هنالك أشياء تحتاج لدروس عصر كي نفهمها و قد تنداح هذه الحاجة لقدر أكبر من الشرح حتى أنّها قد تدخل في المناطق التي تدفعك دفعاً لتشكك في قدراتك رغم ما أهدرت من زمن لتطويرها. هذا ليس لفهم نظريّة فلسفيّة لأفلاطون أو تحليل لنظريّة الفيمتو كيمياء من أحمد زويل أو نظريّة رياضيّة لألبرت إنيشتاين أو حتى نقد لها من بروفيسور مبارك درار السّوداني الذي نشر بحثا من كليّة العلوم، جامعة السّودان للعلوم و التكنلوجيا، بمجلة الطبيعة الدولية (Nature) فالتحية له. قصة مثالية كل ذلك لم يكن صعب الفهم علينا و لكن ما صعب علينا فهمه، و إن كان بالجملة لكن تربع على عرش ذلك، موضوع القرار الصادر من وزارة الصّحة الإتحاديّة بتحويل مستشفى الطوارئ بجبرة إلى مكاتب للوزارة!!! فهذا بجد العجب العجاب و أتمنى أن يكون القرار قد ألغي - نعم ألغي- لأنّ الأستمرار فيه مخجل جدّاً دون الدخول في تفاصيل. و الشئ الغريب جداً أيضاً في هذا الموضوع أنّه نقيض تماماً لما قام به طيب السيرة و السريرة السيد عبد الرحيم محمود حاكم الإقليم الأوسط الأسبق و ذلك بعد الفراغ من حوالي (90% ) من مباني حكومة الإقليم الجديدة جاءت مقترحات غير رسميّة من المواطنين بتحويل هذه المباني لمستشفى الشئ الذي بلوره فكرة الدكتور الناجح و الوطني الغيور رابح برير إختصاصي الأطفال بطلب رسمي للسيّد الحاكم بتحويل تلكم المباني لمستشفى أطفال و تكفّل بجلب الدعم لها من فرنسا و التي يتمتع بعلاقة طيبة بها (زوجته فرنسيّة و نال التخصص منها). و رغم عظم الطلب و ضخامة الجرأة على الحاكم ما كان من هذا المواطن الصالح عبد الرحيم محمود إلا و أن وافق على الطلب و وجه بدعم تلك الفكرة بلا حدود و روي عنه قوله أطفالنا أولى و لو أدرنا الحكومة من تحت شجرة. و أكتمل المشروع و مثّل أوّل مستشفى متخصص للأطفال في السّودان و أفادت منه جامعة الجزيرة و عدد كبير من المواطنين و من معظم ولايات السّودان فائدة كبيرة جدّاً. هذا الأمر جعل سكّان ود مدني و الجزيرة يتعلقون بهذا الإنسان إلى رحيله عن الدنيا فقد إتفقوا بأطيافهم المختلفة على أنّه حكيم الجزيرة و خوّل له هذا قيادة كثير من الأعمال الخيريّة بها. مدى الاستعداد للأسواء إنّ المصائب يجمعن المصابين مثلُ شائع و معبّر و لكي نعقلها و نتوكل لابد لنا من الإعتبار فخريف هذا العام أراح حكومة الخرطوم من الحرج السنوي المعهود من كوارث الأمطار بها. و إن كانت أمطارنا قليلة و لا تضاهي ثلث معدّل فيضان تايلاند. فهل تكفي جهود الدفاع المدني لدرء تلكم الكوارث؟ بالطبع لا و بالتغليظ مع خالص الإحترام للتطوّر الملحوظ في ذلك. و هنا لا بدّ من أن نذكّر بأنّ الخرطوم تقع في منطقة زلازل و رغم أنّ المركز القومي للبحوث به إدارة تعنّى بهكذا دراسات إلا أنّ الوضع لا يبدو مأخوذ به و بجدّيّة معقولة. كيف؟ نعم فقد شهدت الخرطوم هزّتين في تسعينات القرن الماضي و أخرى في 2009م و الأولى كانت أقوى و أحدثت بعض الهلع و تصدعات بعض المنازل بالخرطوم و لكن لا هذه و لا تلكم غيّرت شيئاً من معدّل الوعي الكارثي لمثل هذه الأحوال لا قدّر الله. و قسم الطوارئ بالمستشفيات ضعيف جدّاً و لا يرقى للطموح و كم من نفس زهقت دون إيفائها العناية المطلوبة و ما حادث طفل الحاج يوسف ببعيد عن الأذهان إذ لفظ أنفاسه لعدم وجود أورنيك( 8) مما دفع بالسلطات إلى تغيير القانون بالإكتفاء بالتسجيل فقط و مباشرة العلاج لأيّة حالة. و القانون الملغي عمل به لأكثر من ستين عاماً تخيلوا!. و هنا لا يفوتني كم إمرأة أخبرت عن ميلاد جنينها بسيارة أجرة و لكني رأيت ذلك بأمِّ عيني في مستشفى الخرطوم في أواخر سبتمبر الماضي إذ رأيت الطبيبة تعدو و بيدها مقصاً لقطع الحبل السرّي للجنين و السيارة التي أقلت النفساء و من مسافة قريبة، اللاماب، لم تكن بحالة جيدة نفسها! إنّ الطوارئ معمول بها و منذ عهد الإسلام الأوّل إذ منع الرسول الكريم محمّد (ص) من الإنتقال من و إلى مناطق الطاعون. و إن كان هذا و بالتعريف الدقيق يعرف بالوبائيات و التي هيّ من الأمور الطارئة أيضاً. إنّ التغيّر المناخي العالمي جلب و سيجلب كثيراً من الضرر على المعمورة و ذلك في شكل فيضانات و تداخل للفصول و إرتفاع درجات حرارة الأرض و غير ذلك مما لا يحسب له. عليه لا بدّ من العمل على إرهاف الحس بالطوارئ. فعليه و مع تقديري لما بذل من جهد في تطوير خدمات الطوارئ في الدفاع المدني و النجدة و خدمات الإسعاف إلا أنّ المزيد من التطّوّر مطلوب لمواكبة المستجدات كالزيادة في حالات الحوادث المروريّة و أمراض الحساسيّة و الأزمات و أمراض القلب و إرتفاع ضغط الدم و الإغماءات المفاجئة و لأسباب متعددّة دون تفصيل. خطط مطلوبة و المطلوب من الحكومة الإتحاديّة تبنّي خطط طوارئ محكمة لمجابهة الكوارث جملةً. هذه الخطط يمكن أن تشمل خطوطاً عريضة ك: (1) تدريب إختصاصيين في خدمة الطوارئ و إنشاء أقسام في المستشفيات متخصصّة في الطوارئ (2) تدريب كادر عام (أطباء عموميين) و آخر وسيط لخدمات الطوارئ و يشمل هذا خدمات الإسعاف المتطوّر (3) إستنفار المنظمات الطوعيّة و ديوان الزكاة و الشئون الإجتماعيّة لتبني تدريب واسع عن خدمات الطوارئ (4) التعاون مع المنظمات الدوليّة لترقية خدمات الطوارئ و كذا توسعة عمل الهلال الأحمر (5) إستنهاض الفرق و الجماعات لتبنّي تبرعات بسيطة و راتبة لدعم الخدمات الإسعافية الطارئة في القرى و الأحياء و يمكن أن تخصّص منها عربة للإسعاف و سائق راتب و يمكن أن يكون لمنظمات المجتمع المدني دور فعّال في ذلك (6) التنسيق مع وزارة الدفاع للدفع بمجندي الخدمة الوطنيّة للإستفادة من التدريب في قطاع الطوارئ و الإستفادة منهم (سيّما المصنفين غير المجموعة أ) (7) الإسهام بالمتدربين و غير ذلك من الشباب بالمشاركة والمساعِدة مع فرق الإنقاذ الدوليّة في كوارث الدول الصديقة و الشقيقة، و سيكسبهم ذلك خبرة ميدانيّة ثرّة (8) تكوين جسم تنسيقي بين المنظمات العاملة في هذا المجال كالكشافة و الأندية الرياضيّة و الجمعيّات الصغيرة و النسويّة لخدمة تطوير خدمات الطوارئ (9) تنشيط دورات الإسعافات الأوليّة، كخط دفاع أوّل لطب الطوارئ، في المدارس و التجمعات الإجتماعية و المساجد و إلى ذلك (10) تبني دور توعوي عن الطوارئ في وسائل الإعلام كافة. هذا و لا يفوتني الترحّم على ضحايا الزلزالين في تركيا و أتمنّى أن يكون السّودان قد شارك بفرق إنقاذ لمساعدة هؤلاء الإشقّاء في محنتهم. عصمنا الله و إيّاكم من زلزال الأرض و فيضان السماء والبحار و غضب الله الغفّار.