خدمة (smc) المعيار الذي يجب ان تحاكم به الحركة الشعبية هو ما رفعته من شعارات وقدمته من برامج إبان فترة المواجهة المسلحة ومن تلك القضايا التزامها الكامل بمحاربة الفساد وهذا ما عبر عنه النائب الأول ورئيس حكومة الجنوب في حديثه بمدينة إبان احتفالات السلام فقد قال بالحرف الواحد إنه إنما جاء ليحارب الفساد وقد قال ذلك في إطار ما أثير حول حسابات بعض قيادات الحركة في البنوك اليوغندية ولكن حدث ان تلك القيادات قد التزمت الصمت تجاه تلك التصريحات ولم يصدر عنها سوى عزمها على مقاضاة الصحف التي قامت بنشر تلك المعلومات ولم يتنامى إلى أسماعنا من قبل أي أخبار أو معلومات عن مجرى تلك القضايا في المحاكم الشمالية أو الجنوبية. إذن فإنه من حق الجميع ان يتسالوا ما مصير تلك القضية المتعلقة بأمر من الأمور الهامة يمس مصداقية الحركة تجاه شعاراتها وجماهيرها ويمس قيادات نافذة ومؤثرة في الحركة قد وآنتها الفرصة لتبدو بعيدة عن الشبهات ولكنه وللأسف فإن شئ من ذلك لم يحدث وكان رد الفعل فقط هو تكوين لجنة تحقيق كالعادة ولم تفرغ حتى الأن في تقديم تقريرها الى السيد النائب الأول ورئيس الحركة وحكومة الجنوب ومن المفترض ان تكون اللجنة المكونة للتحقيق حول هذه القضية معلومة لدى الجميع وتصدر من حين إلى أخر تقارير حول نشاطها وإجتماعاتها وأخيراً نتائجها ولكن (شئ من ذلك يحدث على الاطلاق وكل ما في الأمر تعقيم إعلامي على المسألة برمتها لحين صرف الأنظار عنها بفعل الزمن). تزامنت تلك القضية مع قضية الستين مليون دولار التي أعلن عنها السيد رئيس الجمهورية من جوبا وأنه قد قام بتسليمها لقيادة الحركة حتى تستعين بها في جلب عناصرها من الخارج حسبما طلب الراحل جون قرنق وهذا قبل البدء في تنفيذ اتفاق نيفاشا وهذا يفتح ملف هام للغاية حول مالية الحركة الشعبية ولعل ذلك ما أثاره النائب الأول الفريق سلفاكير ميارديت في مواجهته الشهيرة مع الراحل قرنق في رمبيك خاصة وأنه قد أثير في تلك الأثناء أن السلطات البريطانية قد عثرت على مبلغ ثلاثة مليون دولار في المطار مع عقيلة الدكتور الراحل. حتى الآن تصبح قضية الستمائة مليون دولار محك مصداقية للحركة الشعبية وقياداتها فإما أن توضح عن الجهات التي تصرفت في تلك الأموال وتقوم بمحاكتها عليناً وإما أن توضح توضح كيف استخدمت تلك الأموال من أجل الهدف الذي صرفت له وليس في المنظور الآن أي حضور كبير لكوادر وقيادات الحركة من الخارج بل أن القيادات التي كانت في الداخل خرجت إلى الخارج وعلى رأسها السيد عبدالعزيز الحلو ونيال دينق .. إذن فإن ذلك المبلغ الكبير الذي كان من الممكن ان يرصف كل شوارع جوبا ويقيم جسراً قد أصبح الآن في خبر كان ولا يعرف كيف تم التصرف فيه ويجوز ان يقال فيه (إذا أردت أن تقتل أمراً مكوّن له لجنة). اللفظ الذي أثير هو السيارات التي أستوردت لحكومة الجنوب قد يعبر عن صراعات داخل الحركة ذلك لنفق المبالغ التي أثيرت حول الستمائة مليون دولار تعتبر أكبر من قضية السيارات فلماذا أثير اللفظ حول الأخيرة أكثر من غيرها إلا إذا كان الهدف التغطية على القضيتين واللتين قد تمسان قيادات داخل الحركة ذات ثقل ووزن قيادي يجعلها في مأمن من المحاسبة وهذا مايقدح ف يمصداقية الحركة وعدم مطابقتها لبرنامجه وفكرها الثوري رفعته واستقطبت به الجماهير والمقاتلين في مواجهتها مع الحكومات المتعاقبة في الخرطوم. إن غياب الديمقراطية في مؤسسات حكومة الجنوب بما يجعلها أشبه بالحكومات والأنظمة الشمولية تنفرد بالسلطة فيها إرادة سياسية واحدة هي إرادة الحركة الشعبية ليست المسنودة جماهيرياً وإنما المسنودة بقوات الجيش الشعبي لتحرير السودان وبتهميش أعداد كبيرة من الجماهير والقوى السياسية في الجنوب وقد التزمت الحركة في ميثاق أسمرا الذي وقعته مع التجمع الوطني الديمقراطي. على الديمقراطية كخيار إستراتيجي أخيراً ولكن الذي يحدث أنه لاتوجد في جنوب السودان الان صحافة حرة ولاحريات عامة متمثلة في ندوات ومحاضرات تقوم بها قوى سياسية معارضة إذ لا توجد معارضة اصلاً وتستفرد الحركة الشعبية بكل الساحة السياسية في الجنوب وتعتبر نفسها الممثل الشرعي والوحيد لحكومة وشعب الجنوب!! والحقيقة أن هنالك أحزاب وحركات سياسية أعرق منها لاتجد فرصة للتعبير عن نفسها. إنه من حقنا أن نتسأل هل هنالك ديمقراطية داخل الحركة الشعبية وهل يمكن اعتبار الحركة الشعبية الآن وجود سياسي منظم يلتزم بالأسس الديمقراطية الحديثة ويتحلى بقدر كاف في الديمقراطية والشفافية في كل نشاطه. أم أن الحركة الشعبية الآن تتوزع مابين مراكز قوى تحكم قضيتها على مراكز اتخاذ القرار في الجنوب وفي الشمال وفي يدها مقاليد الأمر كله وتقرب من تشاء وتستبعد من تشاء وتدار الحركة في داخلها على عملية توازن ولربما التسويات الداخلية حتى في قضايا مصيرية مهمه ولكن واقع الأمر يقول أن مثل هذه الطريقة في التعامل لن يفض إلى نتائج جيدة في مقبل الأيام وإنما يزيد من مبررات الانقسام بتراكم أسبابه. قدرة السيد سلفاكير في التعامل مع الواقع والإمساك بزمام الأمور في مثل هذه الظروف المصيرية داخل الحركة وخارجها يجعل حتى ملف سقوط طائرة الراحل الدكتور جون قرنق من الأمور التي تعتبر الرؤيا فيها غير واضحة وهذا مايدعو إلى ضرورة الشفافية في كل الأمور بشكل يجعل الحركة في الهواء الطلق وبعيداً عن الأجواء المكتومة التي تتولد فيها الكثير من الأشياء التي ربما تجعل الصورة شائهة وغير واضحة للعيان ومازال الغموض حتى الآن يكتنف الحركة الشعبية وحكومة الجنوب والذي يبرر منها لايعكس مايجري بداخلها من تناقضات وأحداث وتفاعلات من شأنها أن تعبر عن نفسها في أشكال أخرى. هل تحقق السلام حقاً أم فقط توقفت الحرب أن ما يجري الآن في الجنوب لابشيء بشيء من ذلك بل ما تنقلته بعض الصحف في انتهاكات لحقوق الإنسان ووجود سجون خاصة للحركة في منطقة نمولي وما يواجهه بعض المواطنين من ضغوط وتجاوزات كل ذلك يفتح ملفات حقوق الإنسان في جنوب السودان وقد تخرج علينا احدى منظمات حقوق الإنسان بتقرير عن جنوب السودان قد يكشف الكثير من الأمور الخافية في هذا المجال والذي بدأ الحديث عنها يتسرب رويداً رويداً إلى الصحف والاشتباكات والمواجهات العسكرية التي حدثت في ملكال وغيرها صورة مكبرة لما قد يحدث أو يمكن أن يحدث على مستويات أخرى. الاجتماعات الأخيرة التي ضمت قيادات الحركة ولم ترشح عنها إلا معلومات متناثرة هنا وهناك تؤكد على حقيقة أن الوضع داخل الحركة الشعبية يتسم بالغموض وعد المصداقية وكل الذي خرج به الناس هو توقيف وزير مالية حقوق الجنوب فيما يشبه كبش الفداء للكثير من التجاوزات المالية أما ملفات الديمقراطية وحقوق الإنسان فإنها لم نجد حظها في النقاش في اجتماعات قيادة الحركة. ملفات الأسرى والمفقودين ومطالبات تجار الجنوب كل ذلك أصبح في المعسكرات عنه لحساسية علاقة الشريكين من ناحية ولهشاشة الوضع داخل الحركة الشعبية وعدم احتمالها فتح ملفات حساسة قد تؤدي إلى تصدعات داخل الحركة ومن المأمول أن يتغير الوضع إلى ماهو أحسن ولكن لن يكون ذلك بإجارءت قاسية داخل الحركة تخرجها من طور الشرعية الثورية إلى طور الشرعية الدستورية ولو أن الستمائة مليون دولار قد استخدمت من أجل الهدف الذي صرفت له وقاموا بدعوة الكفاءات الجنوبية في الخارج فيكل المجالات وإسناد إليها مسئولية تأسيس الدولة وقيام مؤسساتها وإدارتها بكفاءة واقتدار وخبرة من قبل موظفين ومدراء عاشوا في الغرب لينقلوا تجربتهم إلى بلادهم ولكن ذلك المبلغ لايدري إلى أين ذهب. لعل البعض يقول إن الوضع القائم وضع استثنائي والجميع ينتظرون أن ترجى الانتخابات العامة لاختيار حكومة منتخبة تقدم ما يجب أن تقوم به الحكومة وقف مواثسق الديمقراطية وحقوق الإنسان ووفق برنامج الحركة الشعبية ولكن واقع الأمر يقول إن تهيئة الأوضاع للانتخابات يحتم ترتيب الأمور هناك بشكل يضمن نزاهة الانتخبابت أو القدرة على إجراء الانتخابات لأن الأوضاع القائمة في الجنوب ورداءة الطرق والاتصال في بقاع الجنوب المختلفة لربما يجعل في إمكانية الانتخابات أمراً صعباً. هكذا تجد الحركة الشعبية نفسها أما محك تاريخي حول مصداقيتها يتمثل في حقيقة كشف الفساد ومحاسبة المنسوبين وفي الحفاظ على حقوق الإنسان وعدم وجود أي مظاهر لانتهاكات حقوق الأنسان كما أن قيام الأحزاب السياسية والصحافة الحرة والإعلام بكل ذلك مايهئ أجواء صالحة للانتخابات أو الاستفتاء تحت ظل رقابة دولية وإقليمية ولكن مايحدث الآن يجعل كل ذلك امراً صعباً للغاية.