لأوّل مرّة وربما الأخيرة تفردُ الجامعة العربيّة عضلاتها الرخوة أمام المشهد الدولي للاستعراض فقط، فتعلن قراراً ليس قرارها بشبه إجماع لم يتوافر يوم أن أُحتلَ العراق وتَضَعضعَ لبنان وانفصل السودان! كلُ مَنْ له فائض وقت يسمح له بقراءة ميثاق الجامعة العربيّة لن يجد فقرة واحدة تشير من بعيد لحق الجامعة في (التدخّل فى الشئون الداخليّة لأعضائها)... فالجامعة العربيّة في أساس تكوينها جامعة حكومات وليست جامعة شعوب... هي ترضى بالحكومات القائمة حتى يأتيها إخطار بالبريد البطئ أنّ الحكومة تغيّرت... ولذلك سكتت الجامعة العربية طويلاً عمّا يفعله أعضاؤها من الحكومات بشعوبهم، فالشعوب ليست عضواً بجامعة الدول العربيّة! لا يمكن لعاقل سياسي أنْ يقرأ قرار الجامعة العربيّة بحق النظام السوري على أنّه قرارٌ لحماية المدنيين، فكم من المدنيين في مشرقها ومغربها اختفوا من وجه الأرض وكان سكوت الجامعة حياله سكوتاً من ذهب، فالجامعة هدفها العمل العربي المشترك وليس التغيير العربي المشترك! لن يطعننا دبّوس الشك في أنّ ما قامت به الجامعة العربيّة ليس عملاً عربياً خالصاً، فهي أوامر (عليا) صادرة من خارج الحزام العربي... الدخول لسوريا ليس لحماية المدنيين أو الانتصار للرغبة الشعبيّة في الشام، ولكن لرسم سوريا أخرى يسودها الربيع الذي لن يعقبه غير خريف الغضب! سوريا نفسها بذات نظامها كانت يوماً في التحالف الكبير (إعلان دمشق) الذي أُستلَ لضرب العراق واحتلاله، واليوم جاء الدور عليها! هل تستطيع الجامعة العربية أن تعقد مجرّد اجتماع لمناقشة ثورات أخرى ومظاهر احتجاجات تجرى هنا وهناك... لكنّ قرار مناصرة الثوّار السوريّين قرار انتقائي، فهو مصوّبٌ نحو بلح الشام، فعنب اليمن خارج التصويب! لن يجد بشار الأسد من يناصره في قمعه لمواطنيه... فتيّار جارف منذ القِدَم السياسي كان ضد الأسدين وضد البعثين... لكنّا بذات القدر نرفع لمبة التنبيه بأنّ الغرب يدخل علينا من نافذة الثوّار، كان يأتينا عن طريق الحكومات لكنّه بدأ في الدخول علينا من باب الشعوب... وعندها لن يكون هناك فرق بين بلح الشام وعنب اليمن وقنقليز السودان!!