الحديث الكثيف عن الخلافات بين القوى السياسية حول قانون الانتخابات تضاءل في الفترة الأخيرة حتى قيل إن حوالي «90%» من هذه الخلافات قد سويت ورفع مشروع القانون إلى رئاسة الجمهورية لتفصل فيه. ربما ساعد وصول القوى السياسية الرئيسية (المؤتمر الوطني، حزب الأمة القومي، الاتحادي الديمقراطي المرجعيات)، بالإضافة للتفاهمات الحادثة بين أحزاب حكومة الوحدة الوطنية .. مجمل هذه التفاهمات ربما ترتفع بدرجة التوافق إلى «90%» وهي تقريبا نفس الدرجة التي وصل إليها التفاهم حول قانون الانتخابات. جزء من التخوف من احتمال حدوث تزوير في نتائج الانتخابات القادمة مشروع، وجزء آخر غير مشروع. الجزء المشروع من المخاوف ما يراه الناخب في مجمل انتخابات العالم الثالث من هنات وأخطاء قد تصل إلى مستوى التزوير الكامل، وهذا غالبا يحدث في الانتخابات غير الديمقراطية، أي انتخابات العهود الشمولية. فيختلط الأمر على الإنسان العادي بحيث لا يميز كثيرا بين انتخابات العهد الديمقراطي والعهد غير الديمقراطي. أما الجزء غير المشروع فهو الجزء الذي يربط بين نزاهة الانتخابات وفوزه فيها. إذا حصل الحزب على ما كان يرجوه فالانتخابات نزيهة، وإذا حصل العكس فالانتخابات مزورة. بالنسبة للقوى السياسية التي ستشارك في الانتخابات يمكننا أن نميز بين ثلاث أو أربع مجموعات: مجموعة الأحزاب التي بيدها السلطة (المؤتمر الوطني والحركة الشعبية) تملك الحرية الكاملة للحركة، وبالذات في إمكانيات التمويل، فهي تملك وضعا مريحا على الأقل أنها بقيت مستيقظة وفاعلة طوال الثمانية عشر عاما الماضية. مجموعة الأحزاب التقليدية (الأمة والاتحادي) اللذان يعتقدان أنهما الحزبان الرئيسيان في الساحة حسب ما أفرزته نتائج آخر انتخابات ديمقراطية، فأية نتائج تغير هذا المفهوم ستكون بالنسبة إليهما محل شك. مجموعة الأحزاب العالية الصوت بحيث أصبح صوتها مؤثرا في الساحة بينما أثبتت تجارب انتخابات العهود الديمقراطية السابقة أنها لا تملك قوة (تصويتية) عالية تؤهلها للوصول إلى مرتبة قريبة من مكانة صوتها العالي، وهي تدرك هذه الحقيقة، حقيقة أن نتائج هذه الانتخابات بالنسبة لها لن تختلف عن نتائج الانتخابات السابقة. فهي لا تحبذ إجراء الانتخابات وإذا جرت الانتخابات فالخيار الأول بالنسبة لها هو التشويش على نتائجها لتبرر إخفاقها في الحصول على مقاعد تتناسب مع إدعائها. مجموعة الأحزاب الجديدة، الجديدة في تكوينها أو تلك المنشقة عن الأحزاب الأم، وهي أيضا يبقى نصيبها في نتائج الانتخابات معلقا على خيط واهٍ وإن كان مزاج الشارع الانتخابي لا يتعاطف كثيرا من (المنشقين) كما أظهرت نتائج الانتخابات السابقة. لكن من حسن الحظ أن تراثنا الانتخابي ليس فيه تزوير كامل لنتائج الانتخابات إلا بعض التلاعب البسيط الذي لم يترفع حزب، في الحكومة أو المعارضة، عن الولوج فيه بدرجة من الدرجات. وبعد .. الانتخابات قادمة، والخريطة السياسية تقول إن معظم الأحزاب لا تأخذ الاستعداد لها بمأخذ الجد، ومعظمها تنتظر النتائج والفشل لترفع لافتة التزوير. ولذلك ستكون كارثة للأحزاب المهيمنة إذا لجأت لأي نوع من أنواع التزوير .. وهذا يكفي الآن.