بسم الله الرحمن الرحيم عبدالغني بريش اللايمى .. الولاياتالمتحدةالأمريكية في احتقار واستفزاز واضح للمجتمع الدولي وقوانينه قدمت كينيا احدى الدول الأفريقية الموقعة على " ميثاق روما الأساسي " الذي أنشأ المحكمة الدولية الجنائية دعوة رسمية للرئيس السوداني عمر البشير المطلوب من قبل العدالة ، للمشاركة في احتفالات كينيا بدستورها الجديد ( فأي دستور ؟ أليس ذلك الدستور الذي سيتم خرقه بمجرد الانتهاء من مراسيم التوقيع ؟ 0 وكينيا إذ بهذه الدعوة تكون قد أقدمت على خطوة تخجل منها أصغر دولة أوروبية الإقدام عليها ، بتجاهلها المذكرة القانونية التي اصدرها قضاة الجنائية الدولية بإعتقال البشير للرد على التُهم التي يواجهها ، والمتمثلة بارتكابه جرائم ( حرب ، وجرائم ضد الإنسانية ، وجرائم الإبادة الجماعية ) باقليم دارفور غربي السودان 0 فالحكومة الكينية ، ولأنها لا تخجل من تأريخها الأسود تجاه مواطنيها ، ومن فضائحها السياسية ، لم تعتذر للعالم الإنساني الأخلاقي على دعوتها لعمر البشير الهارب من العدالة الجنائية إلى أراضيها ، بل دافعت عن قرارها بتكليف وزير السياحة " نجيب بالالا " بمرافقة البشير إلى متنزه اوهورو في نيروبي حيث جرت مراسم التوقيع على الدستور الجديد 0 وبرر وزير الخارجية الكيني " موسى ويتانغولا " بالقول أن الدعوة وجهت إلى البشير إلى جانب عدد من الزعماء الإقليميين ، وأضاف إن " الرئيس البشير موجود هنا بناء على دعوة من الحكومة 00 ولأننا دعونا جيراننا كافة ، وهو أحد الجيران 0 وزيارته ليس لها تأثير على الإطلاق على التزام كينيا في المستقبل تجاه المحكمة الجنائية الدولية 0 بئس التبرير والحجج التي قدمها الوزير الكيني !! 0 انها مبررات وهمية وتضليلية لا أكثر ولا أقل ، لأن هذا الحدث الكيني لا يرقى إلى حدث تأريخي عظيم ، حتى تجازف حكومتها بسمعتها الدولية ، وبعلاقتها بالمحكمة الجنائية الدولية !! لتدعو البشير إلى أراضيها 00 وحسنا فعل قضاة المحكمة الجنائية الدولية برفع تقريراً سريعاً ضد كينيا إلى مجلس الأمن وجمعية الدول الأعضاء التي تشرف على عمل المحكمة لسماحها بزيارة البشير حتى يتخذا أي إجراء " قد يريانه مناسباً " ، بإعتبار ان " كينيا لديها التزام واضح بالتعاون مع المحكمة في ما يتعلق بتنفيذ أوامر الاعتقال " 0 ان تركيزنا في مقالنا هذا على القارة الأفريقية يعود لأسباب عدة منها : * أكثر الدول الموقعة على ميثاق روما تنتمي لهذه القارة 0 * الجرائم التي نتحدث عنها والتي تقع ضمن اختصاص الجنائية الدولية وقعت في هذه القارة 0 * كينيا التي تجاهلت مذكرة اعتقال البشير من الدول الأفريقية الموقعة على ميثاق روما 0 * أكثر الدول المنتهكة لحقوق الإنسان في العالم تنتمي لهذه القارة 0 * أكثر الحروبات دمويةً وقعت وتقع حتى الآن في هذه القارة 0 * 00 الخ 0 ومما جدير بالذكر هنا هو أن المجتمع الدولي وخاصة الدول الموقعة على ميثاق روما تفاجأت بالقرار الكيني ، لأنها لم تكن تتوقع ان تقوم كينيا التي تتخذ معظم المنظمات العالمية والدولية والإقليمية عاصمتها " نيروبي " مقرا لأنشطتها المختلفة في أفريقيا ، بتقديم دعوة رسمية لرئيس متهم من قبل المحكمة الجنائية الدولية بقتله أكثر من 300 ألف مواطن سوداني لدخول أراضيها دون عواقب ! ؟ 0 وإذا كان هذا هو موقف وسلوك الدول الموقعة على ميثاق روما الذي أنشأ المحكمة الجنائية الدولية ، بإيمانها بضرورة وجود مثل هذه المحكمة للتصدي للجرائم ذات الطبيعة الخاصة ك ( جرائم ضد الانسانية ، وجرائم حرب ، وجرائم ضد الإنسانية ) ! ، فما بالك عن تلك الدول التي رفضت الاعتراف بهذه المحكمة إبتداءاً ، واعتبرتها محكمة " الرجل الأبيض " لمطاردة الرجل الأسود واستعماره مجددا ؟ ان سمعة كينيا تلطخت إلى الأبد لسماحها لهارب من العدالة الجنائية الدولية بدخول أراضيها لحضور الاحتفال بدستورها الجديد 00 وهي بهذا الموقف إذ تقف مع متهم ومشتبه به بارتكاب جرائم مروعة وفظيعة 00 أما الضحايا وأهلهم ففي ستين ألف داهية ! 0 ومجملا : القارة الأفريقية التي تعاني أكثر من 700 ألف نسمة من سكانها حسب تقرير البنك الدولي فقراً مزمناً في 47 دولة ، منها 34 دولة تم تصنيفها على أنها أكثر الدول فقراً في العالم من عدد 48 دولة على المستوى العالمي حيث يصل متوسط دخل الفرد إلى أقل من 342 دولار أمريكي في السنة ، ونتيجة لذلك قامت المنظمات العالمية والدولية والإقليمية ببذل جهودا مضنية لمواجهة عدد من مشكلاتها الكبيرة ، وطلبت من الدول الغنية بتقديم المساعدات اللأزمة لها في كافة المجالات ، وقامت هي بإمكانياتها البسيطة بمساعدة تلك القارة النامية في مجالات عدة 0 فإن تجاهلها لقرارات وتوصيات ذات المنظمات يُعد ضربة قاضية لها ولمجهوداتها ومساعيها لإخراجها من حالة التخلف 0 ومن المنتظر أيضا ان يؤثر قرار التجاهل هذا سلباً على علاقتها مع المجتمع الدولي ، ويقلل من فرص حصولها على مقاعد لها مستقبلا في المنظمات ذات التأثير الدولي 0 أفريقيا بحاجة ماسة وملحة إلى مساعدات الدول المتقدمة والغنية في كافة المجالات الحياتية والتنموية ، وأيضا بحاجة إلى مساعدات المنظمات العالمية والدولية والإقليمية ، وهذه المساعدات قد تتأثر إذا استمرت أفريقيا في عدم إحترامها للقرارات الدولية ومواثيقها ، ولم تقم بتنفيذ إلتزاماتها تجاه المجتمع الدولي والمنظمات التابعة لها ! 0 لابد للدول الأفريقية ان تعرف ان إحترام القوانين والنظم هو أساس تطور وتقدم أي مجتمع من المجتمعات البشرية 00 ولا يمكن تصور الأمن والاستقرار والتنمية في ظل عشوائية وفوضى وتجاوزات أخلاقية 0 ولابد ان تعرف ان إشاعة الفوضى في مجتمع من المجتمعات يعني اختلال كل شيء 00 ولايمكن أيضا قيام أي حضارة من الحضارات دون وجود نظام يرسم الإطار العام الذي يسمح فيه لجميع أفراد المجتمع ممارسة حياتهم بحرية في حدود النظم والقوانين 0 على أفريقيا ان تعلم ان الفوضى تعني التخلف والبربرية والتجرد من القيم الإنسانية السمحة ، وعليها ان تعلم أيضاً ان اشاعة ثقافة احترام القوانين والنظم يجب ان تأخذ الأولوية عند الدول والحكومات الأفريقية ، لأن إحترام القوانين في أي بلد من البلدان يسهم اسهاماً فعالاً في تأصيل حقوق الانسان والبناء الاجتماعي السليم 0 وإذا أرادت أفريقيا التمتع بالتنمية والأمن والهدوء والاستقرار ، بعيداً عن الإضطرابات والنزاعات الأهلية المسلحة والفوضى الإجتماعية ، عليها إحترام القوانين والنظم ، لأن احترامها يعد ضرورة من ضروريات تحضر وتقدم الدول ومجتمعاتها 00 وبهذا الإحترام أيضا سيدرك الإنسان الأفريقي كيفية الحصول على حقوقه المشروعة 0 وعليها تنفيد ما التزمت بها من قوانين ومواثيق وعهود تجاه المجتمع الدولي ومنظماته العامة والمتخصصة ، ومنها قرار قضاة الجنائية الدولية القاضي بإعتقال الرئيس السوداني الهارب من العدالة للرد على التُهم الموجهة إليه 0 وعليها ان تعلم أيضاً أن المحكمة الجنائية الدولية " أداة مهمة من أدوات المجتمع الدولي لمكافحة الإفلات من العقاب على أخطر الجرائم التي تقلق المجتمع الدولي ككل " ، لكنها ليست لها جهة تنفيذية خاصة بها لتقوم بتنفيذ الأوامر الصادرة عنها ، بل الدول الموقعة على ميثاق روما هي التي يجب عليها تنفيذ الأوامر والقرارات الصادرة عنها 00 ولذا تقع على عاتق الدول الأفريقية ال31 الموقعة على ميثاق روما الأساسي ضمان ملاحقة مرتكبو " الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب " في أفريقيا عن طريق اتخاذ خطوات ملموسة على المستويين الداخلي والدولي لتقديمهم للمحاكمة 0 والسلام عليكم