المُخاطب مُستنِيِّر، ويتطلَّع سلفاً للتَّعرف على مغزى خطابنا الموجه إليه .. وإلى أين نود أن نمضي به .. وأية فائِدة يجنيها من تتبع كلامنا، لذلك نُخاطبه صراحةً بأن مقُولنا كَثٌر عن الحزب الشيوعي .. ابتداءً من مُراجعات بعض قياداته الفكرية .. ومروراً بإبطال ردهم بتأجيل مؤتمرهم العام السادس – الذي انعقد أخيراً لضعف الحصيلة المالية وتصحيح ما التبس على الناس بأن دواعي التأجيل لم تكن مالية كما أُشيع، إنما كانت لخلافاتٍ فكرية أدت في نهاية المطاف إلى فصل رهط من قيادات الحزب التاريخية .. وانتهاءً بتشريح الحالة اليسارية وبيان المُتَّبع في تسوية الخلافات الفكرية والتنظيمية.. نعم كَثُر مقُولنا تأثُراً بما آل إليه الغريم من ضعفٍ وهوان، فكيف نطلب مُواجهة ضعيف ونتباهى بالانتصار عليه .. إنه لأمر مُخجل . ضعُفَ الغرِيم .. ولا يسُرنا ذلك بالطبع، إنما كُنا نُريده نِداً رغم أنه يُسَر سروراً بالغاً إذا صِرنا إلى ضعفٍ كالذي صار إليه ودلائل ضعفه ليست داخلية فقط وإن كانت الداخلية هي الأُخرى مُهِمة كونها أدت إلى انقسام الصف وإعمال آلة الفصلِ التعسُفي والدخول للمؤتمر العام السادس بضعِيفات العُرى والزبد الجُفاء فهناك أسباب أخرى تتعلق بتأثيرات الحزب على مُحيطه، إذ أنه كفاعل أساس مع أحزاب مُعارِضة أُخرى يرفُض ما يُسمِيه (الهبوط الناعم) مُعتقداً أن هناك جِهات أجنبية تروم تغيير النظام القائم، وتعمل في سبيل ذلك للتأثير على المُعارضة للقبول بالتوقيع على خريطة الطريق، وهذا يُفسِر رفضه أي الشيوعي للإجماع الذي يلُوح في سماء مُكونات نداء السودان حول الخريطة المُراد التوقيع عليها.. إذن فأين الضعف في هذا الموقف الذي أقل ما يُمكِن أن يوصف به أنه صِدام ينُم عن قوة؟ الضعف أيها المُستنير يكمُن في الإرادة .. والإرادة نوعان : إرادة القوة وهي التي يحاول أن يتحلى بها الشيوعي بفرض الرأي وإن كان هذا الرأي لا نجاعة فيه ولا وسائل تُحقِقه، كأن يُنادي بإسقاط النظام وهو لا يمتلك الوسيلة التي يُحصِّل بها هذه الرغبة نتيجة للافتقار للقواعد وضعف الخطاب المُمّكِن من التفاف الآخرين حول هذا الرأي وهذه الرغبة .. أما الإرادة الثانية فهي إرادة الرِقَّة وتتمثل في التواضع للرأي الصواب وإن كان مُخالفاً للرأي الذي رأيت، خاصة إذا كان الرأي الصواب لديه من أدوات التمّكِين ما يُمكِّن من تنزيله على أرض الواقع، وهذه الإرادة الغائبة في طرح الشيوعي هي الضعف بعينه الذي أعني . إذن لماذا يُناضل الحزب الشيوعي؟ ولو ذهبنا نفصِّل للإجابة عن هذا السؤال لسوّدنا في ذلك أوراقاً ومُجلدات .. ولكن، لا خير في التطويل، ولعل من الأفضل الاكتفاء بالجواب المنقول عن د. الشفيع خضر عبر صحيفة (السوداني)، حيث قال: (تفرغت للعمل السياسي في الحزب الشيوعي وأنا طبيب راهن على الأفضل، فاختار أن يُعالج أسباب المرض بشكلٍ جذري في منبعه، في المجتمع، بدلاً من مداواة الأجساد الوهنة ) .. إذ كان خطاب الإشارة هذا هو خطاب الشفيع لأعضاء المؤتمر العام السادس للحزب .. في مقابل خطاب العبارة خطاب العقل المحدود – الذي وضع أمثال الشفيع خارج منظومة الحزب بقرارات فصل تعسفية . ألا تصلُح هذه الأحداث التي تشهدها أروقة اليسار لنسف الحلم الكبير الذي ظل يراود كفاح الطبقة العاملة ممَّن أفنوا خُضراوات أعمارهم أملاً في علاج جذور الأزمة السودانية المتمثلة في تحريك الساكن والدخول في تسوية سياسية جماعية، بدلاً من مداواة الأجساد التي وقفت تردد أغنيات تُطالب بالحُرية والسلام والعدالة .. في حين أن المطلوب لم يكن في الصين أو في جبال الهيمالايا .. إنما كان تحت أقدامهم، يدوسون عليه كما تُداس الحشائش المُخضرة !