لا يختلف اثنان على إيجابيات العمالة الوافدة كونها رافداً من روافد التنمية في أية منطقة! وهي نوع من الضرب في الأرض إبتغاء الرزق، وجلب النفع. وهي حركة طبيعية للبشر منذ فجر تأريخها، وحتى يرث الله الأرض ومن عليها. العمالة الوافدة في السودان نشطت بعد ظهور الذهب الأسود في نهايات القرن الماضي، وبعد اكتشافه بكميات تجارية، ومعاودة تصديره للخارج، والعمالة الوافدة التي دخلت السودان يمكن تقسيمها لآسيوية وأفريقية، بجانب إستثمارات عربية وأخرى يمكن اعتبارها «متنحية» لجهة أنها أوروبية دخلت عن طريق شركات هندية أو ماليزية أو حتى أمريكية جنوبية! بالطبع تركيزنا هنا على العمالة الأجنبية التي بدأت تتسرب من الجوار الافريقي، أثيوبيا وأريتريا وكينيا ويوغندا وتشاد وغيرها.. فسنجد أن أكثرية هذه العمالة.. عمالة اثيوبية واريترية وبكثافة في الآونة الأخيرة، وهذه القضية برغم الجهود المبذولة من جهات الاختصاص إلا أن حصرها وضبطها يحتاج لجهود دولة بأكملها لا دائرة من دوائرها. العمالة الاثيوبية والاريترية لا تعتبر عمالة وافدة بقدر ما تعتبر عمالة لاجئة ومستوطنة من قبل عصر البترول، وهي مجموعات لجوء.. كان السودان مجبراً للتعامل معها بمقتضى توقيعه على اتفاقات دولية.. عددية اللاجئين الاثيوبيين تكاد تكون حركة يومية لا تتوقف تبدأ عند الحدود، ولا تكاد تتوقف عند الخرطوم العاصمة، والحكومة الاثيوبية لا تكترث لها على الإطلاق لا بل تكاد تكون مشجعة وداعمة لها على دوام سنواتها.. كيف لا؟ وهي في كل عام بالتقريب تعلن عن فجواتها الغذائية بصورة أضحت اعتيادية بالنسبة لحكوماتها.. وقد كان مفهوماً في السابق حركة النزوح جراء الحرب الأهلية التي انتهت منذ ما يزيد على العشرين عاماً، فلماذا تجددت موجة النزوح السنوية هذه، وبنسب جعلت في مرات كثيرة أكثر البلدان استقبالاً للاجئين حسب تصنيف الأممالمتحدة - مليون لاجيء- قبل الحرب الأمريكية على العراق -مليوني لاجيء عراقي في سوريا-. بالطبع هناك أسباب معقولة، ومن الممكن ان تكون مقبولة لنزوح سكان الأقاليم الاثيوبية وتخطيهم الحدود غير «المسروجة» والمستباحة حتى من الزراع الاثيوبيين الذين يزرعون أراضٍ شاسعة من الفشقة والقلابات، و يجنون ذراها للداخل الاثيوبي، وبالرغم من ذلك نجد أن حركة اللجوء لمعسكر «تواوا» بالقضارفوكسلا، لكن ماذا يعني الوجود المكثف للاثيوبيين في أحياء الخرطوم التي تكاد تكون كونتونات تعبر عن ثقافتها، بل وتحاول فرضها عبر الكثير من الخصائص، و الميز، والقيم.. التي تعبر عنها اللافتات باللغات المكتوبة لاثيوبيا -الأمهرية- بجانب محلات الازياء، والمطاعم، وكناتين الشاي، ومحلات قص الشعر، وبرغم ان هذه المظاهر تبدو بسيطة وغير مؤثرة فإنها تعبر عن ثقافة مغايرة، وهوية اخرى لا تنسجم مع تقاليد وعادات المجتمع السوداني، وأنا هنا لا أتحدث عن الأمراض الأخلاقية والعوائد السلبية التي تنقلها التجمعات الاثيوبية في أحياء الديم والامتداد والجريف غرب وديوم بحري، والآن الصحافات وشمبات والسوق العربي وتجمعات الاثيوبيين في العاصمة. ويكاد ينطبق على العمالة الاريترية كل ما ينطبق على العمالة الاثيوبية غير أنها تتطلع للهجرة عبر السودان لأوروبا أو إسرائيل عبر شبكات تهريب البشر التي ينشط فيها أجانب وسودانيون باعتبار ان السودان من أكبر المعابر القارية للهجرات غير الشرعية. هناك بالطبع جاليات أخرى لكنها لا تبدو بذات تأثير اللاجئين الاثيوبيين والاريتريين، الذين وبلا شك كبير يعملون على محورة الحراك السكاني لصالحهم، حتى ولو على حساب المجتمع السوداني.. وإلا فما معنى التدفق بكثافة غير معتادة على مناطق وولايات الشرق بدءاً من الولايات الجنوبية المتاخمة - دولة الجنوب الجديدة- وحتى ولايات البحر الأحمر الولاياتالشرقية.. النيل الأزرق.. القضارف.. كسلا.. البحر الأحمر.. الخرطوم، بل وتعدى الأمر لسائر ولايات السودان باسم العمالة، وفرص العمل المفتوحة في ولايات الداخل، وباسم اللجوء والنزوح مع ولايات التماس؟ وهل الفجوات الغذائية مفتعلة أم حقيقة؟ وما دور المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في ذلك؟ إذا أخذنا بحسن النية فإن الانفجار السكاني الذي تعاني منه الفيدرالية الاثيوبية يدفع بحركة نشطة لحركة اللجوء الاثيوبية؟ أما إذا أخذنا بنظرية المؤامرة وأعملنا فرضياتها سنخرج بالكثير من النتائج المستخلصة من ذلك؟! قد يسعها مقال آخر إذا شاء المولى تعالى! أما بالنسبة للعمالة الاثيوبية فإنها عمالة يمكن تقسيمها على ضربين: عمالة مهمة وعمالة هامشية غير مهمة.. العمالة المهمة هي العمالة الفنية.. التي وفدت مع شركات استخراج البترول، وصناعاته، وهذه لا غبار عليها باعتبارها تقدم خدمات للبلد، ويستفاد منها، وتقدم خبراتها للكوادر الوطنية، مما ينعكس إيجاباً على النمو والتطور الذي ينتظم البلاد. وهذا يسري طبعاً على سائر الصناعات التي تجبي منها البلاد عائدات وخبرات وتقدم ونماء. أما العمالات الوافدة غير «المهمة» فهي معروفة، ومحسوسة في جوانب مجتمعية ظاهرة، وبائنة بشكل مقلق، وباعث على الضجر مع توافر عمالة وطنية «جائلة» جادة، ومؤهلة.. ولكنها معطلة الطاقات لأن أرباب العمل يرون أنها عمالة غير مؤهلة فنياً، ومكلفة، ومرهقة لأن استحقاقاتها كثيرة -بحسبهم- و لكنها تبقى تبريرات واهية لا ترقى لمدارج الصواب في ظل ضغط السوق «سوق العمل» اليومية والملحة، ولنعقد مقارنة صغيرة استدلالاً على اقتصادية العمالة الوطنية مقارنة بالأجنبية.. العامل الأجنبي على أي مستويات العمل سواء أكانت في خدمات المنازل، أو سقالات البناء، أو النظافة، أو غيرها.. المطاعم والخدمات الفندقية والسياحية، وغيرها من المهن حتى الطبية المساعدة أو التقنية وغيرها. نرى أن هناك شواهد على أنها عمالة غير متقنة مقارنة بالوطنية أو قل إنها تتساوى معها تواضعاً ونزولاً عند كلام أرباب العمل.. لكن العمالة الأجنبية بجانب ذلك عمالة مكلفة.. ومرهقة مالياً واقتصادياً حيث تتطلب السكن والإقامة والتراخيص والأجور العالية.. هذه العمالة الفنية والتقنية، أما العمالة الخدمية فهي تقارب ذلك، وإن كان أرباب العمل يستغلون أماكن العمل كسكنى لهم. دعك بالطبع من العادات الدخيلة والثقافات السالبة، والاخلاق المهترئة إلا قلة قليلة وتكاد تكون الميزة الوحيدة لهذه العمالة الأجنبية هي المزايدة على الكثرة في المنتج دون الجودة المطلوبة، بجانب تباهي أصحاب العمل و«بوبارهم» بتشغيلهم عمالة وافدة. سوق العمل وفرصه في السودان تثقل بالخبرات الوطنية في شتى ضروب العمل، ومختلف المهن الحرفية واليدوية، والتقنية والفنية، ونحن نعلم ان العمالة الوطنية تتقاضى أجوراً بالعملة المحلية فيما تتقاضى الأجنبية أجورها بالعملة الصعبة، وهذا خصماً على الموارد الشحيحة بالأصل على سلة العملات الأجنبية. أما عن الآثار السالبة الاخرى غير الآثار الاقتصادية والاجتماعية.. فإن الخطر الصحي الماثل والحادق يتبين يوماً بعد يوم.. وأهم طارئين صحيين داهمين هما: مرض الأيدز، وفيروس الكبد الوبائي القاتلين الخفيين لأن السلطات الصحية والأمنية والشرطية لدينا لا تستوعب الكم الهائل من ترسبات النزوح والتعامل معها بأريحية كبيرة تتجاوز عن إخضاعها للفحص المخبري بصورة دقيقة تستبعد العمالة المريضة والمصابة بهذه الأمراض القاتلة، وغيرها من الأمراض المصنفة كأمراض وبائىة حسب منظمة الصحة العالمية.. التي تحجر من تشغيل هذه العمالة بصورة قاطعة.. ولكنها المجاملة على حساب الصحة العامة للمواطنين. المعدلات اليومية للعمالة الوافدة التي تعتبر من أعلى المعدلات للأمراض المنقولة بجانب عمالة دول حزام الأيدز الافريقي الذي يكاد يطوق البلاد من معاصمها.. وقد أخبرت بأن الكثير من الحالات المرضية المعدية تتجول وتشتغل في المطاعم والكافتيريات والفنادق. وتلخيصاً، الواجب على السلطات بمختلف مستوياتها..الداخلية.. والصحية.. والأمن والدفاع، ومؤسسات العمل، ورجال الأعمال عدم الاستخفاف بخطر مطرقة العمالة الوافدة دون تحريزها والتحوط لآفاتها، وتأثيره على الأمن الوطني والوعي القومي والأمن المجتمعي، وتأثيرها البعيد على مستقبل البلاد التي أضحت سنداناً لها أو بينها والمطرقة، إذ تتخذ من الاجراءات الباعثة على تنظيمها، وإعادة ترتيبها، وصياغة القوانين الرادعة لمنع تهريبها أو تحويلها من حالات نزوح ولجوء لحالات عمالة، واستيطان دائمة سيأتي ويفرض استقرارها ومواطنتها كأية مجموعة سكانية أصلية بموجب إتفاقات التجارة الدولية، وأسس العولمة بموجب سياسة التفريغ، وإعادة التوزيع لاستنفاد الموارد الطبيعية لأي مكون سياسي لا يمكن احتمال قوته أو فرضية نهوضه.