أكثر من عصفور ضربته الخرطوم بحجر واحد ، وقد استضافت في بحر الأسبوع المنصرم مؤتمر رؤساء القضاء والمحاكم الأفريقية في نسخته الأولى، فاحتشاد قادة المؤسسات العدلية الأفارقة في الخرطوم، كان بمثابة سانحة استثمرها القائمون على أمر المؤتمر ليعكسوا للأفارقة ان السودان بلد يرفل في ثياب الأمن والاستقرار ، في كثير من مناطقه ، فيما تتطلع المناطق التي تشهد حروبا ونزاعات كدارفور والنيل الأزرق وجنوب كرفان إلى التعافي والخروج من نفق أزماتها في ظل إيجابية المتغيرات الإقليمية والدولية والتي انعكست على السودان، وقد بدأ يتحرك بخطى واثقة لاستعادة دوره كقطر رائد في القارة الأفريقية وحريص على معالجة همومها وقضاياها ، وليس من قضية تواجه القارة الأفريقية أخطر من مقاصل المحكمة الجنائية الدولية التي تستهدف القادة الأفارقة وتمثل مخلباً سياسياً للكثير من الدوائر الغربية . الخرطوم أرادت باستضافة هذه التظاهرة العدلية أن تبعث رسالة قوية للمحكمة الجنائية الدولية بقدرتها على حشد قادة العدل الأفارقة للتباحث بشأن خلق آلية لمحاربة الجرائم المنظمة والعابرة للحدود، والخروج برؤية منطقية حول أهمية الدور الذي يمكن أن يضطلع به القانون في الدول الأفريقية والتحديات التي تواجه القضاء الأفريقي ، مع الأخذ في الاعتبار التقاليد الأفريقية وضرورة وضعها في إطار احترام القانون والأعراف القضائية السائدة ، لمواجهة هذه التحديات وخلق آلية للتنسيق في المحافل القضائية على المستوى الدولي. قطعاً رؤساء القضاء وقادة المحاكم الأفريقية وقفوا عن قرب على تجربة العدالة في السودان, ومدى تمتع القضاء باستقلاليته ، خاصة وأن القضاء السوداني يتمتع بمكانة عريقة هي موضع القلب في جسد القارة الأفريقية باعتباره قضاءً رائدا متسلحا بالكفاءات العلمية والأكاديمية، بجانب تزوده بخبرات طويلة عركت المحاكم ودور العدالة، وأرست قواعد العدل والقانون في المحيط العربي والأفريقي. المؤتمر الأول لرؤساء القضاء والمحاكم الأفريقية والذي شهد حضورا نوعيا متعاظما، هدف إلى إيجاد تحالف قضائي يحتكم به الأفارقة عند المنازعات وإعمال التنسيق فيما بينهم في المحافل الدولية وإيجاد السبل الكفيلة لفض النزاعات، والجرائم بمختلف أنواعها، بالتركيز على الجرائم العابرة للحدود والتي أصبحت هما يؤرق مضجع دول العالم أجمع ، كالهجرة غير الشرعية وجرائم الاتجار بالبشر إضافة الى جرائم غسل الأموال والإرهاب . المؤتمر استطاع ومن خلال المناقشات والأطروحات المختلفة إضافة الى الندوات المصاحبة، استطاع أن يطرح بعض الحلول التي من شأنها أن تعمل على تعضيد مساعي الدول الأفريقية لإيجاد آلية مناسبة تكافح هذه الجرائم من خلال تنسيق الجهود والمواقف والتعاون المنطلق من قناعة راسخة لهذه الدول بضرورة محاصرة الجرائم المنظمة التي أصبحت تتجاوز الحدود القطرية، على شاكلة جرائم الاتجار بالبشر التي تنطلق من أفريقيا, فتكون تأثيراتها في دول أوربا وكندا وأمريكا. لقد كان المؤتمر سانحة تبادل خلالها رؤساء القضاء والمحاكم الأفريقية الخبرات وأعملوا نقاشات كثيفة في العديد من القضايا والنظريات، لا يهم اتفقت أو اختلفت وجهات النظر، ولكن المهم أن تكون المحصلة النهائية أن التقاء قادة المؤسسات العدلية في أفريقيا، خطوة مهمة سيكون لها انعكاس إيجابي على مستقبل التعاون القضائي بين منظومة الدول الأفريقية، التي برزت داخلها اتجاهات جادة لتكون أفريقيا وحدة عدلية متكاملة، ولا سيما بعد الشعور المتنامي لدى القادة الأفارقة، أنهم مستهدفون من قبل المحكمة الجنائية الدولية، وقد تعاطت معهم بازدواجية واضحة في المعايير في عدة محافل، كانت فيها المواقف السياسية، تستبق الحيثيات القانونية .