يقول المثل السديد: هدّاها وجلس على تلها. هذا مثل يليق بأفعال ادارة بوش في العراق، هذه الادارة لم تحقق من غزوها العراق، الذي صادف يوم امس 20 مارس، شيئا واحدا من اهداف الغزو المعلنة، حصلت فقط على النفط العراقي. ها هو ينساب بدون محابس في الانبوب الامريكي، ولكن بدأت الادارة تكتشف ان هناك ملفات انفاق في يدها في العراق، ما بعد الغزو، صارت تحيل «حلاوة» النفط المنساب في عروقها الى شىء «مر». يحدث هذا لادارة جاءت الى البيت الابيض، اصلاً، محمولة ببرميل النفط، وعلى اجنحة دعاية جموحة تروج للنفط، ولرئيس نفطي مطوق بمجموعة نفطية، ظل طوال اعوام حكمه الثمانية المنقضية، يتعبد تحت برميل النفط، ويصرخ صراخ الاطفال اينما رأى النفط. لقد دفعت ادارة بوش المتشددة، بجنون، بالرجل المسكين كولن باول وزير خارجيتها السابق، ليكذب نيابة عنها بشأن اسلحة «الدمار الشامل»،التي يمتلك ترسانتها الرئيس العراقي السابق صدام حسين، وتفانى باول في خدمة رئيسه وعصابة النفط الحاكمة بزعامة ديك تشيني، وليس بوش في حقيقة الامر، فعرض الكذب في مؤسسة يفترض ان تكون الحارس الامين لامن العالم، وان يوزن فيها الكلام بالذهب: مجلس الامن، ولكن، في مشهد مسرحي درامي حبس له العالم انفاسه، وعلى طريقة «صديق البطل» في الافلام الهندية، عرض الرجل صورا وعينات ومواقع لاسلحة صدام ذات الدمار الشامل المهددة لوجود العالم باسره، وحدد باول المخاطر، وقال ان لم يقاتل العالم الرجل وتنزع منه الاسلحة الخطيرة فانه سيصبح في كف «عفريت» اسمه صدام. وجر المشهد الخطير«الممسرح»، بما حمل من عناصر تشويق، كل حمالين الحطب لاشعال نار الحرب على العراق، من بينهم بلير بريطانيا، وثباتيرو اسبانيا، وآخر لا أذكر اسمه الآن من استراليا، ولن نحدثكم عن الامة العربية والاسلامية الرسمية، وتوجت مسرحية الكذب، تلك باحتلال العراق عبر حرب حشدت له كل ادوات القتل والدمار. اكتمل الغزو، ولم ير العالم المنتظر لحظة القول الفصل والاختبار الاخير لحجة الغزو، شيئا مما قيل، لم ير ولو «صرة» من اسلحة الدمار الشامل، ناهيك عن ترسانة بحالها، وصور بحالها وعينات بحالها، ومنصات لاطلاقها بحالها، او كما عرضها باول، في مجلس الامن الدولي . ومن هناك بدأت مأساة العراقيين: أكثر من (20) الف قتيل، ونحو خمسة ملايين مشرد في الداخل والخارج، ودمار شبه كامل للبنية التحتية، وسيادة ذهبت مع الريح وفتنة طائفية يعلم مداها الله وحده، واستنطاق كل الشرمن خموله، واخراجه للسطح بكل اثقاله. هي مأساة بلا أم أو أب يبكيها، ومأساة ادارة بوش والجيش الامريكي، واختلاط الاوراق الامريكية، وهبوب الرياح بما لاتشتهي السفن الامريكية في المنطقة. بعد خمسة اعوام على غزو العراق باتت مصالح الامريكيين السياسية والامنية والاقتصادية في المنطقة مهزوزة «للاخر»، ففي العراق تشكلت خارطة جديدة،«تراوغ» بوش وترمي في مرماه «الكرة» الايرانية، وهي كرة تبغضها امريكا، لأبعد الحدود، وارادت ان تبعد اسرائيل من صدام فجاءت، بما هو اخطر عليها من صدام:بايران والقاعدة، ومدت بالغزو حبال الحزام الشيعي:ايران العراق سوريا حزب الله في لبنان:وصارت نيران الشيعة على مرمى الدولة المصنوعة التي اراد ان يحميها بوش من خطورة صدام، والجيش الامريكي يتوه ويموت في العراق: فاق عدد قتلاه اربعة آلاف جندي، و«العداد رامي»، وصار بين بوش وقضية الشرق الاوسط المحورية، التي قال انه جاء لحلها، بعد المشرقين، بل ازمها هذا المتشدد وعقدها اكثر، بتناوله الاقصائي لها. هكذا فعلها بوش برعونة وسيذهب قريبا الى مخزن التاريخ، ولكن الجميع سيدفع كلفة الرعونة، وقد تكون من ضمن الكلفة حرب اخرى.