سونا ثلاث مائة وأربعة عشر رجلاً أقدامهم حافية وثيابهم مرقعة بالية، وأحشاؤهم ظامئة خاوية، ولكن قلوبهم نقية زاكية، وهممهم شريفة سامية عالية، الصحاب الكرام عليهم من الله الرضوان والسلام ، قاد رسول الله جحافل الإيمان، رجال الوغَي أتم الله عليهم المحبة والرضا ليسجلوا للتاريخ الاسلامى ملحة تاريخية خالدة الا وهى ملحة غزوة بدر الكبرى. فى ثنايا هذا الشهر المبارك وفى اليوم السابع عشر من رمضان كانت هذه الملحمة التى تعد من اعظم الملاحم الإسلامية ويوم من أيامه الجليلة العظيمة ، يوم الفرقان يوم التقى الجمعان وهو يوم محفور في ذاكرة التاريخ الإسلامي ، فهو يوم الفرقان لان الله سبحانه وتعالى فرق فيه الحق سبحانه وتعالى بين الحق والباطل فئة قليلة من المسلمين بتوفيق من الله ومدد من عنده استطاعت أن تلحق الهزيمة بقوة تفوقها ثلاثة أضعاف .إنها قوة الايمان بالله التي لا تزعزعها أي قوة أخرى مهما عظمت وتلاقت الصفوف واحتدم القتال وجهاً لوجه وما هي إلا ساعات وارتفعت راية الاسلام مدوية..إنها المواجهة الأولى ولنا أن نتصور كيف يكون الحال لو انهزم الاسلام والايمان في تلك المواجهة التاريخية .إنها إرادة الله أن ينصر دينه ويعلي كلمته ليأتي النصر من غير موعد محدد سلفاً (ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد). وشاءت إرادة الله أن يجمع أساطيل المشركين مع الفئة المؤمنة الصابرة . ليجرجر المشركون أذيال الهزيمة الأبدية على يد فئة قليلة كل سلاحها الايمان بالله ورسوله ورسالته المجيدة. وبذا نتوقف لحظات من خلال هذا التقرير نستنشق عبير هذا اليوم المبارك حتى نتلمس العبر والعظات لهذه الملحمة و التي نحن أحوج ما نكون إليها في عالم اليوم للانتصار على اعداء الامة الاسلامية والذين يتربصون بها الدوائر بين كل فينة وأخرى ، ومن أولى الدروس التي نستشفها من غزوة بدر هي الثبات المطلق على الايمان والثقة الكاملة في أن الله ناصر دينه ولو كره الكافرون، ومنها ايضا عدم الرهبة من قوة العدو مهما عظمت لأن المؤمن بين خيارين إما النصر أو الشهادة ( إن تكونوا تألمون فانهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون). اننا في عالم اليوم أحوج ما نكون إلى وحدة قوية للمسلمين فى كل بقاع العالم مثل تلك التي تجلت في غزوة بدر وحدة سياجها الايمان بالله وبرسوله حتى ننطلق إلى الامام غير عابئين بالتحديات والمخاطر التي تواجهنا. ومن خلال هذه الوقفة الايمانية مع ذكرى ملحمة بدر يعمق يقيننا بأن الإسلام كلمة الله الباقية ورسالته الخالدة باقية ما بقي الزمان وتعاقب المكان يرفع شعارها ويقدس منارها بعز عزيز وذل ذليل، هذا الإسلام الذي كتب الله العزة لمن والاه، وكتب الذلة والصغار على من عاداه، كلمة باقية ورسالة خالدة زاكية. من عظات هذا اليوم المشهود ،أن الصبر مفتاح الفرج فما ضاقت الأمور على من صبر، الصبر مفتاح الخير وصبر المؤمن يجازيه الله بالنصر المؤزر، كما ان مع العسر يسرًا، وأن عاقبة الصبر خير واصبر وما صبرك إلا بالله [النحل:127]. صبر حبيب الله ورسول الله فأقر الله عينه ونصر الله حزبه بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا [آل عمران:125]. و بالصبر يتوسع ضيق الدنيا، وبالصبر تتبدد همومها وغمومها وأحزانها، يطيب العيش وترتاح النفوس وتطمئن القلوب، وصدق عمر وأرضاه إذ قال: (وجدنا ألذ عيشنا بالصبر). وقفنا أمام غزوة بدر فوجدنا أن التقوى سبيل النصر للمؤمنين وطريق الفلاح للمفلحين بلى إن تصبروا وتتقوا [آل عمران:125]. بالصبر والتقوى تنزلت ملائكة الرحمن؛ نصرة لجند الإيمان، فمن صبر واتقى جعل له ربه من كل همّ فرجًا ومن كل ضيق مخرجًا. صبرًا يا أهل الإسلام في زمان عظمت كربه، واشتدت بلاياه ومحنه، ،ولا يعلم مقدار ما يكابدون إلا الله المطلع على الخفيات، عالم السر والنجوى، فاطر الأرض والسموات. و لئن ضاقت الأرض عليكم فلم تضيق بالصبر والتقوى، إن وراء الليل فجرًا، إن تحت الرماد نارًا، صبر جميل لعل الله أن يأتي بالفرج الجليل. والتآلف والتعاطف والتكاتف والتناصر والتآزر سبيل إلى نصر المؤمنين، طريق لعزة الأخيار والصالحين، فإن وجدت أهل الإسلام متعاطفين متراحمين فاعلم أن النصر حليفهم، وإن وجدتهم متقاطعين متباعدين متناحرين، إن مزقتهم الجماعات والحزبيات والرايات والشعارات فادمع على الإسلام بين أهله. وسلام من الله علي النبى وصحبه الكرام (رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ) منهم من قضى نحبو ومنهم من ينتظر ومابدلوا تبديلا. تقبل الله منا الصيام والقيام وصالح الاعمال وعز المسلمون بالاسلام فى كل مشارق الارض ومغاربه.