اتجهت وزارة العدل الي اجراء اصلاحات قانونية شاملة ضمن برنامج اصلاح الدولة، وعملت علي تشكيل لجان مختلفة للنظر في امكانية استحداث قوانين جديدة تواكب حراك المجتمع والايفاء بالتزامات السودان تجاه الإتفاقيات والمعاهدا ت الدولية، بجانب تعديل القوانين وفق ما تتطلبه الضرورة. ويوجد حاليا اكثر من (60) قانونا امام منضدة وزير العدل للبت فيها حيث بدأت الوزارة بالإتجاه نحو فصل النائب العام عن وزارة العدل، ومؤخرا دار جدل مكثف حول قانون النيابة العامة الذي ثار النقاش حوله لدى الباحثين القانونيين والسياسيين والحقوقيين والإعلاميين المهتمين بقضية فصل النيابة العامة عن سلطة وزير العدل. كثير من الشد والجذب حولا الإختصاصات بدا واضحاً بين الشرطة ووزارة العدل، لكن اجتماعاً عقد بوزارة العدل ضم وزيرها ووزير الداخلية ومدير عام الشرطة وعدد من المستشارين القانوين توصلت فيه الأطراف إلي تفاهمات ورؤي مشتركة وموحدة حول ملاحظات الشرطة علي مشروع قانون النيابة العامة لسنه 2015م، بإعتبار ان وزارة العدل والشرطة تعملان معا لتحقيق العدالة وانفاذ سيادة حكم القانون علي كافة مستويات البلاد. ويري خبراء قانونيون انه لابد من فصل النيابة العامة عن وزارة العدل حتى تصبح مستقلة ولا تكون حكومية على ان تتبع لها نيابات أخرى متخصصة بما فيها المختصة بقضايا الفساد، وان تصبح النيابة العامة مستقلة فى قراراتها، معتبرين ان هذه هي الوسيلة الانجح لإصلاح القضاء السوداني عموما، حتى يكون له شخصيته المستقلة وبعيدة عن اى جهاز سياسي حكومي لا يتبع لاى وزارة كحال تلك الأجهزة فى مصر وأمريكا. ويقول الخبير القانوني الفاضل حاج سليمان أن النائب العام كان سلطة قائمة بذاتها في تاريخ العمل العدلي السوداني حتى وقت قريب ولا توجد وزارة عدل، وعند قيامها أصبحت كل الأجراءت التي تسبق التقاضي من سلطات وزير العدل بصفته التنفيذية والمبادئ الدستورية والعدلية، وفي قانون 1974م وما قبله كان هذا العمل يتم بإشراف القاضي والشرطة، وطبعاً القضاء سلطة مستقلة، وأحد السلطات الثلاث التي تقوم عليها الدولة (التشريعية والتنفيذية والقضائية)، تبقى السلطة التنفيذية لا دخل لها في عمل القضاء إطلاقاً، ووزير العدل سلطة تنفيذية كيف له أن يتدخل في هذه الإجراءات، وهو سلطة تنفيذية والخصوم يتطلعون لجهة مستقلة محايدة تتولى إجراءات ما قبل المحاكمة. بالنظر للتاريخ القضائي في السودان ندرك ان منصب النائب العام كان مستقلا عن وزارة العدل وظل منفصلا باعتباره يمثل المجتمع بينما يمثل وزير العدل الدولة كما ان النائب العام يعمل من اجل المجتمع وهو اقرب إليهم خاصة وان وضعيته قانونيه، فيما وزير العدل يتم تعيينه سياسيا وبالتالي يصبح وزير العدل عضوا فى مجلس الوزراء وهو محام للحكومة أكثر من كونه محام للشعب. أما الخبير القانوني احمد شرف الدين يقول انه في اطار برنامج اصلاح الدولة لابد من الاصلاح القانوني وتعديل بعض المواد في القانون بالتوافق والتراضي، موضحاً انه في اطار الثورة التشريعية التي اعلنتها الدولة من المفترض ان يتم اعداد وتعديل (66) تشريعاً منها ما يتعلق بالعدل، ومنها مايتعلق بتطبيق المواثيق الدولية والمعاهدات التي صادق عليها السودان ومازالت هناك قوانين تتعارض معها، مشيراً الي ان بعض الاصلاحات تأتي لتلائم بين القوانين الولائية والقانونية. واضاف ان جميع القوانين لابد من تعديلها بين الحين والأخر لجهة انه من الممكن ان تكون هنالك بعض الإتفاقيات الدولية تم التوقيع عليها بعد وضع القانون، وفي مثل هذه الحالة لابد من تعديل القوانين حتي يتم الإيفاء بالمعاهدات الدولية. بعض الخبراء القانونيون اوضحوا ان تعديل القوانين ليس بالضرورة ان يكون الغرض منه حدث معين انما قد يكون الغرض منه وضع اجتماعي كامل او احداث استدعت مراجعة القوانين، واحيانا يكون قد تم اكتشاف ثغرات من واقع التطبيق العملي في المحاكم والنيابات وغيرها، واحيانا يكون هنالك الغاء لقانون كامل واستصدار قانون غيره في وضع معين. مشيرين الي ان اصلاح الدولة قضي بفصل النائب العام عن وزارة العدل وهذا يعني استحداث جسم قضائي جديد وهو النيابة العامه فسلطات النيابه كانت موزعه ضمن عدد من القوانين وهذا بالضرورة يتبعه مراجعة جميع القوانين الموجودة بها سلطات النيابة العامة قبل اصدار القانون الجديد والا سيكون هنالك تعارض بين القوانين الحاليه التي تنص علي السلطات وبين القانون المستحدث. وحول إمكانية وجود تعارض بين قانون النيابة العامة الجديد وتقليص مهام الشرطة في التحري يرى الخبير القانوني محمد زين العابدين انه لايوجد تعارض بين قانون النيابه والشرطة لجهة ان هنالك فرق بين التحري والتحقيق، فالتحري يعني جمع الاستدلالات بعد وقوع الجريمة والتحقيق معني بالنظر في هذه الإستدلالات ووضعها في اطار القانون للتأكيد من ان هل هذه الإستدلالات تشكل جريمة ام لا، فالتحري عمل فني تقوم به الشرطة من واقع عملها مثل المعامل الجنائية والفحص الكلاب البولسية ومسرح الحادث وغيرها، والتحقيق مرحلة تقوم بها النيابة بإتبارها الجهة التي تمثل الادعاء العام ولا يوجد نزع او تداخل في الإختصاصات. ويقول زين العابدين أن النيابة لم تزل جزء من وزارة العدل ويرأسها المدعي العامي الذي بدورة يرأسه وزير العدل، وتماشيا مع القاعدة العامة هي ان العدل أساس الحكم ومنها يكون البناء المتين ووضع المبادئ الأساسية للحكم العادل تعتبر فصل النيابة العامة عن وزارة العدل من وجه نظر كثيرين خطوة صحيحة تجاه بناء قضاء مستقل يمايز بين المجتمع والدولة ولكن الي حين اجازة مشروع قانون النيابة العامة لسنه 2015 م تبقي الأسئلة المطروحة (هل النيابة قضاء ام سلطة مستقلة تأصيلاً ونهجاً؟).