"أحببتها فتزوجتها" ! .. هذه الجملة القصيرة .. الحاسمة قال بها البروفيسور عبد الله الطيب ب (سماحة) الضيف المُتجمِّل بالصبر رداً على (سماجة) سؤال مضيفه في أحد برامج القنوات الفضائية قبل بضع سنوات عندما قارن بين ولعه باللغة العربية وانتصاراته العظيمة لها وزواجه من إنكليزية ! .. فقد اتشحت تلك ال (لماذا) ب قصر النظر و(الشتارة) التي استوجبت إجابة على غرار : (كدا) ! .. تذكرت إجابته الهادئة (السمحة) تلك عندما قرأت تفاصيل الحوار الذي أجرته صحيفة (حكايات) مع أرملته (جريزلدا الطيب) في عددها ال (270) الصادر بتاريخ (10/4/2008م) .. واستوقفني جداً .. جداً حديثها عن الاستعلائية (القبلية) في شمال السودان وكيف أن ( .. نساء المجاذيب أو الجعليين يجلسن في أبراج عاجية وتأتي بعدهن بقية القبائل ..) .. وإشارتها إلى كون زواج (عبدالله الطيب) منها في ذلك الوقت شيئاً غريباً على المجتمع السوداني .. كما استوقفني موقفها المتفهم من وقوعها في فخ (نسبيَّة التقييم العرقي بين الشعوب) وكونه مسألة تختلف باختلاف الزاوية التي ننظر منها إليه .. وكم وددت لو حدثتنا عن - الوجه الآخر - نظرة أهلها الإنجليز إلى واقع زواجها من رجل سوداني حد الوجع .. وموقفهم من كون هذا الرجل قد (هدََّ) فيها بسودانويته عوضاً عن حصول العكس ! .. وحكاية (جريزلدا الطيب) وتفاصيل امتزاجها بأهل وعشيرة زوجها وذوبانها الحميم في تضاريس ومناخات هذا البلد تمثل الجانب المشرق ..والناجح .. والمؤثر لتجربة التأثر بحضارة الآخر .. تلك التجربة التي ناقش (الطيب صالح) مثالبها ومزالقها في شخصية (مصطفى سعيد) بطل رائعته (موسم الهجرة إلى الشمال) .. وهنالك الكثير من وجوه الشبه الملفتة بين تفاصيل حكايتها مع السودان وتفاصيل حكاية (الليدي جين دربي) النبيلة الإنجليزية التي تزوجت من الشيخ (مجول المصرب) أحد شيوخ قبيلة (عنزة) - في القرن التاسع عشر - وانتقلت إلى العيش معه في بادية الشام .. فقد تحدثت كلاهما عن نسبية التقييم وتفاوت النظرة إلى مسألة الأصول العرقية .. وما أشارت إليه السيدة (جريزلدا) إلى ذلك في حوارها مع جريدة (حكايات) أشارت إليه (الليدي دربي) في مذكراتها عندما قالت : ( .. لم يحبني "مجول" لجمالي .. ولم يحبني لوفرة مالي .. ولم يحبني لعراقة نسبي .. "فهو يعتقد أنه أشرف مني نسباً" ولكنه أحبني لذاتي ..) ! .. وكلاهما تلتقيان في إيمانهما العميق بزوجيهما والتزامهما الكبير بشروط العيش داخل إطار مجتمعين تفصلهما عنهما هوة حضارية كبرى.. شروط نجاح حياة السيدة (جريزلدا الطيب) في السودان صعبة نوعاً ما وتشبه شروط حياة (نبات السايكس) في مناخ السودان .. فهو نبات نادر وباهظ الثمن لأنه يشترط الاعتدال في المناخ .. وفي طبيعة التربة .. وفي كيفية الري .. والتطرف في رعايته سلباً أم إيجاباً يعجِّل بفقدانه .. إذا زرت أحدهم يوماً واستوقفتك نخلة (سايكس) سامقة .. حيَّة .. وضاربة بجذورها في أعماق الأرض فاعلم أن السبب هو حكاية عشق كبيرة !