كعادته ظل ملف ابيي يظلل الساحة السياسية السودانية كل وقت بلون جديد ليس فيه بالضرورة اللون الأبيض (الفرايحي)، وتعد هذه الازمة عقبة كؤود امام تنفيذ إتفاقية السلام الشامل، ويحركها الشريكان كلما تعثرت خطواتهما في دربٍ من دروب الشراكة، والآن وبعد أن شهدت أبيي الكثير المثير من الصدامات بين الجيش الشعبي والمسيرية، وبعد ان تمت تسوية ما اجترحه محمد عمر الأنصاري القيادي بالمسيرية، عادت الأزمة إلى مربعها الأول بالخطوات التي اتخذها ادوارد لينو القيادي بالحركة الشعبية مما حدا بالمؤتمر الوطني أن يصدر بياناً دعا فيه إلى عدة خطوات لتفادي أزمة متوقعة اكثر تفجراً جراء تصرفات لينو التي فتحت باب التساؤل عن تداعيات هذه الخطوة، وتأثيرها مستقبلاً على الشريكين وعلى الوضع في أبيي؟. استهلاك سياسي البيان يبدو في ظاهره رسالة إلى الحركة الشعبية وإلى إدوارد لينو تحديداً ورغم أنه لم يحمل تصوراً واضحاً لما يمكن ان يترتب على عدم الإستجابة لما طلبه الوطني وهو الانهاء الفورى للإدارة التي اعلنت اخيراً وسحبها من ابيي، واعادة قوات الجيش الشعبي التي نشرت حول المدينة الى مواقعها السابقة تحت رقابة اللجنة العسكرية المشتركة، والتوقف عن أية خطوات انفرادية تهدد استقرار المنطقة وتؤدي إلى افساد اجواء السلام والحوار، إلا أن التلويح بأن توتراً سوف يسود المنطقة كافٍ على ما يبدو (من وجهة نظر الوطني)، وفيما اعتبر بعض المراقبين أن لينو يتحدى إرادة الجميع بتماديه في وضعه الحالي، إلا أن إدوارد لينو لم يعر البيان كثير إهتمام واعتبر أنه غير معني به، وقال في حديث ل (الرأي العام) أمس: (نحن سنظل في أبيي ولن نتحرك منها، وبالنسبة لبيان المؤتمر الوطني فنحن لسنا معنيين بالرد عليه، ويرد عليه رئيس الحركة والأمين العام والحركة لم ترد حتى)، وزاد: ولن نغادر أبيي بدون أوامر من الحركة الشعبية مهما أتوا بجنود أو أسلحة و(قاعدين في بلدنا)، ولا داعي لتخويف الناس، فنحن وصلنا إلى بلدنا ولم نحتلها، والرئاسة تأخرت أكثر من سنتين وما زالت في حاجة إلى وقت، وأهل أبيي يفتقدون للخدمات وتعبانين جداً. وأكد لينو إستقرار الأوضاع في المنطقة، إلا ان الهدوء يشوبه بعض الحذر وقال: أرسلوا (220) جندياً من بابنوسة معظمهم من أبناء المسيرية. وكذلك قلل القيادي بالحركة الشعبية نائب رئيس المجلس الوطني أتيم قرنق من قيمة البيان واعتبره حديثاً إعلامياً للإستهلاك السياسي ولإرضاء المسيرية وأعضاء في المؤتمر الوطني ومنبر السلام العادل، وقال ل (الرأي العام) ان أية قضايا بين الوطني والحركة تتم مناقشتها والحوار حولها وفي النهاية سيجلس الطرفان ويتحدثان حول القضية. واستبعد قرنق أي تأثيرات للبيان في الأجواء بين الشريكين أو في المنطقة هنالك لوجود آليات لحل أي خروقات من الطرفين. وطرح قرنق ذات الحديث الملتمس الذي يردده لينو حيث قال ان لينو موجود في أبيي كسياسي وليس كإداري لأن الإداريين يتم تعيينهم من مؤسسة الرئاسة، وهو من أبناء المنطقة ومن حقه التواجد في أي مكان منها، وهو يمارس سياسة حزبه لتنظيم الناس ونشر ثقافة السلام وذلك أمر منصوص عليه في إتفاقية السلام وهو يقوم بنشاط إجتماعي، وهناك تداخل بين الإجتماعي والإداري والبعض يعتبره تدخلاً في شؤون الإدارة. إنفراج متوقع واشاد القيادي بالمسيرية محمد عمر الأنصاري ببيان الوطني وقال إنه أعطاهم ثقة للقبض على جمرة السلام، واعتبر أن لينو خدعهم بعد التوصل إلى إتفاقيات حول عودة القوات جنوب حدود 1956م، وحول تكوين آلية مشتركة لإدارة المنطقة، وتفعيل آليات التعايش السلمي، وصف ما أسماه بالإحتلال الأخير ب (حركة مذبوح)، و(أنها برهنت على عدم مقدرتهم على دفع فاتورة السلام والصمود أمام الحقائق التاريخية)، وجدد إلتزامه بالعهد الذي قطعه للدولة وترك المساحة لها كاملة وقال: إذا عجزت عن الحل فنحن لها تماماً، وكشف الأنصاري عن تأكيد قيادات من الحركة (لم يسمها) على أن ما قام به لينو ليس شرعياً وانه ليس هناك قرار من الحركة بهذا الخصوص وأنهم يحترمون رئاسة الجمهورية. وتوقع الانصاري إنفراجاً خلال (72) ساعة، بل مضى إلى ان رئاسة الجمهورية (ستصدر خلال الساعات القليلة القادمة قراراً حول إدارية أبيي المشتركة). و إعتبر القيادي بالمسيرية عبد الرسول النور أن أبيي الآن محتلة من قبل لينو، وأن بيان الوطني جيد لكنه جاء متأخراً جداً، وتساءل هل يعادل البيان ما قام به الجيش الشعبي من خرق لإتفاقية السلام؟ قائلاً إنه كان يجب أن يتساوى رد الفعل مع الفعل أو يكون أقوى منه. واضاف أن أبناء المسيرية الآن يمارسون ضبط النفس وينتظرون الحلول السلمية بالتفاوض وأن تعود قوات الجيش الشعبي إلى جنوب حدود 1956م، وأن تعتذر الحركة الشعبية عن هذه الخطوة غير المحسوبة والمدروسة. المجهول القادم اما د. أسامة زين العابدين أستاذ العلوم السياسية بجامعة الأزهري فأنه اعتبر ألا قيمة لبيان المؤتمر الوطني وأن لينو لا يتعامل مع الوطني ورئاسته هي رئاسة حكومة الجنوب وهي المسؤولة عنه، وهي التي ترد على البيان، والوطني في النهاية تيار شعبي والجهاز الرسمي هو الذي يحل هذه المشاكل، واعتبره مؤشراً لأحداث قادمة وأن (البيان معني به توجهات الحركة فيما يختص بأبيي وجس نبض لرد فعلها وليس إلى لينو شخصياً، والمقصود منه القول للمسيرية نحن معكم، وهو بيان يخرج مسؤولي المؤتمر الوطني في الحكومة من دائرة الحرج في ظل التوترات). وتوقع أسامة أن يكون البيان مؤشراً لأحداث قادمة، مؤكداً على أن الصدام في أبيي أصلاً قائم بالوكالة وسيستمر بالوكالة، يهدأ مرة وينتعش مرة أخرى حسب الظروف السياسية بين الشريكين، وما أبيي إلا ظاهرة لحسن او سوء العلاقة بين الشريكين، وقال إن الحركة لن تعلن عن علاقتها الوثيقة بأية مجموعة مقاتلة هناك، وكذلك الوطني لن يظهر العلاقة بينه وبين المسيرية، لذلك كلما هدأت الأوضاع في أبيي تعلم ان العلاقة بين الشريكين أفضل، وهذا هو الوضع. واشترك عبد الرسول النور مع د. أسامة في توقع حدوث تصاعد في الأحداث وقال إن (كله متوقع) رغم انهم يسعون إلى عدم حدوثه.