نحرص – فيما يحرص عليه – ألا يكب الحرف طلباً للنصرة العمياء أو الغلبة غير المستحقة .. ونجتنب كذلك حين نسكبه – أي الحرف – أن لا يندلق منحازاً أو متحاملاً .. وفي هذا نكابد عناء وعنتاً شديدين .. لذلك نرجو أن تتعاطوا مع تناولنا لفضيحة المحكمة الجنائية الأخيرة من هذه الزاوية ، والتي لا ننشد فيها غير التأمين على ما هو مؤمن عليه ، وهو أن ميزان العدالة في هذه المحكمة يميل حيث تميل المصلحة وينحاز إلى تجريم من يحاول الخروج عن الطوع .. ويمكن القول إن الجنائية أداء لتأديب الدول التي تنشد الاستقلال عن الهيمنة وترفض التركيع . ولما تدافعت الأقلام الحرة لتبين للناس تلقي رئيسة المحكمة وبعض أعضائها أموالا في حساباتهم الخاصة لشراء شهود ضد السودان، وأن هذه المؤسسة التي تدعي العدالة تتعاطى الرشا مقابل التأثير على مجريات التحقيق في الإدعاءات ضد الرئيس البشير، وفقا لما كشفت عنه صحيفة (لندن افينيينغ بوست) .. لما كشفت الأقلام الحرة عن هذه الفضيحة، كان من الطبيعي أن يغيظ هذا الإيضاح البعض ممن وجدوا في المحكمة سيفاً مسلطاً على دولهم وحكوماتها وأنها تستطيع أن تزيل النظام نيابة عنهم، بل إن البعض أعماهم الغبن فصاروا لا يفرقون بين معارضة الدولة ومعارضة الحكومة. أما المحكمة الجنائية سيئة السمعة – قبل وبعد الفضيحة – لم تكن لتعتذر للعدالة وتتوب عن ذنب تعاطي المال للتأثير على أقوال الشهود، ولم يكن من المنتظر أن تفعل ذلك – أي تعتذر – إنما جاءت ردة فعلها متوقعة فالتمادي في الغي والعزة بالاثم ديدن كل جبار عنيد .. لذلك ما كان من المحكمة إلا أن تحيل حكومتي يوغندا وجيبوتي إلى مجلس الأمن لامتناعهما وتقاعسهما – على حد زعمها – عن اعتقال الرئيس السوداني عمر البشير أثناء وجوده على أراضيهما ، لكون الدولتان عضوين بمحكمة جرائم الحرب وبالتالي ملزمتان بتنفيذ أوامر الاعتقال التي تصدرها المحكمة. وتجدر الإشارة هنا إلى تمادي الجنائية كذلك في استهداف الدول الإفريقية عموما وتلك التي لا تسندها الدول الكبرى الموازرة للمحكمة على وجه الخصوص .. ويؤكد ذلك غض الطرف عن تقديم حكومات دول أفريقية أخرى من بينها جنوب أفريقيا لمجلس الأمن ، رغم تقاعسها عن اعتقال البشير في ظروف مشابهة. سكب مزيد من الحرف منا ومن غيرنا في شأن المحكمة الجنائية ، لكشف أفعالها التي تشوه العدالة الدولية شرف ليس بعده شرف ، كون ذلك لا يأتي طلبا للنصرة والمؤازرة العمياء إنما هو سهم نحتسب به رفع الظلم عن كل من طاله الإدعاء الباطل والشهادة الزور.. والدعوة نخصصها للذين يتخذون من هذه المنابر الجائرة منصات للضغط على شعوبهم وحكوماتها ، بأن كفوا عن هذا العبث .. فإن (بنت السودا) لن تأتيكم بقرار معين.