في اليوم الثالث والعشرين من شهر ربيع الثاني الموافق الثاني من فبراير 2016 م، وقع فخامة السيد المشير عمر حسن أحمد البشير رئيس الجمهورية على المرسوم المؤقت قانون التحكيم لسنة 2016م، بعد أن كان مودعاً بالمجلس الوطني وضمن جدول أعماله في الأسبوع الأخير لدورة انعقاده، والذي كان حافلاً بموضوعات متعددة وشائكة وخاصة قانون مفوضية الشفافية والاستقامة ومكافحة الفساد وتعديل القانون الجنائي، مما تعذرت معه مناقشة مشروع قانون التحكيم. فالتحكيم لغة هو التفويض في الحكم، وقد قال الماوردي في تعريفه للتحكيم ان التحكيم هو أن يتخذ الخصمان رجلاً من الرعية ليقضي في ما تنازعاه. والتحكيم ضارب في القدم عرفه الإنسان كوسيلة لفض النزاع، ومن هذه المسيرة الطويلة تطور التحكيم من خلال الاجتهاد الفقهي والقضائي اللذين لعبا دوراً كبيراً في إرساء مبادئه وتأسيس أحكامه مما يسر الأمر للمشرع المحلي والدولي لبلورة وتأطير وتقنين قواعده. والقوانين السودانية المتعاقبة منذ أيام الحكم الثنائي تضمن العديد من المواد والنصوص الخاصة بالتحكيم وبإجراءاته، كما قام المشرع السوداني بإصدار قانون التحكيم لسنة 2005م الإ أنه ولأكثر من أربعة أعوام تقوم لجان بدراسة القانون واقتراح تعديلات عليه، وحيث وجدت وزارة العدل أن النصوص التي تحتاج إلى تعديل تفوق ثلث القانون، فقد أصدرت قانوناً جديداً للتحكيم وأجيز من مجلس الوزراء. وحيث أن هذا القانون في بعض نصوصه كما سنرى لاحقاً محل خلاف مدارس متعددة، كما يلقى القبول عند الآخرين، رأيت إلقاء الضوء عليه في سلسلة مقالات تسبق عرض القانون في الدورة القادمة للمجلس الوطني عند انعقاده بإذن الله، وخاصة مسائل الاختصاص وطريقة نظر الأحكام وعدم نهائية الأحكام وغيرها. وحيث أن دور التحكيم كما يرى الدكتور علي إبراهيم الإمام رئيس محكمة التمييز بدبي، دور التحكيم مكمل لدور القضاء ولا تعارض أو تنافس بينهما، ذلك أن التحكيم طريق استثنائي لفض الخصومات قوامه الخروج عن طريق التقاضي امام المحاكم، فهو قضاء اتفاقي مقصور على ما تنصرف إليه إرادة المحكتمين في طرحه على هيئة التحكيم غايته فض النزاع وفقاً لإرادة المحكتمين، ويهدف التحكيم إلى تحقيق عدالة تتفق مع طبيعة التجارة الدولية والمحلية بإجراءات أقل صرامة ووطأة من إجراءات التقاضي أمام المحاكم، ويجري في سرية ومرونة، ويفترض فيه أن يكون ناجزاً وسريعاً باعتبار أن سرعة الإنجاز من أهدافه. سريان القانون بموجب المادة «3/2» من قانون التحكيم لسنة 2016م تطبق أحكام هذا القانون على كل تحكيم يظل قائماً وقت نفاذ القانون. واستحدث القانون في المادة «3/3» مسألتين: الأولى: لا يجوز التحكيم في المسائل التي لا يجوز فيها الصلح: أخذ القانون بما أخذت به غالبية القوانين من تقييد التحكيم في المسائل المدنية والتجارية، ومنها: لا يجوز التحكيم في مسائل النسب والأحوال الشخصية إلا فيما استثناه بقانون الأحوال الشخصية، كما أخذ بذلك القانون المغربي بالنص على: لا يجوز أن يبرم اتفاق تحكيم بشأن تسوية النزاعات التي تهم حالة الأشخاص وأهليتهم أو الحقوق الشخصية التي لا تكون موضوع تجارة.. كما أخرج المشرع المغربي النزاعات المتعلقة بالأحوال الشخصية من مجال التحكيم ولكنها استثنت النزاعات ذات الطابع المالي الناتجة عن نزاعات الأحوال الشخصية فيمكن ان تكون محل تحكيم. وبالرجوع إلى قانون العمل السوداني كما هو الحال في معظم التشريعات العربية، وحيث أنه لا يجوز التصالح على الحقوق التي قررها القانون للعامل، فقد بين المشرع إجراءات التقاضي في المادة «55» بأنه في جميع الحالات الواردة في المادتين «53» و «54» لا يجوز إنهاء العمل قبل عرض النزاع على السلطة المختصة والحصول على موافقتها، ويجب على السلطة المختصة أن تقوم بإجراء التحري اللازم في ما يتعلق بتلك الحالة أو الحالات وإصدار قرار بشأنها، وذلك خلال أسبوعين من عرض النزاع عليه.. كما نصت المادة «67» على أنه يعتبر باطلاً بطلاناً مطلقاً أي عقد يتعهد بموجبه العامل بأن يتنازل إلى صاحب العمل عن كل أو بعض المبالغ الواجب على صاحب العمل دفعها أو اتفق على دفعها في ما يتعلق باستخدام ذلك العامل، ولا يجوز للمحاكم تنفيذه. وحيث حدد المشرع إجراءات التقاضي، ومن ثم فإن شرط التحكيم والتحكيم بشأن الحقوق المترتبة للعامل بمقتضى قانون العمل يكون باطلاً، وبالتالي لا يترتب عليه اللجوء للتحكيم ونزع اختصاص المحاكم أو حجب ولايتها في الفصل في ما يدور بين صاحب العمل والعامل بخصوص الحقوق المترتبة بمقتضى قانون العمل. فالقواعد القانونية المقررة بمقتضى قانون العمل بشأن حقوق العمل هي قواعد قانونية آمرة لا يجوز للأفراد أو غيرهم مخالفتها أو الاتفاق على عكسها، لأن المشرع استهدف من حكمها حماية الصالح العام الذي يتعلق بالنظام العام، ومن ثم يبطل الاتفاق على مخالفتها، وهو ليس بطلاناً مطلقاً بل بطلان يتفق مع الغاية من تقرير المنع وهي حماية المصلحة الخاصة المشروعة للعمال، ومن ثم يبطل التصالح أو الإبراء عن الحقوق المقررة للعامل بمقتضى هذا القانون. فإذا كان ذلك يثور سؤال لماذا نص قانون العمل على منازعات العمل ومراحل تسوية النزاع وأورد التحكيم فيه؟ والرد أن قانون العمل قد نص في المادة «99» على تطبيق أحكام الفصل الثاني عشر على أي نزاع عمالي يقع بين واحد او أكثر من أصحاب العمل وجميع عمالهم أو أي فريق منهم. وهذا النص مقصود به المنازعات الجماعية التي تختص بنظرها لجنة، وهي كل خلاف ينشأ بين صاحب العمل وعماله متى كان موضوعه يتصل بمصلحة مشتركة لجميع العمال أو فريق منهم، وفشلت دائرة العمل في حل النزاع بين الطرفين ودياً، وبالتالي فإن المنازعات الفردية بين مجموعة من العمال وصاحب العمل والتي يكون قوامها حق ذاتي لكل عامل منهم ولا يتصل بحق مشترك لجماعة العمال لا تعد منازعات عمل جماعية، فلا يلتزم كل عامل منهم باتباع إجراءات التسوية الجماعية الواردة في الفصل الثاني عشر، بل تختص المحاكم العادية بالفصل في المنازعات الفردية. «نواصل» عوض الحسن النور وزير العدل