القرار الذي أتخذه وزير العدل مولانا محمد بشارة دوسة والخاص بالغاء كافة الرسوم بالنيابات اعتبره اهم وأخطر قرار اتخذ في العام 2010م لأنه يلغي الرسوم غير المبررة التي تثقل كاهل المواطن وحتى لا تكون الرسوم المفروضة على العمل الجنائي في أية مرحلة من مراحله حائلاً بين المواطن وحقه في اللجوء الى اجهزة العدالة والحصول على العدالة والوصول اليها دون اي عوائق او مفروضات او رسوم او جبايات مالية، وهو تأكيد على أن واجب الدولة ان تيسر وتوفر كل ما هو ممكن ومتاح للمواطن وبوجه خاص في ساحة العدالة، انه قرار صائب وموفق يستحق عظيم التقدير فلا يصح إلا الصحيح. محجوب عثمان اصابني حزن بالغ عندما تلقيت اثناء زيارتي لابوظبي انتقال الاستاذ محجوب عثمان الى رحاب ربه، فقد حملت له مكانة وذكريات ومواقف والاكثر اهمية ما تعلمته منه مباشرة في بدايات عملي كصحفي، وفي جريدة (الايام) والتي شكلت محطة مهمة في مسيرتي الصحفية، فقد كان واحداً من مؤسسي المدرسة الصحفية الحديثة، وهم الاساتذة بشير محمد سعيد ومحجوب عثمان، ومحجوب محمد صالح اطلق عليهم فرسان (الايام) الثلاثة وهي تسمية حقيقية وليست استعارة، فجسارتهم ووطنيتهم ومهنتهم وضعتهم في الصدارة بجدارة واستحقاق، وهو بوجه خاص عمل في جريدة (الرأي العام) قبل الانتقال الى جريدة (الايام) ووصفه الاستاذ اسماعيل العتباني بالصحافي المتميز الموهوب في ملاحقة الاخبار والانفراد بها فرغم أنه جاء من بورتسودان بعد فصله من عمله لمواقفه النضالية ضد الاستعمار فانه استطاع في زمن وجيز خلق علاقات واسعة مع رموز المجتمع والسياسة، وقد كانوا آنذاك شخصيات ذات حضور وخبرة وعراقة سودانية واستطاع كسب ثقتهم واحترامهم، ولقد تلقيت اول درس منه عن مهام «محرر السهرة» فهو المسؤول الأول عن الصحيفة بعد خروج الزملاء في الصحيفة ولذلك عليه ان يكون يقظاً وفطناً ودقيقاً في متابعة الاخبار من الاذاعات ومن وكالات الانباء المحلية والعالمية وان يوفق في مراجعة العناوين (المانشيتات) لأن الخطأ فيها على حد وصفه (قاتل) خاصة اذا اختل المعنى وان يراجع التاريخ واليوم ورقم العدد وان يميز بين الخبر الأهم والمهم والاقل اهمية لأنه وحده الذي يتصرف في حالة تلقيه خبراً مهماً بعد منتصف الليل، وتعلمت منه ان افتتاحية الجريدة او التعليق ينبغي ان يقترن «بالتغطية الساخنة» او «الخبر الرئيسي» ورغم انه سياسي إلا أن المهنية لديه هي قرين الوطنية وفي الايام الاخيرة للنظام المايوي ظهرت جسارته وبراعته وحنكته خاصة في اجتماعات التجمع النقابي مع الاحزاب قبل الانتفاضة الشعبية وصياغة الميثاق الوطني فجر 5 ابريل 1985م واخفائه في إطار سيارة للحيلولة دون الوصول اليه في حالة مداهمة من جهاز الامن ، وقد زودني بوقائع اهم اجتماع بين التجمع ورموز الاحزاب في منتصف ليلة 4 أبريل وفجر 5 أبريل 1985م والتي نقلتها في كتاب (وقائع اطول يوم في تاريخ السودان الحديث) ، لقد كان رمزاًً وطنياً ومهنياً مهاباً ومحترماً وامتلك مزايا وجرأة الفارس وصفات وخصال السودان الأصيلي. أسبغ الله عليه شآبيب الرحمة «إنا لله وإنا إليه راجعون»