بسم الله الرحمن الرحيم قال تعالى : (وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ) صدق الله العظيم سورة الشورى الآية (38)الحمد الله الذي قدَر فهدى، والصلاةُ والسلامُ على النبي المصطفى، وعلى آله وصحبه ومن دعا بدعوته وسار على نهجه إلى يومِ الدين. الإخوةُ والأخواتُ أعضاءُ مؤتمر الحوار المجتمعي من ممثلي المجتمع وتنظيماته ومنظماته وقطاعاته وقواه الفاعلة. الحضور الكريم أُحييكم بتحيةِ الاسلام الخالدة ، السلامُ عليكم ورحمةُ الله تعالى وبركاتُه. بدايةً اسمحوا لي أن أرحبَ بكم في هذا اليومِ المبارك الذي نشهدُ فيه ختامَ أعمال لجانِ الحوار المجتمعي بإنعقاد فعاليات ختام الحوار المجتمعي ضمن مشروع (الوثبة) الذي أطلقناه في يناير من العام قبل الماضي. فالحوار المجتمعي يُمثلُ أحدَ مسارات هذا المشروع الوطني الطموح نحو غدِ مُشرقٍ لبلادِنا ولشعبِنا، والذي أكّدْنا فيه عزمَنا على إصلاح الحياةِ العامة من خلال تكامل الجهودِ المجتمعية والسياسيةِ المشتركة لِينفتحَ بذلك مشروعُ الوثبة على ثلاثةِ مساراتٍ للعمل الوطني الجماعي. أولُها: الإصلاحُ السياسي والذي شاركتْ فيه الأحزاب والحركات والتنظيمات السياسية لإصلاح البيئة السياسية للحياة الحزبية حتى يتهيأ المناخ لأحزابنا لممارسة مسؤولياتها للنهوض ببلادِنا. وذلك من خلال تواثقها على توافق سياسي يُعلي من الولاءِ الوطني المستنير على المصالحِ الحزبية الضيقة. وبحمدِ الله نجحت المساعي الجادةُ التي بَذلناها في عقد مؤتمر الحوار الوطني بمشاركةٍ حزبيةٍ لم يشهد تاريخُ البلاد السياسي مثيلاً لها مُنذُ الاستقلال. ونقفُ اليومَ على مشارف عقد المؤتمر العام للحوار الوطني لإجازة توصياتِه في مُقبلِ أيامِنا القادمات والتي نتوقعها بل نترقب إجازتها بإجماع كل القوى السياسية المشاركة ببركةِ الله تعالى وتوفيقه . أما المسارُ الثاني لمشروع الوثبة، فقد حشدنا له أهلَ الخبرة والاختصاص والدرايةِ والمعرفة من أجل تحقيق إصلاحٍ شاملٍ لأجهزةِ الدولة، من خلال تقويم علمي منهجي يؤهل أجهزةَ الدولةِ للإستجابة لضروراتِ ومطلوباتِ استكمالِ بناء القوةِ الذاتيةِ لبلادِنا في كافة المجالات. ونَحمُد اللهَ الذي وفقنا في تنفيذِ برنامجِ إصلاح أجهزة الدولة على النحوِ الذي خططنا له، وسوف يستكملُ هذا البرنامج مرحلته التأسيسية في نهاية ديسمبر المقبل بإذنه تعالى، آخذين في الاعتبارِ أنَّ الإصلاحَ عمليةٌ مستمرةٌ، تستلزم الإستجابة للتحدياتِ الناشئة والمستجدةِ في ظل المتغيرات المتواترة . ويجئُ الحوارُ المجتمعي بمثابةِ المسار الثالثِ لتنفيذ مشروع الوثبة. ففي أبريل من العام قبل الماضي إصدرنا القرارَ الجمهوري رقم (368) لسنة 2014م، والذي رسمنا فيه مقاصدَ الحوار المجتمعي لتُشكلَ مرجعيةً لهذا الحوار. فقد قضى هذا القرارُ بتشكيلِ ست لجانٍ قوميةٍ للحوار المجتمعي، إنصبت أعمالُها على الدراسةِ والتداولِ والتفاكرِ بمشاركةِ مختلف مكونات المجتمع، وفئ اتِه للخروج بتوصياتٍ راشدة تعالج قضايا المجتمع والدولة. وشملت هذه القضايا: السلامَ، والوفاقَ الوطني، الإدارةَ والحكمَ الرشيد، الانتاجَ ومعاشَ الناس ، الهويةَ والمواطنة، والحرياتِ السياسية والاجتماعية، فضلاً عن قضايا الثقافةِ والفنونِ والتعليمِ والرياضةِ، والعلاقات الخارجية. ونحسبُ أنَّ الاختلافَ حولَ جميع هذه القضايا وتباين المواقف حولها هو ما يمسك بخناق المجتمع منذ نيل بلادنا لإستقلالها وحتى تاريخنا الراهن . الإخوةُ والأخواتُ الحضورُ الكريم لقد هدفنا من إدارة هذا الحوار المجتمعي بمشاركة القوى الفاعلة في المجتمع، التعرفَ على وجهاتِ نظرِ مكونات البنية الإجتماعية، وذلك لتعزيزِ القدرةِ على قبول الحلول الوسطية للمواقف المتباينة تجاه مشكلاتنا المتنوعة، والمسكوتِ عن بعضها أمداً طويلاً. فالأمل معقود أن نصل بهذه المشاركة المجتمعية الحقيقية إلى رؤية قومية مشتركة، وتوافقٍ جامع حول الغاياتِ والأهدافِ والأولوياتِ العامة للمجتمع والدولة في جميع المجالات. وهذا من شأنه تعزيز التعايش السلمي، وتمتين الوحدة الوطنية، وتقوية التعاون بين مكونات الأمة، في ظل سلم أهلي ووئام مجتمعي لا مجال بعده لفرقةِ أو شتاتٍ أو إحتراب . الإخوةُ والأخواتُ أعضاءُ الحوار المجتمعي : لقد تابعتُ بالاهتمام كلِه، أعمالَ اللجان القومية للحوار المجتمعي، وهي تؤدي مهامَها في القضايا مناط تكليفها لفترةٍ تجاوزت العامَ والنصف، وبمشاركة إتسعت لكافة فئات المجتمع بمستوياته القياديةِ والقاعديةِ، للنظر والدراسةِ والتداول في القضايا الكلية التي حال الإختلاف فيها وتباين المواقف حولها إلى تأخير تطورِ بلادنا نحو المكانة التي تتناسب وإمكانياتها إقليمياً ودولياً. وتابعتُ أيضاً حركةَ وفود الحوار المجتمعي وهي تجوبُ الولايات التي آزرتها بحوار مجتمعي ولائي يستكمل جهودَها في المستويات القاعدية. واستتبع ذلك جولاتٌ خارجية واسعة للالتقاء بالسودانيين في المهجر. وشُكلت لجانُ الحوار المجتمعي لتستوعبَ مختلف قطاعات السودانيين بتباين مواقفهم السياسية وانتماءاتِهم الحزبية في العديدِ من دولِ العالم. وقد أضفت هذه الجولاتُ بُعداً مكمِلاً للبعد الشعبي الذي توفر داخلياً للحوار المجتمعي. وتلك تجربةٌ فريدةٌ لم يشهدها تطورنا التاريخي في بناء الدولة وتأسيسِ مجتمع الرشد والنماء من قبل، وهي كذلك تجربةٌ سودانيةٌ خالصةٌ تستحقُ منا جميعاً الإشادةَ والتقديرْ. حيث برز لنا من خلالها جلياً الحرصُ الذي إتصفت به اللجانُ القومية للحوار المجتمعي، ووفودُها للولايات، وللسودانيين خارج البلاد، على إبراز الدور الرائد للمجتمع المدني بكافة شرائحه في طرح الحلول للمشكلات الاجتماعيةِ والاقتصاديةِ والسياسية، وتطوير قيم الشورى والديمقراطية داخل المجتمع. لقد نجحت كل هذه الجهود في إدماج فئاتِ المجتمع في هذا الحوار من عمالٍ وزراعٍ ورعاةٍ وشبابٍ وطلابٍ ونساءٍ وطرق صوفيةٍ ورموزٍ وطنية ومبدعين وأهل الرياضةِ والفنونِ والإعلام وأساتذة الجامعات وباحثين ومعلمين ومنظمات مجتمع مدني وتنظيمات فئوية ودعاة ورجال دين. كل ذلك التداول تم بروحٍ اتسمتْ بالصدق وبالرغبة الوثابة للتوافق على قضايا حسبها البعضُ مواطنَ خلافٍ واختلاف. الإخوةُ والأخواتُ أعضاءُ الحوار المجتمعي : إنَّ الاحتفاءَ بنتائج الحوار المجتمعي وسعة المشاركة التي حققها، وما خلص إليه من وثيقة اتصفت بشموليةِ توصياتِها الموضوعية والشفّافة، لهو أمرٌ مشرّف، بحكم أنَّ هذا الحوارَ شكلَ فرصةً تاريخيةً وتمريناً شورياً وديمقراطياً حقيقياً لتقوية الشراكة بين المجتمع والدولة، وتمكين المجتمع ليتقدمَ على الدولة. لقد جاءت مخرجاتُ هذا الحوار المتمثلةُ في وثيقة الحوار المجتمعي نتاجاً لتدوالٍ حرٍ جرى بحريةٍ تامة، وشفافية غير منقوصة، وبمصداقية عالية، ورغبة أكيدة بل عارمة في ايجادِ الحلول التوافقية المطلوبة من كافة أطراف المكونات الاجتماعية، وذلك وفق التخصصيةِ والخبرةِ والدراية التي إتسمت بها قدراتُ ومؤهلاتُ وإمكانياتُ الفئاتِ الشعبية التي شاركتْ في هذا الحوار. ونكاد نجزمُ بأنها استوفتِ المنهجيةُ التي انتظرناها، وسعة المشاركة التي قدرناها، لتخرجَ بمعالجات علمية وموضوعية. لقد أكدتْ وثيقة الحوار المجتمعي التي تسلمناها في هذا الاجتماع نجاحَ مشروع (الوثبة) حيثُ تتكامل توصياتُها مع التوصيات التي تحققت في مسارات (الوثبة) الأخرى، الأمر الذي يجعل من (وثيقة الحوار المجتمعي) محل ترحيب يعضدُه إلتزامٌ نُعلنه أمامكم بمتابعة تنفيذ توصياتكم ضمن (الوثيقة الوطنية) المرتقبة، والتي تمثل حصيلة توصيات الحوار الوطني بشقيه السياسي والمجتمعي، فضلاً عن مخرجات إصلاح أجهزة الدولة. وتشكل الوثيقةُ الوطنية الركيزة الأساسية التي سنبنى عليها مستقبل البلاد بإقامة الدستور الدائم وتحقيق الاستقرار السياسي والنهضة الشاملة. الأخوةُ والأخواتُ الحضورُ الكريم ستشهد بلادنا في الأيام المقبلة ختام جلسات إنعقاد المؤتمر العام للحوار الوطني والذي ينظر في توصيات الحوار السياسي والمجتمعي الذين يشكلان معاً وثيقة وطنية تاريخية. ومن هذا المنبر أدعو كافة أفراد المجتمع وقطاعاته إلى إزكاء روح الوحدة الوطنية والتعايش السلمي والعمل الجاد على إشاعة ثقافة الحوار والتوافق الوطني. كما أدعو مجدداً القوى السياسية والحركات المسلحة التي لم تشارك في الحوار الوطني لتحكيم صوت العقل والانضمام لمسيرة الحوار الوطني وترك الحرب والصراعات التي أقعدت بلادنا عن ركب التطور والإزدهار ، فالسودان اليوم يقف على أعتاب مرحلة جديدة عنوانها الوئام والمحبة والسلام والتصالح الوطني. وفي الختام نجدد الشكر والتقدير وجزيل العرفان لما بذلتموه من جهود متعاظمة ومقدرة تضع البلاد بمشيئة الله في الطريق الصحيح وتقوم مسارها نحو آفاق تنموية أرحب وسنولي وثيقة الحوار المجتمعي الإهتمام الذي تستحقه . وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته