(قادتكم سيقضى عليهم.. يجب أن لا تقفوا مكتوفي الايدي) الحديث ما بين القوسين تحذيرات أطلقها الفريق سلفاكير ميارديت رئيس حكومة الجنوب و نقلتها عنه وكالات الأنباء بعدما بثها على الهواء الطلق على مسامع المشاركين في مراسم احتفالات افتتاحية احدى الكنائس بمدينة جوبا .متوجساً من حملة اغتيالات تطال دعاة الانفصال من قادة الجنوب ، والحديث في أماكن العبادة غالبا يكون من القلب الى القلب يطمع قائلة في مباركة السماء ونصرة المؤمنين لا الساسة الذين تغير مواقفهم المصالح الدائمة والمؤقتة في مختلف المنابر شرقاً وغرباً. ووجه سلفاكير في حديثه ذاك اتهاماً صريحاً لمن اسماهم الظالمين الغاصبين بتدبير تلك الاغتيالات في سياق مقارنة بما يجري من مناكفة بين دعاة الوحدة وغلاة الانفصاليين الآن وما حدث في جنوب افريقيا ابان ارتفاع وتيرة مناهضة سياسة الفصل العنصري في ثمانينيات القرن الماضي وتعرض قادة حزب المؤتمر الافريقي المطالبين بالمساواة للتصفية في كل مكان بما في ذلك العواصم الأوروبية من قبل المتشددين في حكومة بريتوريا العنصرية ، ولم تنج من تلك التصفيات حتى النساء. منبهاً المستمعين بأن لا ينسوا حال وقوع حالات الاغتيال تلك بأن لا يقفوا بلا حول ولا قوة بل عليهم أخذ الثأر لمقتل قادتهم . وسلفاكير درج على اطلاق أقوى تصريحاته من داخل صحن الكنائس. فقبل عامين تحدث مع المصلين في احدى كنائس جوبا بشفافية غير مسبوقة وكشف عن وعود بالدعم والمساعدة التزم بها القذافي بينما كان سلفا في ضيافته و قبيل ساعات الفجر الكاذب طلبه القذافي على عجل وبذل له تلك الوعود حال انفصال الجنوب واستقلاله بل ذهب بعيداً وقال ان القذافي أشار اليه بالاستقلال عن الشمال. وأثار ذلك الحديث ربكة وبلبلة وكل التعليقات التي أعقبته لم تنفه نفياً صريحاً مساوياً له وجاءت مغلفة بسلفان الدبلوماسية. وفي نوفمبر من العام الماضي سرت شائعة قوية ترجح تعرض سلفاكير للتصفية والاغتيال إبان إقامته بجوبا . و لم يقل في شأن تلك الشائعة الكثير وذهبت الحركة الى أن الغرض من الحديث عن اغتياله إحداث فتنة دون ان توضح فتنة ممن ومع من؟ وما بين الاغتيال الكاذب ذاك وهذا الذي يتراءى لسلفاكير أمام ناظريه ثمة قصص تروى عن محاولات اغتيال لشخصيات سياسية اعتبرت بمثابة البحث عن أضواء واثارة ضوضاء لا أكثر بسبب ما يراه مراقبون انه يعود في المقام الاول الى طبيعة الشخصية السودانية ومكوناتها السلوكية والاخلاقية التي مهما بلغت شأواً بعيداً لا تصل الى مرحلة الاغتيال بدافع السياسة. وطوال فترة الصراع السياسي والاشتباك بين القوى السياسية من أقصى اليمين الى أقصى اليسار لم تسجل مضابط تاريخ تلك الخلافات حوادث كثيرة، وكانت أشهر حادثة اغتيال تمت غدرا اغتيال القيادي الجنوبي وليم دينق نيال ابرز مؤسسو حزب سانو في ظروف وصفت بالغامضة. وعرف عن نيال بأنه كان رجلاً وحدوياً جند وقته بالتبشير بالوحدة وكان أقرب للوجدان الشمالي، لذا تركت حادثة اغتياله علامات استفهام لم تفك طلاسمها الى الآن وطوى ملف تلك الحادثة وقيدت ضد مجهول. وللمفارقة فإن الاغتيالات السياسية والتصفيات ارتبطت - على قلتها- بالجنوبيين خلال حربهم الطويلة ضد المركز، ويتهم الكثيرون الراحل جون قرنق بأنه مارس هذا النوع في عدد من مخالفيه. واستهجن مراقبون فكرة الاغتيالات أياً كانت دوافعها. واستبعد ياي جوزيف الكاتب الصحافي والناشط في صفوف الحركة من أن يشارك المؤتمر الوطني أو أي من الذين يلتقون معه في المنهج الفكري من القيام بذلك كسياسة ممنهجه لتحقيق مبتغاهم .وقال ل(الرأي العام) ان الاغتيال كوسيلة غير مستبعد في السياسة إلاَّ أنه في السودان لا تدعمه روايات مثبتة. واعتبر ياي الحديث عن الاغتيالات لا يهدف إلاّ لجر البلاد الى نفق مظلم. واضاف ان حديث سلفا عن خطط تحاك لاغتياله وآخرين تعود لأمرين.. أولا: استقطاب الانفصاليين من الجنوبيين وضمان التفافهم حول قيادتهم باعتبار انهم في خطروهو نوع من التكتيك. الامر الآخر ارسال رسائل للدوائر المتشددة داخل المؤتمر الوطني ان الحركة متحسبة لكل الخيارات. إلاّ أن العميد أمن (م) حسن بيومي قال ل (الرأي العام) ان سلفاكير اذا كان يمتلك معلومات استخباراتية موثقة عليه ان يتخذ الاجراءات الوقائية حسب ما متعارف عليه أمنياً والتي تحول دون تنفيذ هكذا مخطط، إلا أنه - والحديث لبيومي- علينا ان نسأل سلفاكير ماذا جرى وقد (مات ) جون قرنق مهندس نيفاشا ورجل السلام المجمع عليه في الجنوب والشمال ؟. وزاد : إذا اغتيل - فرضا- اي من السياسيين فان تنفيذ اجراءات عملية الاستفتاء لن تقف لأنها ليست مرتبطة بالاشخاص. وذهب ياي جوزيف الى ان اتفاقية السلام هي ملك للجميع كما قال الراحل جون قرنق. كما ان هناك التزاماً في الشمال والجنوب بعدم العودة الى الحرب مرة آخرى مهما حدث ،لذا يرى ياي انه لا شئ يهدد الاستفتاء غير عدم الالتزام بالجدول المعلن والمتفق عليه في نيفاشا - وأشار الى ضرورة محاصرة المخاوف حتى لا تستخدم مثل هذه التصريحات لنسف الاتفاقية وايقاظ الخلايا النائمة أو التي لديها رغبة لتفعل كل شئ لايقاف مسيرة السلام. و ذكر بأن الحرب لم تعد خياراً مطروحاً لاي من الاطراف مهما بلغ الخلاف بينهم وان الحوار هو كل ما بقى. واعتبر مراقبون أن سلسلة الاغتيالات التي أشار اليها سلفا في خطابه بدلا من ان تصب زيتاً على النار عجلت بعملية المصالحة الوطنية في جنوب افريقيا رغم فقدانهم لبعض القيادات الفاعلة لان الكلمة الأبقى للشعب.