وهناك من يريدون -إرضاء لطموحاتهم الشخصية من بعض النخب- ان يوقعوا البلاد في كارثة بإضعاف أجهزة الأمن والحد من فاعليتها.. في هذا الظرف بالذات.. تماماً كما فعل المجلس العسكري الحاكم في ابريل 1985م بحل جهاز أمن الدولة -ولولا عناية الله- لما توقف حال البلاد عند وضع السودان في طريق الانهيار والتفكك وما نحن فيه اليوم هو أحد جوانب الغرس السيئ لقرارات المجلس العسكري الخطأ. والتي وضعت البلاد في حالة «اللا أمن» -أمام- كل خائن وطامع ومتربص. ويفهم العقلاء في هذا البلد.. بأن الأمن والأمان لنا جميعاً لا فرق بين حكومة ومعارضة ونحن جميعاً ابناء هذا الوطن شركاء ومسئولون من تحقيق الأمن والاستقرار لهذا الوطن.. وكما قال أفضل القائلين: «ان الناس شركاء في ثلاث: «الماء والنار والكلأ» ونحن نقول ولسنا بأفضلهم.. بأن الناس شركاء في أربع «الأمن والماء والنار والكلأ والوطن» الذي نتحدث عنه هو الذي يجد فيه المواطن نفسه في الحقوق والواجبات والنظام الذي يوفر للوطن أمنه ولمواطنيه حقوقهم الأساسية وإذا لم يتحقق هذا فإن الوطن يستدعى الفراق.. والنظام يستدعى الإزالة وهنالك متسع من آليات إزالة الانظمة.. والذي قادنا إلى الحديث عن أهمية الأمن في حياة الناس والوطن ما شهدته الساحة السياسية السودانية أخيراً من جدال حول قانون الأمن الوطني.. ومن أطراف تعلم جيداً بأنها شاركت في اعداد هذا القانون على أعلى المستويات وهناك أطراف مارست إدارة الحكم في ظل قوانين تتضمن الاعتقال وأطراف لديها خبرة ورؤية وعلم بمهام أجهزة الأمن ومن اطراف تعاملت بالخارج مع أجهزة الأمن بشتى فلسفاتها وأساليبها وجل الذين جادلوا في شأن هذا القانون على درجة من الادراك السياسي وعلى علم بالمخاطر والمهددات التي تحيط بالوطن وعلى يقين بأهمية الأمن واجهزته في حماية الأوطان والشعوب في العصر الحديث- إذن أمر الجدال لا يعود لقصور في الثقافة الأمنية وانما يرجع إلى سوء القصد من قبل بعض الأوساط. من أجل إشاعة عدم الثقة بين المواطنين وأجهزة الأمن لاضعاف الدولة لصالح من يتربص بها في الداخل والخارج. وبالرغم من هذا المنحى الخطير من قبل بعض الأطراف.. على أمن المواطن والوطن إلا ان الواقع المعاش يؤكد بأن الأمن وأجهزته ضرورة حياتية للأوطان والشعوب في هذا العصر.. وأوضحت قوة اجهزة الأمن والمخابرات وفاعليتها من اهم مظاهر هيبة الدولة في العالم.. حالها حال القوة العسكرية والقوة السياسية والقوة الاقتصادية وأخذ العالم يتحدث عن «KGB.CIA» والموساد والمخابرات العامة.. وعن أمن الدولة وكلها اجهزة ومخابرات أثرت وكانت تؤثر وما زالت في مجريات الاحداث في العالم -بل بعضها- توسعت دائرة مهامه بالاضافة إلى الحماية من المهددات الداخلية والخارجية لكي تشمل ضبط إيقاع اداء الدولة السياسي والاقتصادي والاجتماعي- خاصة في عالم تحكمه وتتحكم فيه القوة وقانون الغاب الذي يحكم العلاقات الدولية. فأصبح بحكم الضرورة -إذا لم تأكل بأنك بالتأكيد ستؤكل وبانياب أجهزة الأمن والمخابرات الخارجية.. لهذا فإن فقه الضرورة يحتم علينا بأن يكون لنا أجهزة أمن ومخابرات لها أنياب واسنان تأكل بها وتدافع بها عن مصالح بلادنا القومية.. ونحن هنا لا ندعو أجهزة الأمن والمخابرات السودانية بأن تستخدم انيابها وأسنانها في ترويع المواطن وانما ضد الأجنبي المتآمر والسوداني غير الصالح المتواطئ مع الاجنبي.. لضرب مصالح الوطن القومية وبأية صورة من صور التآمر والتواطؤ.. بالإضافة بان هنالك مفاهيم أمنية استحدثت من أجل التدخل في شئون الدول.. ذات الموارد الاستراتيجية في العالم في إطار الصراع على الموارد.. وهذا المفهوم ربط الأمن بالمصالح التي تستدعى التدخل العسكري في حالة تهديد المصالح أينما وجدت.. وهذا المفهوم استخدم في التدخل في العراق.. ونحن نشتم روائحه في جنوب السودان وفي دارفور بشكل سافر الامر الذي يستوجب علينا بناء أجهزة أمنية قوية وقادرة وفعالة تواجه المخاطر التي ستواجه البلاد في المرحلة المقبلة. عودة إلى المواد التي ثار الجدل حولها في قانون الأمن الوطني المقترح، فالنظرة الموضوعية والمسئولية الوطنية يحتمان علينا قراءة هذه المواد في ظل التحديات والمهددات الأمنية التي تواجه الوطن.. في مقبل الأيام. والمواد هي: 1- الاعتقال التحفظي. 2- حقوق المعتقل. 3- الحصانات. 4- المهام المنوط بأجهزة الأمن القيام بها. وبداية نقول بأن الاعتقال غير مطلق ومقيد بقانون وضوابط وكذلك الحصانات. وقبل ان نبحر في مناقشة هذه المواد برأينا ان نفيد الرأي العام بأننا اطلعنا على مشروع حكم الاعتقال التحفظي الذي تمت مناقشته بواسطة قضاة يشار إليهم في القضية بين الاستاذ أحمد عثمان محمد خير وخليل الياس ضد جمهورية السودان الديمقراطية.. أما الدائرة الدستورية التي على قائمتها كل من السادة: - خلف الله الرشيد - مهدي الفحل - صلاح الدين شبيكة - مهدي محمد أحمد - دفع الله الرضي - هنري رياض سكلا المحامون: - طه إبراهيم - زكي مصطفى وكتبت في هذه القضية ثلاث مذكرات بواسطة السادة: 1- هنري رياض 2- خلف الرشيد 3- د. حسن علوب لمناقشة المادة «29/ه من قانون الاجراءات الجنائية لسنة «4791م» وان المادة المشار إليها تقتضي الآتي: - يجوز لوزير الداخلية ان يأمر باعتقال أو تحديد إقامة أي شخص لمدة «01» أيام إذا ثبت لديه من نشاط ذلك الشخص او تحركاته أو تصرفاته -انه على وشك- أو ربما يرتكب فعلاً يضر بأمن الدولة.. أو النظام العام. 2- يبلغ كل شخص يتم اعتقاله أو تحديد اقامته بموجب البند «1» من هذه المادة باسباب اعتقاله او تحديد إقامته فوراً. 3- يجوز بموافقة مجلس الأمن القومي زيادة المدة المنصوص عليها من البند «أ» من هذه المادة لمدتين لا يتجاوز أي منها ثلاثة اشهر- ويطلق سراحة بعد ذلك. 4- يجوز لرئيس الجمهورية ان يأمر باطلاق سراح أي شخص يعتقل بموجب هذه المادة أو يأمر بإنهاء تحديد اقامته. وبعد مراجعتنا لكل الدساتير والقوانين الجنائية والأمنية التي صدرت في البلاد منذ ايام الجنرال ونجت وكل الحكومات الوطنية.. سواء الديمقراطية او الشمولية لم نجد أي دستور او قانون اغفل مسألة الاعتقال التحفظي.. لاسباب تتعلق بحماية أمن الدولة.. والنظام العام.. ولم تفرق هذه القوانين بين المواطنين والأجانب في مسألة الاعتقال ولكنها تفاوتت في التطبيق والممارسات والتجاوزات. وعندما خرجنا بالدراسة والتقصي من النطاق المحلي الى النظام العالمي. وجدنا بأن جميع دول العالم لديها قوانين لحماية أمنها الوطني.. وقد شملت هذه القوانين. الدول الديمقراطية العريقة وعلى قمة هذه القوانين قانون الاعتقال التحفظي ووجدنا ان المادة «22» من الدستور الهندي الفقرة «13/ب» تتحدث بصراحة عن الاعتقال التحفظي. وقد حددت فترة الاعتقال بأثنى عشر شهراً مع تأمين هذا الاعتقال بواسطة الاجهزة الأمنية المختصة. وتقراً باللغة الانجليزية هذه الفقرة على النحو التالي: (Any person who is arrested or detained under any law providing for preventive detention. The maximum period for which any person may be detained in pursuance of any detention order which has been confirmed under section (11) shall be twelve month from the date of detention. ) وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر أجرت العديد من الدول الأوروبية وعلى رأسها انجلترا وفرنسا.. تعديلات في قوانينها لمكافحة الارهاب.. أعطت بموجبها صلاحيات واسعة لاجهزتها الأمنية شملت الاعتقال والضبط والتفتيش.. إلخ وكذلك الحال بالنسبة لأمريكا فقامت بتعديل قانون السلامة الذي اعطت بمقتضاه صلاحيات واسعة للأجهزة الأمنية شملت الاعتقال غير المحدود وغيره من الاجراءات الوقائية اللازمة لحماية الوطن. ونفس الأمر ينطبق على موضوع الحصانات الممنوحة لمنسوبي أجهزة الأمن لاداء مهامهم بفاعلية ولكن موضوع الحصانات محكوم أىضاً بقانون وليس مطلقاً.. وفي حالة التجاوز أو استغلال النفوذ هناك مواد رادعة في قانون الجهاز قد تصل إلى مرحلة الاعدام في حالة التجاوز.. وقد تم اعدام اعضاء في جهاز الأمن والمخابرات الوطني تجاوزوا صلاحياتهم. إذن ما هي الاشكاليات طالما ان كل قوانين العالم بها مواد تخول لأجهزة الأمن بالاعتقال حماية لأمنها الوطني؟ الاشكاليات تتمثل في الآتي: 1- عدم الثقة بين المواطنين والنخب بالذات وبين اجهزة الأمن لأسباب ترجع لتجارب غير حميدة في السابق. 2- الممارسات غير الكريمة لبعض منسوبي أجهزة الأمن. 3- عدم الاطمئنان لحياد الجهات عند استخدام مواد الاعتقال وخاصة ضد الخصوم السياسيين وللحد من التجاوزات والتعسف في استخدام سلطة الإعتقال نقترح الآتي: 1- تكوين لجنة برلمانية مصغرة من نواب الحكومة والمعارضة توكل إليها مهمة الاشراف على مشروعية الاعتقال وضمان حقوق المواطن المعتقل وحياد الجهات وان الولاياتالمتحدة- أول من كون لجنة بهذا الفهم لمراقبة اداء الاجهزة الأمنية. نقترح تكوين لجنة فنية من اثنين من القضاة ممن يشار إليها بالخبرة والنزاهة والأمانة بالاضافة إلى اثنين من قيادات الشرطة السابقة.. للقيام بنفس المهمة السابقة. 3- نقترح بأن تحدد فترة الاعتقال وفق طبيعة «الشبهة». إذا كانت تآمراً أو تخابراً أو خلاف في الرأي وصل إلى حد استخدام العنف ضد الدولة: وان هذه المقترحات تشمل المواطن الذي يضع نفسه في طريق المساءلة القانونية ولا تشمل باي حال من الأحوال الاجنبي الذي يتجسس أو يتآمر على بلادنا. والسؤال الذي يطرح نفسه في هذه السانحة.. هو ما هي مصلحة أجهزة الامن من استخدام هذه المواد من اجل اضعاف المعارضة الوطنية اليس قوة المعارضة الوطنية من قوة النظام السياسي في الدولة.. ومعارضة وطنية- على قمة قيادتها الامام الصادق المهدي ومولانا محمد عثمان الميرغني والاستاذ محمد إبراهيم نقد والاستاذ فاروق أبو عيسى والسيد مبارك الفاضل والاستاذ كمال عمر أليست معارضة بهذا الثقل من القيادات الوطنية والتاريخية تعد إضافة حقيقة لقوة المؤتمر الوطني الحاكم- الذي يقود النشاط السياسي في البلاد؟ هذه بالاضافة إلى أن المفهوم الحديث لمهام أجهزة الامن والمخابرات الذي سبق ان اشرنا إليه في مكان سابق في هذا البحث والذي يتعلق بقيام الاجهزة الأمنية بضبط ايقاع أداء الدولة السياسي والاقتصادي الاجتماعي هذا المفهوم الا يعصم اجهزة الأمن من الانحياز إلى توجيهات القيادة السياسية الخاطئة تجاه المعارضة الوطنية من أجل ارباكها او اضعافها.. بالاعتقالات؟ أيضاً.. هناك أطر ربانية أو فلسفة ربانية رأيت من المفيد الإشارة إليها من اجل استقامة اداء منسوبي الاجهزة الأمنية، وهذه الفلسفة يجسدها الحديث الشريف الذي يقول ما معناه عينان لا تمسهما النار عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس الوطن والمواطن ابتغاة مرضاة الله ونحسب بأنهم فئة يخشون الله في القول والعمل- ونحسب أيضاً بانهم يبقون ويستشهدون في حراسة الوطن والمواطن ابتغاء مرضاة الله وليس لاحد سواه.. الوطن الذي يوفر للمواطن الطعام والطمأنينة والأمان.. والمواطن الصالح البعيد عن الشبهات.. والحاكم العادل والحكم الراشد الشرعي هذا هو المبتغى بالنسبة للحاكم والمحكوم والمعارضة وفي النهاية على هدى الآية «7» من سورة التوبة التي قالت «فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم» إذن الاستقامة هي المطلوبة من كل الاطراف الحاكم والمحكوم والمعارضة. وبقى علينا في النهاية معالجة المسائل المتعلقة بمهام الجهاز من إحدى المواد في الدستور والتي تقول بأن الجهاز يؤدي دوره أو مهامه المنوطة به.. بجمع المعلومات وتحليلها وضعها امام صاحب القرار.. وان المعنى مهنياً بهذه المهام هو جهاز المخابرات وليس جهاز الأمن. جهاز المخابرات يقوم بجمع المعلومات في الخارج وفي ظروف لا يتحكم فيها وهذا هو الدور الحيوي لجهاز المخابرات وهنالك دور دفاعي أو وقائي يقوم به داخل البلاد عبر الاجراءات الوقائية التي تحول دون وصول الاعداء إلى أسرار الدولة وتعمل المخابرات المضادة بالداخل وفي ظروف يتحكم فيها الأمن «security» يعمل في الداخل وفي ظروف يتحكم فيها ويؤدي مهامه عبر الاجراءت والتي منها الاعتقال والتفتيش والتحري إلخ- إذن الفرق بين- المخابرات والأمن ينحصر في اسلوب العمل ونطاق العمل والظروف التي يعمل فيها كل جهاز وان مطالبة البعض بحصر مهام جهاز الأمن والمخابرات في جمع المعلومات وتحليلها كما نصت عليه اتفاقية نيفاشا نحن نقول لهم انها إحدى بدع نيفاشا.. لانه لا يوجد جهاز أمن في العالم اليوم تنحصر مهمته في جمع المعلومات. ونقول لهم ان العالم ضحك علينا مرة وسخر منها اكثر من مرة عندما اقدم خمسة عشر جنرالا من القوات المسلحة ومهمتهم الاساسية حماية امن البلاد الوطني اقدموا على حل جهاز أمن الدولة وعرضوا البلاد إلى عبث اجهزة الامن والمخابرات العالمية وفي مقدمتهم اسرائيل. واليوم فيما يبدو لنا بأن هنالك مجموعة لها حساسية من اجهزة الأمن وتعمل في الخفاء تحسب انها مدركة لكل ما تقدم عليه وتصر عليه وتدعيه بان يكون جهاز الأمن جامعاً فقط للمعلومات.. ونحسب انها بهذه المطالب ساعية وبوعي وبصورة كيدية لتعريض أمن البلاد الوطني للمخاطر. تماماً كما فعل هؤلاء الجنرالات بحل جهاز الأمن في السابق والمحصلة النهائية واحدة وان اختلفت الاساليب كارثة محققة على أمن البلاد. لماذا؟ لمصلحة من؟ الله أعلم!