الرياح الجنوبية المتجهة شمالاَ عجلت باستبدال العملة السودانية (الجنيه) من غير توقيت مسبق بعد إعلان دولة جنوب السودان المفاجئ لعملتها الجديدة بعد اقل من أسبوع من الانفصال عن السودان رغم اتفاقها مع (الدولة الأم) على استمرار الوحدة النقدية بين البلدين لمدة ستة أشهر، ليأتي الاستبدال ك(مضادات رياح) ، لتحقيق أهداف محددة فى مقدمتها حماية الاقتصاد الوطني من هذه الرياح وتداعياتها، وتأكيد هيبة الدولة وسيادتها المستمدة من العملة الوطنية أيضا ، وغيرها من الأهداف الاقتصادية والسياسية التى تصاحب دائما عملية استبدال العملة لاى بلد فى العالم ، ولكن يبدو ان مضادات الرياح قبل ان تصد الرياح الجنوبية الأولى ، تعرضت إلى رياح أخرى جنوبية عاتية بتحديد انتهاء فترة استبدال العملة فى دولة جنوب السودان (الدولة الوليدة) بنهاية أغسطس الماضي ، ليأتي صد هذه الرياح بمضادات أخرى شمالية حددت نهاية استبدال العملة بمطلع سبتمبر الجاري لتضيق بذلك فترة استبدال العملة الذي تزامن مع شهر رمضان وعطلة عيد الفطر ، لتظهر تداعيات هذا القرار المفاجئ القاضي بانتهاء فترة استبدال العملة عبر نوافذ البنوك فى الخامس والعشرين من أغسطس الماضي وعبر فروع البنك المركزي فى مطلع سبتمبر الجاري اى ثاني أيام العيد . ومن بين تلك التداعيات ظهور ضحايا عديدين لانتهاء فترة استبدال العملة قبل ان يستبدلوا ما لديهم من عملات لأسباب عديدة منها بعد المسافة وعدم المعرفة او العلم بانتهاء فترة الاستبدال او نسيان مكان حفظ الأموال ليتذكره بعد انتهاء الفترة او حفظ الأموال فى خزن كأمانات دون التصرف فيها وغيرها من الأسباب والقصص المأساوية التى يحكيها هؤلاء (الضحايا ) ، ومن هنا يبرز سؤال ملح حول هل من معالجات لهؤلاء..؟ قصة جاهوري وقبل الإجابة على هذا السؤال نسرد قصة احد الضحايا ليعزز من درجة إلحاح الإجابة على هذا السؤال المهم .. هذا الضحية هو زميلنا مدني جاهوري وهو (مصور صحفي مشهور) او احد قادة تطوير مسيرة الصحافة السودانية عندما كانت الصحافة تعتمد فى تصميمها على العمل اليدوي حيث كان خطاطا ورساما ومخرجا بصحيفة (الأيام) فى سبعينات القرن الماضي، وواصل العمل فى بلاط صاحبة الجلالة منذ تلك الفترة وحتى الآن (مصورا صحفيا محترفاً) ، وتعود قصة (جاهوري) كما يرويها فى حديثه إلينا إلى انه نفذ عملا صحفيا توثيقيا لإحدى الشركات الوطنية المهمة والتى اتصل عليه احد موظفيها بان يأتي لاستلام جزء من مستحقاته فى الخزنة ، ولما كان المبلغ اقل من مطالبته ولا يفي بعملية التوثيق ،آثر الانتظار الى حين اكتمال المبلغ ليقوم بسداد تكلفة التوثيق التى تشمل تكلفة طباعة الصور لدى معمل التحميض ، واعتقد انه بعد اكتمال المبلغ سيذهب الى تلك الشركة لاستلامه ، ولكن (أمس الأول) عندما اضطرته ظروف اسرية ذهب الى الشركة لاستلام ذلك الجزء من المبلغ ، ووقع على استلام نحو (2640) جنيها داخل ظرف ، ولثقته فى الموظف او المحاسب لم يفتح الظرف وذهب الى منزله وقام بفتح الظرف ليفاجئ بان المبلغ بالعملة القديمة فئات ال(50،20) جنيها التى انتهت فترة استبدالها. ويقول جاهوري فى حديثه ل(الرأي العام) عندما وجدت العملة القديمة اتصلت بالموظف وأبلغته بان المبلغ بالعملة القديمة ، فأجابه قائلاً: هذا الظرف عندي قبل حلول شهر رمضان ولم افتحه ، وتركته أمانة بطرفي وسلمته لك ، ولم يخطر ببالي ان به عملة قديمة او ان هنالك استبدالا حدث للعملة السودانية ، ولذلك ليس لدى حل لهذه المشكلة . سألت جاهوري ماذا قلت له بعد ذلك .. الم تسأله عن حل للمشكلة ..؟ أجاب قائلا: قلت له إنا كذلك لم يخطر ببالي ان هنالك استبدالا للعملة، او ان هذه عملة قديمة أم جديدة، ومضى جاهوري ليقول : ( إنا ضحية لاستبدال العملة ، كغيري ، فنحن ضحايا كثر لأسباب كثيرة ولقصص تصلح مادة للكتابة الصحفية والمسلسلات والدراما ، فهذه القصص سيناريوهاتها مختلفة وكذلك أسبابها، إلا أنها تتفق جميعا فى ان الضحايا جميعهم سبب وفاتهم انتهاء فترة استبدال العملة) . وأضاف جاهوري: اما الحل لهذه المشكلة اعتقد انه بيد محافظ بنك السودان والذي أناشده لمعالجة مشكلتي ومشاكل آخرين مثلي بإجراء استثناءات بعد إثبات أسباب التأخر فى استبدال العملة عن الموعد المعلن والتأكد جيدا من ذلك، لتأتى بعد ذلك المعالجات ,خاصة وان مثل هذه المبالغ بسيطة ولا تؤثر على البنك المركزي ولا على اقتصاد البلاد وإنما تؤثر علينا نحن الغلابة. سألته ماذا إذا لم يستجب محافظ بنك السودان لندائك ومناشدتك...؟ رد جاهورى بسرعة: (ربنا يعوضني) ويجبرني فى مصيبتي . نأمل ان يأتي التعويض لهؤلاء الضحايا من قبل بنك السودان المركزي بإصدار توجيهات واضحة للجنة المكلفة باستبدال العملة للنظر فى قضايا مثل هؤلاء الضحايا ومعالجة كل حالة على حدة لتعويضهم . رد لجنة استبدال العملة وقبل ان تأتى الاستجابة من محافظ بنك السودان المركزي لمناشدة زميلنا جاهوري طرحنا هذه المشكلة على الأستاذ عوض ابوشوك مقرر اللجنة العليا لاستبدال العملة رد علينا قائلا: ما فى فرصة ثانية للاستبدال لاى سبب من الأسباب ، فالاستبدال انتهت فترته المحددة ، واستمر الاستبدال لمدة شهر ، وحتى الذين خارج السودان استبدلوا عملتهم . وسألت ابوشوك كم بلغت نسبة الاستبدال بعد انتهائها ..؟ أجاب : بلغت نسبة الاستبدال نحو (90%) بكل ولايات البلاد ، ونعمل على إعداد التقرير النهائي لعملية الاستبدال والذي سيظهر اليوم لإجازته بصورة نهائية. كم حجم الكتلة النقدية المستهدفة بالاستبدال بالمركز والولايات..؟ حجم الكتلة المستهدف نحو (10.4) مليارات جنيه ، والنسبة حتى الآن (90%) ، ولكن التقرير النهائى سيحدد بالضبط الكتلة النقدية التى تم استبدالها. هل حققت عملية استبدال العملة أهدافها برأيك..؟ نعم : حققت كل أهدافها ما تلك الأهداف التى ركزتم على تحقيقها من خلال عملية الاستبدال المفاجئ هل هي فقط حماية الاقتصاد ...؟ أجاب : ركزنا على حماية الاقتصاد كهدف أساسي، وعلى عدم الرضوخ إلى ضغوط جنوب السودان وشروطها فى استبدال العملة ، ونجحنا فى الاستبدال وانتهت العملية بنجاح ولم نرضخ لضغوط الجنوب . ولكن انتهى استبدال الفئات الكبيرة وتبقت الفئات الصغيرة( الجنيه والجنيهان والخمسة جنيهات) ، إلى متى سيستمر استبدالها رغم انتهاء عملية استبدال الفئات الكبيرة..؟ الاستبدال سيستمر بحيث يتم سحبها تدريجيا ، بواسطة البنوك، فأية عملة قديمة تدخل من الفئات الصغيرة يتم استبدالها بأخرى جديدة وسحبها من التداول. أليس هنالك سقف زمني للانتهاء من عملية الاستبدال لهذه الفئات الصغيرة..؟ ما فى سقف زمني ، ولكن تقريبا بعد (6) أشهر ستنتهي عملية الاستبدال لهذه الفئات خاصة وان عمر العملة الورقية من هذه الفئات لا يتجاوز ال(6) شهور وينتهي.