلي عن احتكارها للتعليم، نظراً لأن الاتصال صار يؤدي جانباً كبيراً من وظيفتها التقليدية. فأصبح الإعلام وسيلة لاختراق الحواجز بين الأفراد والطبقات والمجموعات والأمم، وهذا هو أفضل ما يمكن أن تساهم به المعرفة والخبرة في مجال الاتصال لإثراء التعلم والتدريب والتعليم العام. ويطرح هذا التدخل الحميد قضية إعادة النظر في وظائف المدرسة المعروفة، دون أن يقلل من أهميتها. فقد كانت المدرسة، حتى وقت قريب، هي المصدر الأساسي للمعرفة، والمدرس هو الشخص المعتمد رسمياً لتقديم هذه المعرفة، إلا أن وسائل الإعلام صارت تملك، من الوجهة العملية والعلمية، مقدرة هائلة على نشر المعلومات والمعرفة بحيث لا يستطيع أي مجتمع أن يستغني عنها. رغم أن المدرسة ما زالت تضطلع إلى يومنا هذا بوظيفة التعليم بطريقة دمج، وتركيب، وتحليل المعارف والمعلومات المشتقة من الخبرة، وفهم اللغات الخاصة والأجنبية، التي تصف العالم، وتبين معالمه، وتفسر أحداثه وتاريخه.