هناك بالطبع العديد من المناسبات التي تستخدم فيها أدوات الزينة والحلى مثل مناسبات الزواج والأفراح بصورة عامة والأعياد الدينية وزيارات الأهل وانتهاء فترة الوضوع وانتهاء فترة الحداد علي الأقارب أو الأولياء الصالحين أو قدوم ضيوف من الأقارب أو السفر.. إلخ إلاَّ ان هنالك مناسبات معينة تتميز بوضع خاص، ويتراوح استعمال الحلى فيها بين الأداء الطقسي الجاد والشعور الغامر بفرح الاحتفال والتزين.. وسنبدأ هنا بالحديث عن الجرتق بإعتبار أهميته وخصوصيته من حيث المحتوى ومن حيث الشكل. عند مناقشتنا للأصول التاريخية والثقافية لأدوات الزينة أن الجرتق تقليد نوبي قديم ومتأصل، وعادة طقسية لازمة في عدد من المناسبات، فهي ممارسة تعكس في مضمونها الأساسي رؤية هذا الانسان الشعبي وتفسيره للعالم وحوادثه. وهناك حلى أساسية يتكون منها الجرتق تتكرر في كل مناسباته، وإن كنا نلاحظ بعض التنويعات والاضافات خاصة في المراحل المتأخرة. وحلى الجرتق مبسطة في شكلها وكمها، وتنحصر خاماتها في الأحجار شبه الكريمة والفضة والذهب والحديد إلى جانب تلك الممارسات الخاصة المرتبطة به لحظة عمله. هذه الحلى هي: 1- الخرزة وهي أهم عناصر الجرتق على الاطلاق ومن دونها لا تقوم حالة الجرتق- و هي كما ذكرنا ترجع قيمتها إلى كونها حجراً ذا قيمة بصرية ولمسية وفيزيقية خاصة. وإن كان يستعاض عنها الآن بتقليدها من الزجاج الملون. كذلك تستعمل إلى جانبها خرزة المثمن الفضية وإن كانت لا تغني عنها. تربط الخرزة بخيط من الحرير الأحمر في معصم اليد اليمنى وتتدلى منها خصلات من الحرير الأحمر تسمى «حريرة» ويشار إلى الخرزة نفسها بلفظة الحريوية هذه كما تدل اللفظة أيضاً على الجرتق نفسه.. والخرزة شاملة للصبي والصبية المختونين وللعروسين والمرأة النفساء وفي بعض حالات الزار. 2- المطرق وهو عقد من حبات الشولق يجب ان يشتمل على حبة كبيرة أو حبات من خرز السوميت ويلبسه العروسان والمختونان والنفساء.. ويكون المطرق أحياناً كما في الشكل «63أ» حبة ضخمة من خرز السوميت تتدلى فوق الصدر مع الحريرة. 3- المشاهرة وهي كل ما يلبس من تمائم الفضة. وفي حالة الجرتق تستعمل الحفيضة والجبيرة التي تلبس برأسين مثمنين عند الآناث ومن دونهما عند الذكور. 4- الهلال وهي حلية الجبهة الخاصة بالعريس والصبي المختون فقط. 5- سبحة اللسر: وهي سبحة ضخمة تتدلى إلى ما تحت الخصر وهي غالباً من المرجان الأسود. 6- يلبس خاتم الجنيه ويعلق فوق صدر الصبي و الصبية المختونين. 7- يعلق العريس والصبي المختون سيفاً فوق كتفيهما فهو رمز للرجولة وحماية في نفس الوقت. 8- الفال «الضريرة» والحناء «الحنة» تصنع عجينة من مسحوق من الروائح الهندية «القرنفل والمحلب» الممزوجة بريحة المحلبية السائلة، وروائح أخرى، يُغطى سطح الرأس بهذه العجينة ثم يضاف من فوقها مسحوق ناعم من عود الصندل ويحاط الرأس من ثم بمنديل أحمر «بالنسبة للعريس والصبي فقط» مثبت فيه عند الجبهة حلية الهلال المذكورة وهذا بالنسبة للذكور فقط. كذلك توضع الحناء في اليوم السابق للختان وقبل الزواج بالنسبة للعروسين. هذه هي أهم حلى الجرتق التي تعتبر عنصراً لازماً في مناسبات الوضوع والختان والزواج. وفي الحالتين الأولى والثانية يأخذ الجرتق طابعاً طقسياً بحتاً أما في حالة الزواج فإنه، إضافة لهذا الجانب، يتخذ مضموناً جمالياً احتفالياً وتنضاف بعض عناصره إلى جموع الحلى الأخرى خاصة بالنسبة للعروس. وسنتناول ملامح من هذه المناسبات بالقدر الذي يتوافق مع ضرورة عرضنا للحلى وأدوات الزينة الأخرى، وذلك إلى جانب تناولنا لمناسبة أخرى لاستعمال الحلى هي حالة الزار. أولاً: الوضوع: هناك قول سائر بين الناس بأن «الولادي موت». فحالة الوضوع تعني تعرض الحامل لاخطار ماحقة بسبب الطهارة الفرعونية وبسبب الوسيلة البدائية التي كانت سائدة في التوليد وهي ما يعرف «بولادة الحبل». هذه الاخطار إلى جانب كثرة من المفاهيم الغيبية العميقة الجذور تجعل من مناسبة الوضوع مزيجاً من الفرح والخوف، وتضفى على طقوسها وقاراً مشوباً بالتوتر والرهبة، رغم المحاولات السلوكية والصيغ القولية الداعية للتفاؤل والأمل. في الفترة السابقة للوضوع ومع حلول الشهر التاسع توضع الحناء على يدى وقدمي المرأة الحامل، ويربط منظوماً بالخرز والودع في شكل حزام تحت بطن الحامل وذلك إلى جانب حلية الرباط التي توضع في الشعر أعلى الأذن وهي من الفضة وتتدلى منها حريرة الجرتق ومجموعة سلاسل ببروقها تسمى الشوشاو، لا بد وأن يكون للحفيف الذي تحدثه وظيفة معينة ربما تتعلق بارهاب الأرواح وطردها، كما تلبس خاتم (اب راكوبة) ذا الحجر المسمى حجر الدم والمعتقد بأنه يوقف النزيف. بعد الوضوع تربط الخرزة ويوضع الفال كما يحرق البخور المكون من الشب «باعتباره حرزاً» وحبات من نبات القرض وصمغه ويسمى باللبان، وتعتبر هذه المجموعة حرزاً وطلسماً.. كذلك تغرز حلبة الرباط في الحائط قبالة سرير النفساء، ولا تترك النفساء وحدها خاصة وقت الغروب كما يراعى عدم ترك المكان مظلماً. أما الطفل الوليد فيربط حول خصره خيط من الجلد به ست ودعات يعتقد بأنه «يمنع انبهال مصران الطفل» والودع نفسه يعتبر حرزاً ضد أنواع الشر. كذلك تربط في يدى الطفل ورجليه خيوط قطنية يكون أحد «الصالحين» أو المتدينين «الشيوخ أو الفقراء» قد «عزم» عليها أي قرأ قبالتها تعاويذ وآيات من القرآن، وبعد أربعين يوماً تنزع هذه الخيوط ويعلق حجاب صغير في رقبة الطفل فيه آىات وتعاويذ، وعندما يحبو الطفل توضع له الجبيرة وأحياناً الحفيضة وتظل في معصمه أو معلقة فوق صدره «الحفيضة» حتى وقت ختانة فلا يلبسها بعد ذلك.. وبعد الأربعين يوماً تخرج النفساء من بيتها وتستحم وترتدى حليها كاملة. ثانياً: الختان قبل الختان بيوم واحد تقام الولائم ويجري احتفال بوضع الحناء «الاحتفال بالنسبة للذكر والمختون فقط من غير الأنثى أما الأنثى فتحنن من غير ضوضاء».. بعد الختان يتحلى الصبي أو الصبية بحلى الجرتق مع الفال. وربما يكون الاختلاف بين هذه الحلى ورصيفاتها الخاصة بالعروسين محصوراً في نوع الزخرف ودرجة الاتقان. فهذه الحلى الخاصة بالصبية المختونين أكثر بساطة واقل تكلفة. والملاحظ ان الصبي يمتشق بجانب الجرتق سيفاً ويحمل سوطاً من الجلد، كذلك تلبس الصبية خاتم (اب راكوبة) المذكور وهو بالطبع خاص بالاناث فقط في حالة الختان والوضوع. وتقوم والدة الصبي أو الصبية، أو إحدى النسوة من الاقارب من ذات المكانة والولد، بإلباسهما حلى الجرتق وعمل الفال وترافق هذه العملية تمتمات متصلة من الدعوات.