مهدي إبراهيم في حوار مع 'الخبر' الجزائرية : 'يريدون حلا لمشكلة دارفور يرضي الأطماع الغربية' عندما يريدون إصدار قرار أممي يحرّكون منظمات الإغاثة اكتشاف البترول واليورانيوم في الإقليم أجّج الصراع مشكلة 'دارفور' ليست جديدة فهل إن أهم أسبابها هي التهميش الاقتصادي والإقصاء الاجتماعي الذي عانى منه سكان الإقليم؟ في سنة 1964 أطلت مشكلات: دارفور وجبال النوبة ومشكلة النيل الأزرق، ولكنها لم تعط أهمية كبيرة، نظرا لأن الهم الوطني كان منصبا على مشكلة الجنوب التي كانت هي المشكلة الأساسية والأخطر ومن الشعارات والمطالب التي رفعت آنذاك في دارفور هي انعدام التنمية في المنطقة وعلى كل حال، فإن مشكلة هذا الإقليم تأتي في السياق المرتبط بمشكلة الجنوب التي استنزفت كل القدرات، وتسببت في أزمة اقتصادية في كل أنحاء البلاد؛ فالثروات كامنة في الباطن ولكن الإمكانيات اللازمة لاستخراجها والاستفادة منها منعدمة فكل البلاد كانت تعاني من نقص الموارد والحاجات الضرورية، دون استثناء الغرب عن الشرق أو الشمال عن الجنوب بعد التوصل إلى اتفاق بين الحكومة والحركة الجنوبية، لم يكن النظام الاتحادي خاصا بالجنوب فقط بل كان شاملا لكل البلاد؛ ففي سنة 1992 قسمت البلاد إلى 25 ولاية، في كل ولاية مجلس نيابي وحكومة محلية برئيسها ووزرائها وكان الظن بأن هذا النظام الفيدرالي سيطفئ كل النزاعات والصراعات العرقية هل يعود أصل المشكل إلى الاختلاف العرقي بين سكان الإقليم، عربا وأفارقة؟ هم كلهم أفارقة ومسلمون ينتمون إلى قبائل مختلفة القبائل الأصلية لم تكن عربية وعندما جاء العرب اندمجوا مع هذه القبائل بالتزاوج والتصاهر لكن الحركة الجنوبية لعبت دورا كبيرا في تغذية النعرة العرقية في دارفور، وقامت بدعم المتمردين من القبائل غير العربية ب 5000 مقاتل جنوبي مثلما كان الحال في الهجوم الذي شنّوه سنة 1992 على نطاق واسع في الإقليم، والذي كان تطورا بارزا في الصراع؛ حيث قاموا بالاعتداء على عدد كبير من مؤسسات الدولة في كبرى مدن دارفور وأحرقوا الطائرات في المطار، ودمّروا حوالي 84 مركزا للشرطة وقتلوا قواتها وأخذوا الأسلحة فالصراع القائم أساسه عرقي مرده مقولة أن العرب يسيطرون على كل شيء، السلطة والثروة، والأفارقة لا يملكون شيئا وبعد التوصل إلى اتفاق حل مشكلة الجنوب بتقسيم للسلطة وللثروة وبالمشاركة في المركز وبالإدارة الذاتية في الجنوب، اتجه بعض الشباب المتطلعين في دارفور إلى القول: لماذا لا تعطى دارفور أيضا ما سيعطى الجنوب؟ وتداخلت هذه المطالب مع المشاكل الداخلية التي يعاني منها الإقليم جراء الصراع بين السكان المشكّلين من الرعاة والمزارعين حول الكلأ والماء موازاة مع الخلافات التقليدية بين القبائل حول الزعامة والثروة وقد أخذت هذه الصراعات أبعادا أكثر عنفا بعد دخول الأسلحة إلى الإقليم إثر الحرب الليبية التشادية حول شريط 'أوزو'، وبعد دعم تشاد للمتمردين الذين هم في أغلبهم امتداد للقبيلة الحاكمة في دولة تشاد يتداول بأن السكان فروا خارج الإقليم بسبب الاعتداءات التي يتعرضون لها من قبل ميليشيات 'الجانجاويد'؟ إثر الهجوم العنيف الذي شنه المتمردون، طلبت الدولة من أهل دارفور مثلما طلبت من كل المواطنين في كل أرجاء السودان أن يهبوا لمساعدة أجهزة الأمن وقوات الجيش في مجابهة المتمردين، بعد أن يتم تدريبهم وتسليحهم والمشكلة التي ظهرت هي أن القبائل المشاركة في التمرد رفضت إرسال أبنائها في هذه المهمة الوطنية، بينما أرسلت القبائل الأخرى العربية أبناءها، وبعد أن تم تدريبهم بدأوا يتحركون تحت إمرة القوات المسلحة السودانية فاستغل المتمردون هذا وقالوا إن ما يقوم به هؤلاء هو الهجوم العربي ضد الأفارقة عن طريق مليشيات 'الجانجاويد' وأصل هذه الكلمة يعني ذلك الشخص الخارج عن القانون، الذي يحمل بندقية ويحتمي بالجبل ويأكل الطعام الذي يسلبه بالقوة وهي صفة يريدون بها تشويه سمعة العربي والنيل منه تتهم المنظمات والهيئات الدولية لحقوق الإنسان هذه الميليشيات بارتكاب تجاوزات كثيرة، وتذهب إلى حد الحديث عن تورطها في حرب إبادة ضد سكان الإقليم فكيف ترون هذا؟ هذه المنظمات الدولية للإغاثة وحقوق الإنسان هي أدوات في يد الدول الأجنبية التي أرسلتها، مظهرها إنساني وفي واقع الأمر يتم استعمالها لأغراض أخرى صحيح قد يكون لها هدف إنساني، لكن أهدافها الكبرى التي تسيّرها هي أهداف إستراتيجية لصالح الدولة أو الدول التي تشرف عليها ولذلك عندما يريدون إصدار قرار ضد السودان يجعلون تلك المنظمات تتحرك وتعلن بأن الأوضاع تفاقمت من خلال ازدياد الهجومات وارتفاع عدد القتلى وانتشار المجاعة والأمراض في المعسكرات ورغم ما تسجله هذه المنظمات من تضخيم لعدد القتلى، هل سبق لكم أن رأيتم جثة قتيل في دارفور على شاشات الفضائيات أو في أية صورة على الجرائد؟ أما فيما يخص الهجومات والاعتداءات، فنقول من الذي بدأ الخروج عن الدولة والتمرد عليها؟ من الذي يدمر المؤسسات الأمنية ويحرقها؟ ومن الذي يقتل رجال القوات المسلحة والشرطة ويستحوذ على أسلحتهم؟ من الذي يهاجم المطارات ويحرق الطائرات ويهاجم البنوك ويأخذ الأموال؟ من الذي يقتل المواطنين؟ فأية دولة في العالم تتعرض لمثل تلك الأعمال فإنها سترد عليها بالقوة، باعتبارها محافظة على القانون حامية لمصالح المواطنين لكن هذا الرد تم تحريفه عن مقصده وتشويه صورته، على أساس أن الدولة هي التي أبادت، وأن العنصر العربي هو الذي نفذ هذه الإبادة فهناك تحريف وتضخيم للوقائع بشكل مفضوح القبائل التي تتعرض لهجمات المتمردين، الذين يحرقون قراها ويسلبون حيواناتها، فإنها تقوم بمطاردة هؤلاء المتمردين وتتعقب أثرهم وتحرق قراهم والواقع أن عملية الحرق سهلة، لأن البيوت مصنوعة من القش ألا يمكن للدولة أن تضع حدا لمثل هذه التجاوزات والاعتداءات أو على الأقل تعلن إدانتها؟ الحكومة تقف ضد أي عمل غير قانوني سواء كان مصدره من المتمردين أو من المواطنين العاديين في ردهم على بعضهم البعض ما استطاعت لكن مثل هذه العمليات تحدث في البوادي والأرياف، حيث يصعب على الدولة الوصول إلى هذه المناطق، خاصة أن مراكزها الأمنية قد دمرت وهذا ما جعل القبائل ترد على بعضها البعض ولا تنتظر تدخل الدولة أصلا وفي النهاية، جاءت الدولة وفرضت الأمن عن طريق قواتها، وحيدت الأطراف عن بعضها البعض وأوقفت ما كان يحدث وعلى كل، فإن تسليط الأضواء بشكل كثيف على دارفور منذ سنة 2003 هو لصالح الولاياتالمتحدةالأمريكية، لأنه يخفف الضغط الإعلامي على الوضع المتأزم في العراق كما أن لقضية دارفور أسبابا متعلقة بالدور الذي تقوم به الحركة الصهيونية الإسرائيلية في إفريقيا؛ فمثلا عندما صدر القرار الأممي رقم 1706 الذي يقر تدخل القوات الأممية في دارفور، أصدر المجلس الإسرائيلي بيانا في اليوم الثاني يعلن فيه ابتهاجه، معبرا بأنه الأولى بالاحتفال بهذا القرار فيم تتمثل المجهودات التي قامت بها الحكومة السودانية لتجاوز المشاكل التي يعرفها إقليم 'دارفور'؟ لقد بذلت الحكومة مجهودات كبيرة، قبل الوصول إلى اتفاق 'أبوجا'؛ ففي المجال السياسي بعدما كانت دارفور ولاية واحدة سابقا، أصبحت الآن ثلاث ولايات بثلاث حكومات وثلاث مجالس برلمانية وبفضل الحكم الفيدرالي، صار أبناء دارفور هم الذين يحكمون سكانها وفي المجال التنموي، أصبح في دارفور ثلاث جامعات، وأقيمت فيها مطارات ومحطات تلفزيونية وإذاعية وشبكات الاتصال الحديثة، ومدت فيها الطرق وخطوط الكهرباء والهاتف فمثلا في مجال التعليم ارتفع عدد الثانويات ليصل حاليا إلى أربعة وثمانين ثانوية بعد أن كان أربع ثانويات فقط وأصبح عدد الطلاب في الجامعات الثلاث يزيد على 25 ألف طالب ولكن مع هذا التقدم الكبير الذي أحرزته دارفور، فإن التنمية فيها تبقى متأخرة مثلها مثل كل أنحاء البلاد الأخرى، نتيجة للحرب التي استمرت في الجنوب 50 سنة كاملة والتي فوّتت على البلاد كثيرا من الفرص والآن بعد تصدير بترول السودان إلى العالم، فإن الأمور ستعرف تغيرا جذريا لماذا لم تنجح محاولات الحكومة في إيجاد تسوية لهذه الأزمة؟ الذين كادوا للسودان طيلة خمسين عاما في مشكلة الجنوب، يريدون أن يستمروا في هذه المكيدة حاليا باستغلال مشكلة دارفور ولذلك رفعوها إلى سقف مشكلة الجنوب التي كانت أخطر وأكبر، حيث قتل فيها 2 مليون شخص ونزح من جرائها 4 ملايين شخص، لكنها لم تَدخل مجلس الأمن أما مشكلة دارفور، فإنها في ظرف سنة واحدة دخلت مجلس الأمن وصدرت حولها قرارات دولية ومهما عملت السودان، فإن القوى الغربية الممثلة في الولاياتالمتحدةالأمريكية وبريطانيا لن تتركها تعيش في استقرار أين وصلت المجهودات السياسية التي تقوم بها الحكومة في إطار المساعي الأممية؟ فتحت الحكومة باب الحوار مع كل الحركات الموجودة في دارفور، واحدة بواحدة، وفي كل دولة من الدول التي تحتضنها هذه الحركات كدولة التشاد ودولة اريتريا والدول الأوروبية مثل فرنسا وألمانيا وهولندا، وحتى في الولاياتالمتحدةالأمريكية بعد سنوات من الحوار، قبلنا الحل في إطار الاتحاد الإفريقي، ولكن الدول الغربية لا تريد ذلك وهي تسعى إلى إدماج المنطقة في سياق حل يرضى المصالح الغربية، خاصة بعد اكتشاف البترول في الإقليم والشركات تنقب الآن في أراضيه ومن المتوقع أن يتوفر على مادة استراتيجية هي اليورانيوم وقد كان الإقليم منذ القدم محل صراع بريطاني فرنسي، وهذا ما يبين الأطماع الغربية حول ثرواته الطبيعية في الماضي واستمرارها في الحاضر في سياق مجهودات الحل، اجتمعت كل القوى المتحاورة في 'أبوجا' بنيجيريا سنة 2006 ووصلنا إلى اتفاق، كان اتفاق الجنوب الأرضية الممهدة له، وتناول اتفاق أبوجا المسائل المتنازع عليها مثل الثروة والسلطة والأوضاع الأمنية والظروف الانتقالية وكان الحل الذي وصلنا إليه بحضور وموافقة نائب وزير خارجية الأمريكي ووزير التعاون الدولي البريطاني وممثل الاتحاد الأوروبي وممثل الاتحاد الإفريقي والرئيس النيجيري وممثلين عن دولتي ليبيا وتشاد، وقد قبله كل هؤلاء وطالبوا جميع أطراف النزاع بالتوقيع عليه، بل اعتبروا من يرفضه مخلاّ بشروط السلام وتوعدوا بتسليط عقوبات على المتخلّفين عن التوقيع، مثلما قال نائب وزير الخارجية الأمريكي وفي اللحظة الأخيرة، لم يوقع على الاتفاق سوى حركة واحدة، وتم رفضه من الحركتين الأخريين، وهما حركة العدل والمساواة وحركة تحرير السودان لكن عدم اتخاذ الإجراءات العقابية ضدهما وعدم دفع الالتزامات المالية المترتبة عن الاتفاق، جعل متمردين آخرين يتشجعون بعد شهرين من تاريخ التوقيع على مهاجمة القرى وحتى قوافل الإغاثة التابعة للمنظمات الدولية أصبحت تتعرض لعمليات النهب فالحكومة السودانية لم تخلّ بالتزاماتها، بل إن القوى الدولية هي التي لم تف بتعهداتها