لم يحقق الرئيس الزيمبابوي روبرت موغابي النصر الذي كان يتوقعه في الجولة الانتخابية الأولى لرئاسة الجمهورية التي جرت في الأيام الماضية، ولذلك يكثر الحديث هذه الأيام عن جولة ثانية تحسم النتيجة بينه وبين المرشح المعارض. ومع أن هذه تحسب كواحدة من حسنات حكمه الذي كان بإمكانه أن يزور نتائج الانتخابات كما يفعل عادة رصفاؤه من قادة العالم الثالث إلا أنه لم يفعل وفضل أن ينتظر كلمة صندوق الاقتراع إلى النهاية وكيفما كانت. وحتى هذه الحسنة يذكرها خصمه الفاجر، الإعلام الغربي، مادة للغمز واللمز ولا يضعها له حيث يجب أن تكون في الجزء الأبيض من سجله. هناك نقطة رئيسية أخرى، أو حسنة رئيسية أخرى، أيضا يذكرها الإعلام الغربي وكأنها سيئة ينبغي أن يحاسب عليها، وهي أن نسبة التعليم في زيمبابوي تعتبر من أعلى نسب التعليم في العالم وليس في أفريقيا فقط، وهي تبلغ «90%». فهذا التعليم المرتفع سيكون القبر الذي يحفره موغابي بيديه ليدفن فيه في النهاية، كما تقول الصحافة الغربية. موغابي ليس استثناء بين زعماء العالم الثالث ممن يتشبثون بالسلطة حتى آخر رمق. فهناك من يتشبثون بها لخمسين عاما ثم يسلمونها لأبنائهم أو أشقائهم. ربما كانت لموغابي بعض الأخطاء القاتلة لا يضرب عليها الإعلام الغربي بقوة ولكنها سبب مشاكله: منها أنه أمم أو صادر معظم الأراضي والمزارع الضخمة للمستوطنين البيض في روديسيا (الاسم السابق لزيمبابوي)، وحولها إلى ملكية مواطنيه. وهي غلطة لا تغتفر. ومنها أنه لم يركب الموجة التي تحول بها معظم عتاة الماركسيين، خصوم الغرب التقليديين، إلى أصدقاء أو عملاء، فبات هذا التشبث بالثورة خطيئة أخرى لا تغتفر، بينما أصبح هؤلاء الأصدقاء أو العملاء الجدد هم المجموعات المستنيرة التي تفهمت مسيرة التاريخ ولم تتجمد عند نقاط معينة في حركة التاريخ. هذه أيضا خطيئة أخرى لا تغتفر. باستثناء ذلك فروبرت موغابي هو زعيم من زعماء العالم الثالث، كان له ماض مشرق أيام النضال من أجل الاستقلال، وبقي أسيرا لذلك الماضي حتى بعد مرور ما يقارب الثلاثين عاما على نهاية النضال، وكان يعتنق الماركسية، وبقي عليها بينما تخلى عنها الجميع، وكان مثاليا في تفكيره بحيث أراد أن يجمع بين النقيضين : الديمقراطية وصندوق الاقتراع التقليدي (صوت لكل مواطن) والديمقراطية العقائدية التي تتبناها الماركسية الجديدة. وبعد .. من يقرأ ما تكتبه الصحافة الغربية عن موغابي يتصور أن صف دكتاتوريي العالم الثالث الذين تفهموا مسيرة التاريخ وتصالحوا مع الغرب تحولوا إلى ملائكة وبقى موغابي الوحيد الذي جمد على (شيطانيته)، لكن التاريخ سيقول في النهاية إنه كان من أعلام أعلام حكام العالم الثالث وليس استثناء بينهم.