تُسن القوانين لتُذكرنا بالحدود التي يجب أن نتوقف عندها ولا نتجاوزها .. كما أن ما يترتب على القوانين من جزاءات إنما يعُود لخيانتنا لهذه الالتزامات حتى نُعيد للعقود الاجتماعية الحياة ولا تفقِد هيبتها .. هذا على المستوى الطبيعي من الالتزام. وفي حال طلبنا تجديِّد المواثيق مع الله لتعود الحياة إلى قلوبنا فلا مناص من تبديل حالة الائتمار السائدة بطبيعة الحال بحالة الائتمان الأصيلة في عالم التخلُّق، فهل نحن مؤتمرون على أساس التكليف، أم مؤتمنون على أساس الأمانة؟ في الحالة الحياتية الماثلة التي تتمثل في نقل الأحداث دون النظر إلى وجه صحتها بغرض الإثارة أو التخويف أو التخوين، كأن يطلِق البعض الشائعات حول حالات اختطاف على درجة عالية من التنظيم كالتجارة بالأعضاء البشرية.. في هذه الحالة يترتب على النقل انتشار ليس كانتشار النار في الهشيم فحسب، بل أوسع من ذلك، فتسود حالة من الهلع والخوف، ثم يُستثمر في هذه الحالة بغرض دمغ الأجسام القائمة على بسط الطمأنينة بالتخوين، فيظن الناس أنها ائتُمِرت على أساس التكليف فخانت الأمانة على أساس الإخلال بمبدأ الائتمان.. في هذه الحالة بطبيعة الحال لا بد من وقفة تُعيد إلى الأوضاع طبيعتها ولو من خلال سن القوانين والتشريعات، وذلك أضعف الإيمان. وإن كُنَّا في حاجة لقوانين تُسن ويُشدَّد على تطبيقها للحد من ظاهرة الكذب وخلق الحكاوي الخيالية وترويع الناس عبر الأسافير، تطبيقاً لمبدأ الائتمار بالتكليف الذي يلتزم بظاهر الأحكام والقوانين.. فإننا إلى الائتمان المُتصل بالقيم الأخلاقية أحوج، لضبط المُمارسة الحياتية بالخُلق، فتكون لأفراد المُجتمع القُدرة على التكيُّف الخُلُقي، فلا يتخذوا من التضليل وسيلة ولا يلجأوا إلى التلفيق لتحقيق غاية.. فالمهم هنا ليس التفكير في رد مثل هذه الظواهر بسن القوانين والتشريعات وإنزال أشد وأقسى العقوبات ليكف الناقلة عن نقل الأخبار الكاذبة والمضللة.. إنما المُهم بالضرورة، مُكافحة الظاهرة بإعادة القيم الخُلُقية الفاضلة بحيث لا يكون الداعي للتخلي عن السلوك المُنحرف هو الخوف من العقاب أو الالتزام بالعقد الاجتماعي الذي يمثل القشرة الخارجية لضبط السلوك العام. ليس المطلوب إذن الوقوف عند حد بيان القيم الخُلُقية التي ينبغي لها أن تضبط السلوك، إنما المطلوب هو التخلُّق بها، ومن أوجب ما يُراد التخلُّق به هو الحياء، والحياء لا يحصل لطالبه بطريقة الأمر به لأنه شأن وجداني، إنما بطريق التربية على يد خبير بطب القلوب.