تكشفت حقائق جديدة حول المعلومات التى وردت الإشارة اليها فى تقرير نشره موقع "لندن إفننغ بوست" فى مطلع يوليو الجارى والذى كان قد تحدث عن تورط رئيسة المحكمة سلفيا اليخاندرا فرنانديز دى غورمندى فى فساد كبير وخطيرجدا وذلك بتلقيها رشى لفبركة شهود وادلة ضد الرئيس عمر البشير. بؤر التوتر جاء الإهتمام الغربى بقضية دارفور- وهى نزاع داخلى شأنه شان النزاعات الأخرى المشابهة فى أفريقيا- كان يمكن حله فى سياقه الوطنى، غير أن أجندة اخرى لأطراف عديدة حولت هذا الملف الى قضية عالمية. فالأطراف التى أهتمت بقضية دارفور تكونت من مجموعات ضغط أو لوبيات معادية للسودان وتخوض ضده حربا طويلة تسعى الى إسقاط الحكم القائم وإحلال حلفاءها مكانه كحد ادنى. وهى حليف وثيق لحركات التمرد فى السودان التي كانت مدخلها الى معاداة السودان عبر قضية جنوب السودان عندما كان متمردو الحركة الشعبية بقيادة جون قرنق يقاتلون ضد الحكومة المركزية فى الشمال تحت شعار السودان الجديد. وهناك الحكومات الغربية التى تعاطفت-تحت وطأة تحركات مجموعات الضط الغربية المؤثرة فى صناعة القرار تجاه السودان- مع جنوب السودان ضد الحكومة المركزية. أندلع التمرد فى دارفور فى مارس 2003 فى خضم المفاوضات التى جرت كينيا بين متمردى جنوب السودان والحكومة وذلك عقب التوقيع على الإتفاق الإطارى الذى مهد للتوصل لما عرفت لاحقا بإتفاقية نيفاشا للسلام. فى هذه الأثناء كان يجرى التحضير فى الخفاء لتفجير بؤرة توتر أخرى فى البلاد، إنطلاقاً من سياسة شد الأطراف والإستنزاف التى أتبعت منذ إندلاع التمرد بالجنوب فى البلاد مع بدايات الإستقلال الوطنى من المستعمر البريطانى. أصل الحكاية كان الهدف من نقل الصراع من جنوب السودان- الذى كان على وشك الدخول فى تسوية سياسية نهائية- الى دارفور هو إستغلال النزاع الجديد غربى البلاد لتقوية الحركة الشعبية بقيادة جون قرنق فى مواجهة المؤتمر الوطنى الذي كان شريكا لها فى الحكم طوال الفترة الانتقالية (2005-2011). ولكن هناك سياقات أخرى لتفسير تفجير النزاع فى دارفور وتحويله الى قضية عالمية، منها أنه خلال إدارة بوش الابن عندما سيطر المحافظون الجدد على مقاليد الأمور فى واشنطون كانت لديهم عقيدة توسعية تقوم على الغزو وإسقاط الحكومات بما يخدم المصالح الاستراتيجية الامريكية لاسيما تجاه النظم التى تعتبر" معادية" أو "مارقة". كان السودان وما يزال يمثل نموذجا لعجز السياسة الخارجية الأمريكية حيث فشلت كافة التدابير التى أتخذت حيال الحكم فى السودان من العقوبات الأحادية الى دعم الغزو العسكرى كما حدث مع المعارضة فى شرق البلاد 1996 الى الحصار والمقاطعة الدوليين. ووجدت مجموعات الضغط فى "المحافظين الجدد" نصيرا لتحقيق ماتصبو اليه وهو إسقاط النظام وهم يرفعون شعار "الحرب العالمية على الإرهاب" ويتعطشون للنفط والدماء! ومن هنا جرى تصوير الوضع فى دارفور بانه اكبر ازمة انسانية فى العالم وأن ما يجري حرب ابادة وتطهير عرقي يستوجب تدخلا عسكريا من دول "العالم الحر". أول حالة الى ما تقدم، كان ملف النزاع دارفور بين التمرد المسلح والحكومة السودانية يمثل نموذجا ملهما لمجموعات الضغط المعادية فى السودان، والتى أخذت تركز على المدافعة عن مفهوم جديد لحقوق الإنسان وهو التصدى للوحشية والجرائم ضد الإنسانية إنطلاقا من مفهوم "مسئولية الحماية". ونظر الى دارفور على أنها اول حالة يمكن من خلالها تطبيق المفاهيم الجديد لحقوق الإنسان التى تبنتها هذه اللوبيات، وستكون اول حالة كذلك لمحاكمة رئيس دولة- الرئيس البشير هنا- وهو على سدة الحكم تماهيا مع رغبات وأهداف تيارالمحافظين الجدد الذين يزعمون قيادة أمريكا لتحرير العالم من شروره! وتكمن وراء هذه الخطوة- إن تحققت على النحو الذى خططت له هذه المجموعات- أهداف سياسية أخرى منها: إضعاف الرئيس البشير لصالح مرشح الحركة الشعبية فى الإنتخابات العامة كأحد إستحقاقات إتفاقية السلام الشامل-أجريت فى أبريل 2010- بحيث يغدو خاضعا للمساومة ومهددا بالعزلة الخارجية إن مضى فى خيارالترشح للرئاسة. ايضا كان الهدف من تحريك الجنائية ضد الرئيس البشير تحويل الأنظار من جرائم "إسرائيل" ضد الفلسطينيين فى الأراضى المحتلة مع تصاعد تأثير الحركات المناهضة للإحتلال الصهيونى لفلسطين والربط بينها وبين نظام الفصل العنصرى البائد فى جنوب أفريقيا سابقا. كما هدف هذه المجموعات إعتبار ملف دارفور بمثابة تأكيد لسلطة العدالة الدولية الجديدة التى تمثلها الجنائية الدولية. وكان يجرى إفتراض ان الأمور ستمضى الى تحقيق الأجندة التى كانت كامنة وراء الصراع الطويل بين السودان من جهة وحركات التمرد المدعومة من الدول الغربية ومجموعات الضغط هناك من ناحية أخرى. إختبار قاس بما أن أن هناك أجندة سياسية وليس أخلاقية وراء ملف المحكمة الجنائية وإستهداف قادة السودان عبرهذه المحكمة، فإن الفبركة أو الإختلاق من أجل تضخيم النزاع فى دارفور يبدو أمرا مؤكدا. وبعد سنوات من إندلاع التمرد فى دارفور وتدخل الجنائية فى هذا الملف تتكشف حقائق مؤلمة تقول: انه تم التضحية بالشعارات الأخلاقية والإنسانية ومفهوم العدالة الدولية لإعتبارات سياسية لأطراف عديدة تقطاعت مصالحها فى العداء مع حكومة السودان. منذ نشأتها، كانت المحكمة الجنائية محكومة بالتوازنات السياسية حيث تتأثر بموازيين القوى السياسية من قبل الدول الكبرى المؤثرة على مقاليد السياسية الدولية وكذلك "هندسة" المحكمة لملاحقة الدول الضعيفة فحسب، فيما تستثنى الدول الكبرى. ومن هنا، فإن الجنائية الدولية لم تكن تعبيرا عن طموح العدالة الدولية الذى تسعى اليه الشعوب المستضعفة والتى عانت من تبعات الغزو والإستعمار والعدوان حتى اليوم، حيث ولدت فكرة العدالة الدولية وهى ميتة. معلومات موثقة إن المعلومات التى نشرها موقع "لندن إفننغ بوست" مؤخرا تشير الى فساد ممنهج من أجل إستغلال المحكمة فى فبركة الأدلة والشهود ضد الرئيس السودانى وملاحقته عبر المحكمة الجنائية ليس إنتصارا للضحايا كما يزعم- ولكن لتحقيق مآرب أخرى تماما. وتؤكد المعلومات التى نشرت فى بعض المواقع صحة الإتهامات التى توجه الى رئيس المحكمة وربما المدعى العام الأسبق لويس مورينو أوكامبو وغيرهما. وتقول هذه المعلومات أن شركة يطلق عليها نابكس(NAPEX INTERNATIONAL LTD) ولها حساب ببنك الإعتماد السويسرى ولكن ليس لها سجل تجارى بتلك الجزر، وهى مجرد غطاء لتمرير الأموال الى الأطراف المتورطة فى الفبركة وجلب شهود الزور وأعطيت عنوانا وهميا بجزيرة ناساو بالكاريبى- قامت بعمليات تحويل لأموال شملت الجهات التالية: كونقريقيشن بنى إسرائل (نورث آمبتون) ومنها الى كوليشن فور إنترناشنوال جستك (مبلغ 275 ألف دولار) فى 12 يوليو 2004. ومن "جينيسى إنترناشونال لقابضة" (الولاياتالمتحدةالأمريكية) الى "وتنس فاونديشن" (مايا فارو- لوقناو). كما قامت نابكس أيضا بتحويل أموال من "كوميونتى فاونديشن" وعبرها الى الناشط إريك ريفيز ومنه شركة "سى بى آى" لبنى القدرات العسكرية وعبرها الى مكتب تمثيل لحركة عبدالواحد نور فى إسرائيل. كما تسلمت شركة "أتلانتك كورب" بالولاياتالمتحدة أموالا قامت بستليمها الى مكتب حركة عبدالوحد نور فى إسرائيل. وبدورها تسلمت "بارتنغ هولندنغ" و سلفيا أموالا فى "نابكس" أيضا وتشير المعطيات الى أن شركة بارتنغ هولدنغ مملوكة للسيدة سلفيا ولها مكتب بجنوب أفريقيا حيث تتردد هناك كثيرا، ولقد تلقت هذه الشركة عدة دفعات من التحويلات المالية فى الفترة بين 2004 و2007. صمت مطبق يبدو ان المحكمة الجنائية قد قررت لزوم الصمت المطبق إزاء التقارير الإعلامية المتواترة حول تورطها على أعلى مستوى فى عمليات فساد من شأنها ان تطيح بالمحكمة فى الوقت الذى تواجه فيه عجزا كبيرا سواء فى فتح قضايا جديدة أكثر عدالة من كافة القضايا التى نظرت فيها المحكمة سابقا، ذات مصداقية لاسيما فى فلسطينالمحتلة وسوريا ومينانمار وجنوب السودان، أو طى الملفات التى وجدت المحكمة نفسها مدفوعة نحوها لأبعاد سياسية فاضحة كحالة السودان. ومن شان تكشف الحقائق الكاملة لهذه الفضيحة ان تكون أكبر من كافة الفضائح التى كشفت عبر التاريخ، ذلك أنها ستوجه ضربة قاضية لمفهوم "العدالة الدولية" كما ستفضح دول ومنظمات وأشخاص ساهموا بأشكال عدة فى هذه المؤامرة.