تعنت الحركات الدارفورية ورفضها غير المبرر للتفاوض وحل المشكلة التي إصطنعتها بدارفور سلمياً قاد معظمها الي طريق مسدود قد ينتهي بها الي التلاشي ، ذلك المصير الذي إقترب منه فصيل عبد الواحد الذي أشارت كل التحليلات السياسية السابقة علي زواله بصورة تدريجية وصدقت في ذلك فقد قصمت ظهرالفصيل الضربات العسكرية التي وجهتها له القوات المسلحة علي مناطق تواجده بجبل مرة مما أدي لمقتل العشرات من منسوبيَ الفصيل من بينهم قيادات ميدانية بارزة فيما لجأ البعض الآخر الي الإنشقاق والجنوح للسلام . ولكن أمر الإنسلاخات والإنشقاقات داخل فصيل عبدالواحد لم تبدأ بأحداث جبل مرة التي وقعت الشهر الماضي بل ظهرت منذ أن كان عبد الواحد يتولي منصب رئيس حركة تحرير السودان التي أعلنت عن نفسها في العام 2002 حتي اصبح الأمر صفة متلازمة لها في جميع مراحل تطورها ، فعقلية عبد الواحد المتحجرة وشخصيته ومهارته البارعة في خلق الخصوم حولت حركة تحرير السودان الي مجموعات صغيرة ومتناثرة وخرج عنها القادة المؤسسين لها ، منهم من وقع إتفاق سلام مع الحكومة ومنهم من أسس حركة أو فصيل مستقل ، فيما ذهب البعض الآخر الي حال سبيله أوالتحق بحركات أخري . مؤتمر حسكنيتة شهدت حركة تحرير السودان بحسب الأستاذ يوسف إسحق نائب عبد الواحد المنشق عنه إنسلاخات وإنشقاقات سياسية وميدانية بدء بمؤتمر "حسكنيته" الذي إنعقد في أواخر العام (2005) وكان عبارة عن نهاية خلافات سابقة بين عبد الواحد وأمينه العام "مني أركي مناوي" الذي جاء به المؤتمر رئيساً لحركة تحرير السودان موضحاً أن قرار عزل عبدالواحد في مؤتمر "حسكنيته" جاء بقرار عدد من القادة الميدانيين الذين أعربوا عن عدم رضاهم على العمل التنظيمي وغياب المؤسسية وبروز النزعة الدكتاتورية لدي رئيسهم عبد الواحد وإنفراده بإتخاذ القرارات المصيرية ، إضافة الي ضلوعه في عمليات الفساد المالي وجمعه الأموال لمصلحته الخاصة وإثارة الفتن العنصرية داخل جيش الحركة . ويقول إسحق أنه في خضم هذه الأجواء المشحونة التي شهدها مؤتمر "حسكنيته" ما بين تلاسن وتراشق قادة الحركة أصدر جمعة حقار "الذي كان يتولي منصب القائد العام لحركة التحرير في ذلك الوقت" بيان عاصف أكد فيه تورط عبدالواحد في جرائم عنصرية ضد طلاب أبرياء بمنطقة "زالنجي" حيث تم إختطافهم من داخل بص سفري وقتلهم ، وكذلك إصداره لأوامر للسطو علي عربات إغاثة بين "الفاشر وكبكابية" وإدارته لعمليات عسكرية ضد المدنين حول جبل مرة ، مضيفاً أنه أثناء جولة المفاوضات التي بدأت في أواخر نوفمبر (2005) بابوجا قرر عبد الواحد نسف المفاوضات لمخاطبة الإتحاد الأفريقي وسحب ممثلي الحركة من المفاوضات والغاء تكليفهم وذلك لمكايدات شخصية بينه وبين مناوي . مجموعة ال(19) ويواصل إسحق أنه فى اعقاب هذه الخطوة إجتمع مجموعة من القادة السياسيين والعسكريين بفندق "شيدا" بأبوجا وكان عددهم "19" وأصدروا قراراً بعزل عبد الواحد من رئاسة الحركة وتكليف نائبه "خميس عبد الله أبكر" والإبقاء علي وفد التفاوض مع الحكومة كما هو وعند رفض عبد الواحد التوقيع علي إتفاق أبوجا اصدرت مجموعة اخرى من القادة أبرزهم "علي ديناري _ الفاضل زكريا _ مجموعة أحمد كبر وبخيت ود فروج _ وأسماعيل أغبش" قرارا بعزل عبد الواحد بعد ان خاطبوه بصورة رسمية مطالبين اياه الحضور للميدان لمناقشة شؤون الحركة وإرسال طائرة تقلهم الي أبوجا للإدلاء برأيهم المنحاز لجانب السلام ، إلا أن عبد الواحد لم يحضر بل أخفي الأمر علي الإتحاد الأفريقي الراعي للمفاوضات وتم تكليف البروفيسيور عبد الرحمن موسي رئيساً ووقع علي إتفاق سلام بإسم حركة تحرير السودان الإرادة الحرة ، متابعاً ثم تلا هذا الإنشقاق الثالث في الترتيب خروج مجموعة بقيادة المهندس إبراهيم مادبو الذي وقع علي إتفاق سلام مع الحكومة بأديس أبابا تحت مسمي جناح السلام وأعقبه جناح الوحدة برئاسة عبد الله يحي ونائبه أحمد كبر وكذلك مجموعة أحمد عبد الشافع الذي تم تكليفه من قبل القيادات الميدانية رئيساً للحركة بعد ذهاب خميس عبد الله أبكر لجبهة الخلاص الوطني . طموحات شخصية ويزيد إسحق أنه في ظل سيطرة الطموحات الشخصية علي عبد الواحد الذى عمق من خلافات وإنشقاقات الحركة . خرجت مجموعة تضم (22) عضواً يمثلون المجلس العسكري الثوري للحركة مشكلين حركة تحرير السودان الأم بقيادة أبو القاسم إمام والى غرب دارفور السابق ووقعت هذه الحركه على اتفاق سلام وفق بروتوكولات إضافية لإتفاق أبوجا بطرابلس عام (2006) سوء ادارة وفي ذات السياق يقول هاشم موسي البشر مساعد رئيس حركة القيادة التاريخية " المنشقه عن الفصيل عمدة منطقة جنوب مرة" أن سوء إدارة عبد الواحد وشخصيته الغير متزنة أوصلته الي إعتلاء رأس فصيل بعد أن كان قائداً لحركة مسلحة ، لافتاً الي أن هذا الفصيل أيضاً تلاحقه لعنة الإنشقاقات بل تعدي الأمر الي مرحلة توجيه منسوبيه أسلحتهم لبعضهم ، حيث أعلنت مجموعة تضم موسي مورني رئيس هيئة الأركان للفصيل وصلاح عبد الله تور "رصاص" قائد التوجيه المعنوي ومصطفي روكو وآخرون عن خارطة طريق لقيام تيار إصلاحي وتطبيق إجراءات إصلاحية داخل الفصيل وإخراجه من عزلته التي يعيشها والإنخراط في مسار تفاوضي مع الحكومة مما دفع بعبد الواحد الى اعتقال هذه القيادات ب"كمبالا" وتلفيق تهم لهم ،و هذه هي طريقة تعامل عبدالواحد مع خصومه خاصة المنادين بالسلام . وأضاف هاشم أن الفصيل شهد إشتباكات عنيفة داخله أودت بحياه العشرات من منسوبيه علي خلفية أطماع علي المناصب والمغانم كالتى كانت قد وقعت بين القائد العام عبد القادر عبد الرحمن "قدوره" ونائبه محمد آدم عبد السلام "طراده" ، ولم يقف الأمر داخل الفصيل عند هذا الحد والحديث للعمدة هاشم بل تعداه لممارسة تصفيات جسدية للمناوئين والمطالبين بحلول سلميه ، وقائمة عبد الواحد مليئة بمن تم قتلهم وتصفيتهم بأوامر مباشرة منه حتي تجاوزت حصيلة التصفيات (المائة) شخص أبرزهم : "الحاج صديق إبراهيم مسؤول المجتمع المدني ، الرشيد عبد المولي قائد غرفة العمليات ، عبد الغفار محمد موسي ، جدو أحمد أبكر وغيرهم كثيرون" ، مشيراً الي أن الأوضاع المزرية التي يعيشها الفصيل الذي أصبح غالبية منسوبيه من الأطفال والصبية صغار السن أدت لإنتشار ظاهرة إدمان المخدرات وأمراض سوء التغذية والأمراض النفسية وحوادث الإنتحار ، متابعاً أن منسوبي عبد الواحد عاثوا فساداً في منطقة جبل مرة وتضرر من ممارساتهم الغير إنسانية الكثير من المواطنين كالتجنيد القسري للاطفال واختطاف الفتيات، والإستيلاء علي ممتلكات الاهالى وفرض جبايات واتاوات فوق طاقتهم ، مؤكداً أن عبد الواحد فقد سيطرته علي جبل مرة بعد الإنشقاقات التي ضربت فصيله والتي كان آخرها خروج مجموعة كبيرة تضم أكثر من (450) مقاتل من منطقة جنوب جبل مرة بمعية قيادات بارزة قاموا بتسليم أسلحتهم وعتادهم لحكومة ولاية وسط دارفور ، ولا زالت هناك أعداد كبيرة من فاقدي الثقة في عبد الواحد يرغبون في الإلتحاق بركب السلام . عودة الحياة لجبل مرة وفي ذات السياق يؤكد العقيد يوسف عبد الله معتمد محلية وسط جبل مرة "قولو" بولاية وسط دارفور أن العمليات التي قامت بها القوات المسلحة علي بعض مناطق جبل مرة كردة فعل علي إعتداءات منسوبيَ عبد الواحد المتكررة علي المواطنين العزل وخرقها لإتفاق وقف إطلاق النار كانت لها نتائج إيجابية علي عودة الهدوء والإستقرار للمنطقة وثم إعادة فتح العديد من الطرق والأسواق التي كانت مغلقة بفعل وجود التمرد ، مشيراً الي أن جبل مرة الآن بدأت الحياه تعود اليه بصورة تدريجية وأصبح مربوطاً ببقية ولايات دارفور . ويرى مراقبون ان ما يجري الآن داخل فصيل عبد الواحد من إنسلاخات وإنشقاقات لم تكن مستبعده بل هى مصير حتمى لكيان يعتلى قمة هرمه شخص لايصلح لادارة اى عمل سياسى رشيد.