توجه نحو ( 4,2) ملايين غيني الى صناديق الاقتراع يوم الأحد الماضي، لانتخاب رئيس للبلاد في أول انتخابات تعتبر حرة ونزيهة منذ استقلالها عن فرنسا عام 1958 ، وتنافس في هذه الانتخابات المهمة المرشحان المنحدران من اكبر جماعتين عرقيتين في البلاد- وهما الحاج سيلو دالين جالو ينحدر من قبيلة الفلفلدي والتي تقدر (40 %) من عدد السكان- وزعيم حزب الاتحاد القوي الديموقراطية غينيا- شغل عدة مرات منصب وزير ثم رئيس وزراء في ظل نظام الجنرال الراحل لنسانا كونتي(1984-2008 ) والمرشح الثاني- المعارض التاريخي بروفيسور الفاكوندي وهو ينتمي الى اثنية المالينكي التي تبلع نسبتها حوالي (35%) من شعب غينيا- وهو زعيم حزب التجمع شعب الغيني - وقد عارض بروفيسور ألفا كوندي كل الحكومات المتعاقبة منذ سبعينيات من القرن الماضي- وامضى سنتين في السجن اثر الانتخابات الرئاسية التي أجريت في البلاد . وقد حلت الشخصيتان في مقدمة المرشحين البالغ عددهم (24) مرشحاً في الدورة الاولى التي جرت في 27 يونيو الماضي وحصل فيها السيد سيلو دالن جالو على (43.69 %) من الأصوات في حين حصل بروفيسور الفا كوندي على (18.25 %) من الأصوات. و لاحقاً اشتكى من أن عمليات التزوير الذي تعرض لها من قبل اللجنة القومية للانتخابات. وبضغط من المجتمع الدولي دعا المرشحان الى الهدوء والتآخي اثر اندلاع أعمال العنف في عاصمة كوناكري وبعض المدن الكبرى في البلاد، حيث وجه معسكر ألفا كوندي الاتهام الى معسكر السيد سيلو جالو بتسميم جماهير حزب تجمع الشعب الغيني اثناء استقبالهم الحاشد لقائدهم بروفيسور ألفا كوندي اثناء عودته من الولايات الى كوناكري العاصمة. وعلى خلفية هذه الشائعات والتواترات السياسية والاثنية اندلعت مواجهات اسفرت عن سقوط عشرات الجرحى والقتلى. وعشية الاقتراع جدد الرئيس الانتقالي الجنرال سيكوبا كوناتي الدعوة الى تنحي العسكريين عن الحكم بعد الانتخابات. ودعا الى نسيان وقطيعة مع الماضي المرير الذي شابه اعمال عنف وانتهاكات حقوق الانسان. وفقا للمراقبين في الشأن الغيني تمثل هذه الانتخابات نقطة مهمة في تاريخ البلاد باعتبارها خطوة مهمة على طريق الديمقراطية وتعتبر أول انتخابات تعددية وحقيقية تشهدها البلاد منذ أكثر من (50) عاما من الاستقلال، كما أن البعض قد وصفها بأنها انتخابات تاريخية لأنها ستنهى حكم العسكريين الذي شهدته البلاد منذ عقود طويلة على اعتبار أن جميع المرشحين من المدنيين. وكان أبو الاستقلال احمد سيكوتوري (1958-1984) منذ الوهلة الأولى من حكمه للبلاد عمل وفقا للنظام الاشتراكي ثم الرأسمالي. وبعد وفاته عرفت غينيا الحكم العسكري بقيادة الجنرال لانسانا كونتي (1984-2008) اتسمت البلاد خلال هذه الفترة سوء إدارة ثروات البلاد وقمع الحركات الاحتجاجية، وبعد وفاة الجنرال لانسانا كونتي استولى المجلس العسكري بقيادة النقيب موسى داديس كمارا على السلطة وحل الحكومة والبرلمان وعطل العمل بالدستور. كما قام بتشكيل مجلس استشاري يضم عسكريين ومدنيين، تحت اسم المجلس القومي للتنمية والديمقراطية لإدارة شئون البلاد. وللأسف لم يستطع الرئيس كمار اكمال برامجه السياسية، حيث تعرض لمحاولة الاغتيال من قبل مساعده الخاص الملازم( أبوبكر تنمبا جاكيتي) بفعل تداعيات أحداث 28 سبتمبر والذي قتل فيها حوالي (157) معارضاً من قبل قوات الأمن والحرس الجمهوري. وقد أثارت هذه الحادثة غضب المعارضة الداخلية ومعظم القوى الدولية التي اتخذت موقفا مناهضا من الرئيس كمارا وأخذت تطالبه هو ومجلسه العسكري بالتنحي عن السلطة وفرضت عليه العديد من العقوبات، وانتهى الأمر بمحاولة اغتياله في ديسمبر الماضي على يد مساعده السابق، وأصبح منذ ذلك الحين يخضع للعلاج خارج البلاد خصوصا في المملكة المغربية وبوركينافاسو، وتولى السلطة نيابة عنه نائبه الثاني الجنرال سيكوبا كوناتى. ونظرا للأهمية التي تمثلها غينيا باعتبارها تمتلك الكثير من الثروات المعدنية والطبيعية الهائلة التي تتنازع عليها الشركات المتعددة، حيث تمتلك حوالي ثلث مخزون العالم من البوكسيت - وهو معدن يستخدم في صناعة الألمونيوم - كما يتوافر بها مخزون معادن أخرى مهمة - مثل الحديد والماس والذهب واليورانيوم بالاضافة الى الأراضي الزارعية الخصبة والسياحية الخلابة. كل هذه المميزات والخصائص جعلت المجتمع الدولي يهتم بالانتخابات الرئاسية في غينيا، لاسيما فرنساوالولاياتالمتحدة الأمريكية? حيث مازالت هذه الدول تطالب بضرورة اجراء انتخابات حرة ونزيهة وشفافة. ختاما: تجدر الاشارة الى أنه نظراً لحساسية الواقع السياسي الراهن المتمثل في الشعور بالحزبية والطائفية والعرقية? من المصلحة العامة للشعب الغيني في هذا الوقت الحرج- أن تتم معالجة نتائج الانتخابات بالحيادية والشفافية بعيداً عن الحزبية والطائفية، فلا أتوقع ان تقبل جماهير المعسكرين النتائج المزورة. وبعد اعلان النتائح الشفافة أهم التحديات التي تواجه الرئيس المنتخب الجديد هو قدرته على تحقيق الاستقرار وتعزيز النسيج الاجتماعي وحسن استغلال ثروات البلاد البشرية والمعدنية والطبيعية. والسؤال المحير الذي يطرح نفسه في هذا الاطار هل ستحظى غينيا برئيس يعزز النسيج الاجتماعي ويحقق الرفاهية للشعب؟؟؟!