الخليج الاماراتية يبدو أن عمرو موسى الأمين العام لجامعة الدول العربية ومعه حق قد أصابه نوع من اليأس وليس كل اليأس من الغرب سواء الأوروبي أو الأمريكي، فاتجه شرقا ليشرح القضايا العربية طالبا التدخل والعمل المؤثر لدعمها في مواجهة الاستعمار الصهيوني “الاسرائيلي" المتوحش المدعوم من الحركة الصهيونية العالمية وعدد من الدول الغربية على رأسها الولاياتالمتحدة الخاضعة للتأثيرات السرطانية لهذه الحركة. وهكذا سافر عمرو موسى الى موسكو في زيارة مكثفة عاجلة لمدة ثلاثة أيام فقط تخللتها لقاءات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والوزراء والمسؤولين الروس، وأيضا اللقاء مع السفراء العرب المعتمدين في العاصمة الروسية ليطلعهم على نتائج محادثاته. وفي نفس اليوم الاثنين أوفد موسى واحدا من مساعديه هو السفير هشام يوسف الى بيروت ليجري لقاءات مع الأطراف المعنية في الأزمة اللبنانية وتقصي الحقائق على الطبيعة تمهيدا لجولة يقوم بها الأمين العام الى لبنان مواصلة لجهوده في احتواء الأزمة وتهدئتها، وليعود لبنان موحدا كما كان ممارسا حياته الطبيعية ودوره العربي الذي لا غنى عنه. ولقد أحسن موسى بالتقرب شرقا، واذا قيل ان الشرق لم يكن مهملا في الاتصالات العربية الدولية، فان هذا صحيح.. لكن الصحيح أيضا أن التعامل مع الشرق لم يكن على مستوى قوته ومكانته، فقد كان هذا التعامل من الناحية العربية ضعيفا، الى حد أن ساد رأي في دوله بأن العرب قد أعطوا كل اهتمامهم للغرب وبالذات للولايات المتحدةالأمريكية وأهملوا ما عداها. ولابد من الاعتراف بأن هذا أمر صحيح، وأنه يتحتم لمصلحة العرب أن يكون الشرق حاضرا وبقوة، مجسدا فاعلا مؤثرا في الساحة الدولية التي لا توجد فيها من قضايا ساخنة سوى القضايا العربية وقضايا الشرق الأوسط بصفة عامة ومنها قضايا فلسطين، العراق، لبنان، ايران، سوريا، السودان، الصومال وهذا على سبيل المثال. وعندما نقول الشرق فإننا نعني روسيا التي استعادت قوتها وهيبتها بعد انهيار الاتحاد السوفييتي في بداية التسعينات من القرن العشرين.. وفي الشرق أيضا نعني الصين التي يتوقع المراقبون أن تكون خلال سنوات قليلة، الدولة الأكبر لقوتها العسكرية وقوتها الاقتصادية وشبكة علاقاتها الواسعة مع معظم دول العالم. ونعني أيضا الهند النووية ومثلها باكستان، بل ودول آسيا الوسطى وبحر قزوين وغيرها وغيرها، وهي دول ترتبط مع العرب بعلاقات تاريخية ودينية وثقافية ونضالية، تعتز بها شعوبها وتسعى اليها، لكننا للأسف لا نسعى اليها بالقدر الكافي. لهذا فاننا نوجه التحية الى عمرو موسى، ونرجو ونأمل أن تكون هذه الزيارة بداية لعمل جدي شامل مع دول الشرق في اطار استراتيجية عربية تتبناها كل الدول العربية وليس فقط الأمانة العامة، فإن هذا مطلب ضروري ينبغي الحرص عليه دون اهمال العلاقات مع الغرب الأوروبي والأمريكي، فلابد أن يتشعب التوجه العربي الى مختلف الاتجاهات بما في ذلك أمريكا اللاتينية وافريقيا، وأن يكون هذا التوجه مصحوبا بتحرك اقتصادي وثقافي واعلامي. ان العمل العربي يمر الآن بمحنة شديدة، ولا يمكن عمليا للعرب وحدهم أن يحققوا النصر فيه، فالمهم أن يتحرك العرب ويتقدموا ولكن باحتشاد دولي يدعمهم ويساندهم.. ومن دون هذه فان المحنة العربية الحالية لن تتحول فقط الى مأساة وانما ستجهز على أي مستقبل عربي.. وأكثر من هذا ستؤدي الى تفتيت الدول العربية ونهش شعوبها والقضاء على هذه الأمة مبنى ومعنى. وعلى سبيل المثال، فها هو المسجد الأقصى يتعرض الآن لمحاولات هدم تحت بصر وسمع الجميع، والمأساة أن الدول العربية قد اكتفت بالادانة والشجب، والخوف الذي يرعبنا أن تستمر الادانة ويستمر الشجب حتى نجد المسجد العتيق قد انهار وصار حطاما ليدفن تحت أنقاضه الحضارة العربية والمستقبل العربي كله. وفي الحقيقة فاننا لا نعرف اذا لم يكن هدم الأقصى حافزا لتحريك واثارة اهتمام لجنة الأقصى المنبثقة عن القمة العربية، فما الذي إذاً يمكن أن يحركها؟ بل اذا لم يكن هذا المسجد أولى القبلتين بمكانته المقدسة وتاريخه سببا في الدعوة الى قمة عربية عاجلة، فماذا إذاً يكون السبب المناسب؟ بل اذا لم يكن هذا الجرم سببا في بيان شديد اللهجة ينذر “اسرائيل" باتخاذ موقف حاسم منها، ويطالب دول العالم بالتحرك وأنه على أساس تحركها ستمتد علاقات العرب بها، فما هو السبب الأقوى من ذلك؟ ان الأمين العام اذا كان قد تحرك شرقا، فهذا أمر محمود، ونتوقع استثمار التوجه شرقا لدعوة العالم الى بحث العدوان على الأقصى في مجلس الأمن اليوم وليس غدا!