شهدت دار الخريجين بودمدني ندوة كبرى حول الدستور الدائم المرتقب للسودان بعد حدوث الانفصال في التاسع من يوليو المقبل 2011م. وتحدث فيها د. أمين مكي مدني - الخبير في القانون الدولي - ود. اسماعيل حاج موسى احد رجال الفقه القانوني وعضو مفوضية القضاء. استمرت الندوة لأكثر من ثلاث ساعات وشارك فيها ممثلو الاحزاب السياسية والقوى العاملة بمداخلات. فقد رصدت (الرأي العام) بودمدني أهم النقاط الجوهرية التي اشتملت عليها حجج المحاضرين أمين واسماعيل ووجهات النظر الأخرى في المداخلات. ---- وكان من أهم رؤوس الموضوعات التي طرحت: طبيعة الدولة، سلطان الدولة مركزية أو لا مركزية. اللغة. الحاكمية والسيادة. الدين والدولة. سيادة القانون. استقلال القضاء. الحريات العامة وحرية العقيدة وحرية الصحافة. حماية الحقوق الاساسية. حق الجنسية والمساواة والإنتخاب. كانت هذه أهم النقاط الرئيسية. ما هو الدستور؟ قال د. أمين مكي مدني إنه - اي الدستور- هو الوثيقة التي يتفاهم عليها المواطنون بتحديد طبيعة الدولة واسس الحكم من مؤسسات وقوانين. واحلامهم للعيش الكريم وهذه حقوق ثابتة تشارك فيها جميع القوى العاملة من نقابات وجمعيات ورجال ونساء حسب تنظيماتهم وجماهير المجتمع عامة. ويتم هذا اما عبر استفتاء عام اجازته من خلال جمعية تأسيسية.. بحيث ان الدستور الدائم للبلاد هو أب القوانين التي تخضع له جميع القوانين وان الدستور لا يعدل لشخص ما أو لجهة ما سواء أكان هذا تعديلاً جذرياً أو غير ذلك أو ادخال مواد معدلة لغرض معين، كما حدث في العام 1965م وحل بموجبه آنذاك الحزب الشيوعي السوداني. التعديلات خلال خمسين سنة ومضى يقول د. أمين ان تجاربنا خلال خمسين سنة لاجراء تعديلات في الدستور لم يحالفها التوفيق من الحكم الذاتي في الانتخابات العامة الأولى برئاسة الخبير الهندي سكومارسن تم اجراء تعديلات اخرى طفيفة في العام 1955م لتحقيق استقلال السودان في يناير 1956م حتى قضى على الدستور بانقلاب عسكري في 17 نوفمبر 1958م. ثم اجرء تعديلات اخرى للدستور بعد نجاح الثورة الشعبية في أكتوبر 1964م. ثم جاء دستور العام 1998م وأخيراً في العام 2005م وجميع هذه التعديلات مصدرها دستور العام 1956م والمعدل الآخر في العام 2005م هو الذي يحكمنا حالياً وجاء متناغماً مع توقيع اتفاقية نيفاشا بين حزب المؤتمر الوطني والحركة الشعبية لتحرير السودان وهما حملة السلاح واستبعدت عن المشاركة كل القوى السياسية. ولكن هذا الدستور المعدل وجد قبولاً جماهيرياً لثلاثة اسباب وهي: 1/ وقف نزيف الحرب. 2/ السعي لجعل الوحدة جاذبة لأبناء الجنوب وخلق وحدة بين الشمال والجنوب. 3/ إحداث تحول ديمقراطي. وقال المحاضر إن التساؤل يظل قائماً الى متى ستتوقف الحرب؟ الوحدة الجاذبة، اختار الجنوبيون الانفصال عن رغبة إلاّ أن يوم 9 يوليو سيظل يوماً اسود في تاريخ الأمة السودانية ومع هذا نأمل ان يعقبه سلام دائم بين الدولتين في الشمال والجنوب. القضايا العالقة: لم يحسمها الطرفان الحاكمان وهي: ترسيم الحدود.. مشيراً الى ان التجارب توضح ان حروباً جرت بسبب الصراعات على نهر أو أشبار من الامتار ولكن في السودان وضع الحدود المتصارع عليها تقدر بمئات الكيلومترات. مسألة البترول مشيراً الى تصريحات رئيس الجمهورية في بورتسودان عند زيارته الأخيرة. وحول هذه الضغوط، الحكومة سرحت كل الجنوبيين الموظفين بمؤسسات الدولة وأصبح ليس لهم موقع. كما اصدرت مصلحة العمل توجيهاً للقطاع الخاص للتخلص من الجنوبيين. الجنسية السودانية: الذين يولدون في السودان منذ العام 1956م بالقانون السوداني هم سودانيون وهناك قانون كيف تنزع الجنسية في حالة الخيانة العظمى. وخلص د. أمين بهذه الضغوط اذا تم طرد مليوني جنوبي تتحقق قولة لا حقنة دواء الشهيرة. وتساءل عن كيف وضعت العراقيل من قبل حكومة الوحدة الوطنية بجعل الوحدة جاذبة. وتحدث د. أمين عن حجم الديون الخارجية البالغة ثمانية وثلاثون مليار دولار. كيف معالجتها مع المؤسسات الدولية ثم مسألة التحول الديمقراطي الذي لم يتحقق، علماً ان المادة (27) من الدستور الحالي المعدل للعام 2005م تتحدث عن الحقوق والتعبير والتنظيم والتظاهر والصحافة والمطبوعات والمرأة والطفل كلها لم تتم لتحقيق التحول الديمقراطي بجانب ان حكومة السودان رغم موافقتها وتوقيعها على المواثيق الدولية لم تطبقها مشيراً في ذلك الى بعض القوانين السائدة. وتحدث د. أمين عن جملة قضايا منها قانون منظمات العمل الطوعي والصحافة والمطبوعات وقانون مكافحة الارهاب والقانون الجنائي العام 1991م. ثم المسألة الكبرى استقلال القضاء والمحكمة الجنائية الدولية. وعن مسألة اقرار الشريعة الاسلامية في الدستور قال د. أمين إنها ليست شعاراً أو يافطة مذكراً بقوانين سبتمبر 1983م، خلال النظام المايوي مشيراً الى الفتوى الاخيرة لشيخ الازهر بمصر أنه - أي الأزهر - لا يعترف بالدولة الكهنوتية أو الدينية، واختتم متسائلاً: أين نحن من كل هذا اليوم؟ وقال د. اسماعيل حاج موسى.. ان يكون عمل الدستور المرتقب بعد 9 يوليو يجئ من حصيلة الحوارات ويكون بالدستور ضمانات ومقومات ومناخ ملائم لتحقيقه ولتحقيق التنمية المستدامة والتحول الديمقراطي وان يكون السلام مستمداً من الديمقراطية. واضاف: لنا بالسودان رصيد كبير ثر من الادب الدستوري الذي يمكن ان يرتكز عليه الدستور مستعرضاً الدساتير السابقة (56 - 65 - 68 - 73 - 98) والاخير في العام 2005م. وأكد بحديثه: امامنا أُفق رحب مضاء لوضع دستور دائم يحدد طبيعة الحكم والمبادئ الاساسية الموجهة مشيراً بذلك الى مسألة النظرية والتطبيق، كما رد د. اسماعيل على بعض النقاط الخلافية التي تطرق إليها د. أمين. مداخلات قال د. الفاتح الشيخ - نائب رئيس المجلس التشريعي بولاية الجزيرة - انهم يتطلعون إلى دستور يضمن كفالة الحريات والحقوق وكرامة الانسان وينبغي ان يبنى الدستور المرتقب عبر الممارسة وليس نظرياً ولا بد ان تنشأ دولة مؤسسات وليست دولة افراد وانه ميال ليجد نفسه ان يكون النظام مزدوجاً رئاسياً وعبر البرلمان يتم انتخاب لرئيس الوزراء. قال علي حمزة - رئيس الحزب الاتحادي المسجل - انهم يريدون دستوراً يؤكد نظام الحكم - ثم ان يخضع الجهاز التنفيذي للرقابة التشريعية وان يكون للصحافة سلطات وللقضاء ولاية استقلالية كافة أن تكون المحكمة الدستورية منفصلة عن الهيئة القضائية.. وان يحدد في الدستور عن تكون سلطات الشرطة والأمن كسلطات مدنية - وطالب بدستور يؤمن الاستقرار السياسي. من جانبه قال عثمان عمر الشريف القيادي بالاتحادي الديمقراطي الاصل ان وثيقة الدستور استراتيجية وان الدستور هو القانون الأعلى. وتحدث عن الاصلاح السياسي. وأكد انهم في الحزب الديمقراطي الاصل لا خلاف لهم مع المؤتمر الوطني إلاّ أن الخلاف في التطبيق من النظرية. هذا وقد تعاقبت المداخلات من الاحزاب والحركة الشعبية وكلها قدمت رؤى حول الدستور المرتقب بعد الانفصال في 9 يوليو المقبل 2011م.