د.أبو القاسم قور نقلا عن جريدة الراي العام السودانية الوثيقة التى أمامى . . وثيقة مهمة ، وجوهرية ، وأساسية وحيوية فى اطار العلاقة بين اتفاقية السلام الشامل ال(CPA) والبعثة المتقدمة للامم المتحدة ال (UNAMIS) انه من الواجب اليوم تذكير المجتمع الدولى بوعوده للسودان. ثم ايجاد المداخل المنطقية والموضوعية لمعرفة هذه العلاقات وتطويرها بما ينفع السودان والعالم . فالسودان ليس ضد العالم ، ولا مهدداً للعالم بل هو جزء من العالم يحتاج لعونه ودعمه وحمايته من مهددات التاريخ وسوالف الزمان.اتفاقية السلام الشامل هى عقد بين السودان والمجتمع الدولى مشهود ، حشر له الناس ضحى بكينيا، ثم التزمت الأممالمتحده بدعم اتفاقية السلام الشامل بمساعدة المجتمع الدولى ، وليس تقويض السلام الشامل وتضليل المجتمع الدولى .نورد كل ذلك برؤى تحليلية محايدة ، الأصل فيها العلم ، والحقائق ، والوثائق ثم نقول للسيد برونك مع امنيات لك التوفيق فى بلد آخر وليس فى السودان نذكره بالمثل السودانى الاصيل ( الراجل بمسكو من لسانو ) أما لسانك فكان مثل الزئبق. وهى كلها أمثال وحكم من قريحة العقل السودانى الأصيل وحواشى الثقافة السودانية المحلية الراكزة تاريخياً من سلطنة دارفور ، وملوك المساليت الى مكوك الجعليين وسلاطين الجنوب مرورا بمملكات البقيرمى والداجو والبيرقد. ثقافة السودان المحلية (Native Culture) التى تمتد لثلاثة آلاف سنة .أصغر هرم بشمال مدينة شندى فى شمال السودان يبلغ من العمر ثلاثمائة ضعف عمر الاممالمتحدة. إن معبد الشمس ، واهرامات البجراوية والمصورات ، وحفريات مروى تحدثنا عن هذا التاريخ العريق للسودان منذ سحيق التاريخ والاساطير ، قبل أن يحاصر ايخيل مدينة طروادة فى القرن الثالث قبل الميلاد ( حسب رائعة هومرس الالياذة)، حينها بالطبع لم يكتشف كولمبس الدنيا الجديدة. ونحن نعلم علم اليقين ان عهد السيد برونك كان عهداً مشكلاً ومحزناً ومحبطاً للمختصين والاكاديميين ، والباحثين لأنه عهد ديماجوجى، فالرجل الذى جاء على رأس جهاز مهامه الاولى هو التطبيع بين الاممالمتحدة والسودان . . . البلد الذى صار فى حالة تحفز وانتفاش عصبى بذنب حرب امتدت نحو ربع قرن ،انقلب على دوره ، وتمرد على عمله فذهب بعيدا كل البعد ، وتطرف تطرفا هو الاول من نوعه فصار عدوا للسلام فى السودان ، لم تكن تلك رؤية الحكومة فقط لكن رؤية أعداء الحكومة ومعارضيها، لم يكن هناك أى هامش لمقاربة الثقافة السودانية المحلية فى شمال السودان ،أو غربه أو جنوبه أو شرقه لدى ال (UNAMIS)، لذلك سقطت فترة يان برونك غير مأسوف عليها محلياً وعالمياً، أما البعثة المتقدمة للامم المتحدة فى السودان بها من العلماء والحكماء الذين بمقدورهم ادارة شأنهم دون خلل ، واستدراك الاخطاء السابقة ، والتجارب السابقة ودون أن تحيد من خارطة الطريق. لقد ظن برونك نفسه رئيساً مستتراً للسودان؟. أقول إن الوثيقة التى بين يدى بعنوان (عمليات دعم السلام بالسودان) Peace Support Operations in Sudan ، هذه الوثيقة عبارة عن عرض (بور بوينت) Power point وتقع فى نحو احدى وخمسين شريحة تستعرض هيكل ، وأهداف ، وطبيعة عمل ال (UNAMIS) فى السودان. تم تقديم الوثيقة وعرضها لأول مرة بفندق ( ويندسور بكينيا) بتاريخ 27 سبتمبر 2004 م. أى ابان اللحظات الأخيرة لتوقيع الاتفاقية. الوثيقة بها توصيف لاهم التدابير الأدائية التى أعلنت بعثة الأممالمتحدة أنها سوف تقوم بها دعما لاتفاقية السلام الشاملCPA . فتفكيك هذه الوثيقة ، وقراءة بنيتها وبالمقارنة بالنتائج تكشف بذهول الى أى مدى استطاعت بعثة الاممالمتحدة الذهاب بعيدا عن مشروعها، وتحولها فى عهد برونك من كيان داعم للسلام الى جهاز اعلامى تحريضى مما أثر على رؤية الاممالمتحدة للسودان. بل ما ذهبت اليه فعلا هو ما يمكن وصفه بتقويض اتفاقية السلام الشامل. لقد خدعت البعثة فى عهد يان برونك المجتمع الدولى . أولا : مكونات الوثيقة جاءت بعنوان ( مهام البعثة ) Operational Task فى الشريحة الأولى جاءت توصيف العرض كما يلى : مكاتب جيدة، متابعة (Monitoring) ، بناء قدرات ، التنسيق بين برامج الاممالمتحدة ، مساعدات فنية ، علاقات عامة. هذه هى مهمة الجهاز العملى لدعم السلام الذى يعرف الآن بال (UNAMIS) قد تبدو للوهلة الاولى ان هكذا مهام هى سهلة وبسيطة ، وقابلة للتطبيق لكن الحقيقة القاطعة هى ان تلك المهمة قد صارت صعبة جدا بل انحرفت الى اتجاه آخر ، بل ربما ضلت البعثة خارطة الطريق الذى رسمته لنفسها .. كيف ؟ . لم تكن هناك أية عمليات تجريبية ، ولا استشارية ، ولا مراجعات، لاحظ فى الشريحة الثانية للوثيقة هناك توصيف للهيكل الادارى ، والكادر البشرى الذى من شأنه القيام بهذه المهام : رئيس البعثة ، وكيل ونائب رئيس البعثة ، نائب رئيس البعثة ،جهاز ادارى ( موظفين) ، وحدات العمليات ، وحدة مساعدة العمليات. من عيب هذا الهيكل أصبحت كل السلطة مكرسة فى يد رئيس البعثة وهو يان برونك سابقا . فان كانت البعثة ستأتى برئيس آخر عليها تذويب هذه السلطة المطلقة للرئيس . فمن المعروف ان الدكتاتورية ليست نمطاً سياسياً قاصراً على الدول فقط بل قد تتجلى الدكتاتوريات بشكل ما فى أبسط النظم الادارية. ان الوثيقة التى بين يدينا تشير بشدة الى أى مدى تحول جهاز ( البعثة المتقدمة للامم المتحدة ) من جهاز عمليات شفاف داعم الى جهاز ديكتاتورى بذنب التركيبة الادارية . فأصبح الرئيس السابق للبعثة هو الناطق باسمها ، والمنافح عنها ، والناقد سياسيا ، والناطق عسكريا.حتى لقبه أحد ظرفاء المدينة باسم دجانقو .ان اتفاقية السلام الشامل ، و البعثة المتقدمة للامم المتحدة(UNAMIS) هما جهازان متلازمان ، يعملان بتنسيق ، لكن التركيبة الهيكلية لل(UNAMIS) أبعدت تلك المهمة أصلا، فصارت كل واحدة فى فى مكان. ذلك بالطبع خطأ كبير ، خطأ متجذر ، فان لم تكتشف ال (UNAMIS) منهجا جديدا لمعالجة هذا الخطأ سيصبح من العسير لمراقب مثلى الزعم انها ( Peace Support Operation in Sudan ) . نحن السودانيين أحوج ما نكون لهذه المهمة ، ولا يمكن أن تكون تلك المهمة الا بايجاد صيغ التعاون والمشاركة. لاحظ (فى تصورى ) ان أكبر الحواجز بين وحدتى (اتفاقية السلام الشامل) و( وحدة دعم السلام فى السودان ) هى اللغة . فالطرف الثانى فى اتفاقية السلام الشامل ، وهو حكومة السودان / شمالا تستعمل اللغة العربية بينما اللغة السائدة لوثائق ال (UNAMIS) هى اللغة الانجليزية. كل المنظمات القاعدية ، وبعض منظمات المجتمع المدنى وجدت نفسها فى غربة مع البعثة، هذا الاحساس بالغربة ولد ما يمكن أن نسميه عنصر الغرابة ، فاصبحت البعثة أشبه بطلسم ، ومكاناً للأجانب ، وفقدت الحيوية والحميمية مع القطاعات الفاعلة فى مجال السلام. وهى غالبيتها قطاعات مدنية. ليست هناك أية فكرة ساذجة تطالب البعثة بالتخلى من نظام الاممالمتحدة ، واجراءاتها ، لكن فى الغالب الاعم تحتاج الاطراف الى لغة مشتركة كى تقوم بتنفيذ مهامها. الوثيقة تقول ان هذا التصميم هو التصميم النمطى ، أى هو المتعارف عليه فى مثل هذا الشأن لكنها لم تورد أى نموذج . تشير الشريحة الثالثة فى وثيقة البعثة المتقدمة للامم المتحدة الى ثلاث نقاط تعبر الأصل ، والمرتكز لأداء البعثة ، هذه النقاط هى ، الامن والسلامة ا(Security & safety) ، والانجاز(Effectiveness) ، والفاعلية (Efficiency) ان أية مراجعة للهيكل المتفق عليه فى الوثيقة نكتشف انه يعمل على فرملة كل هذه المهام ، الانجاز ، والفاعلية ، لكن ظل التكريس على الامن والسلامة. بالطبع هذا الاخير أمر مهم ليس للبعثة وحدها بل للسودان ، الذى من واجبه حماية هذه البعثة المستضافة فى أرضه. لا يمكن أن تكون الفاعلية والانجاز مرتبطين بنظام بيروقراطى يكرس لسلطة رئيس بعثة ، لدرجة ان صار يان برونك رئيسا مستترا للسودان. طوب الارض فى السودان يرفض مثل هذا التسلط على الوطن.