الدُخول إلى المآل المُنتظر عقِب الرفع الكُلي للعقوبات الاقتصادية من وجهة نظر مُتفائلة يتعدى القشور السطحية المُستنِدة على التقدم المُحرز في العلاقات بين الإدارة الأمريكية وحكومة السودان في المسارات الخمسة والاختراقات الملموسة في مجالي الحُريات الدينية وحقوق الإنسان إلى التغييرات الجوهرية في مفهوم العداوة والصداقة وشروط كل منهما للمفاضلة والمُقايسة بُغية تغليب أحدهما على الأُخرى، إذ ينشغل عالم اليوم بشواغل جسام تنسحب عليها إعادة حسابات التحالف لخلق العلاقات المُمكنة والمُستحيلة. وعلى هذا الأساس يُنظر إلى قرار رفع الحظر نظرة إيجاب، فلم يعُد السودان ذلك البلد الفقير والضعيف بحيث يؤول إلى السقوط جراء التضييق والمُقاطعة، إذ أنتج في ظل كل هذه الإجراءات تجربة مُعتدلة مكَّنته من التعايش مع الحصار، وأفرغ وسعه في تحويل المِحنة إلى مِنحة بالانفتاح على مشارب أخرى، ثم تكشَّفت بما لا ريب فيه قُدرة السودان على إنتاج البدائل، واستيعابه للمتغيرات في المحيط الإقليمي والدولي وتقديم الأُنموذج المُعتدل والحلول المُتجاوِزة للأمكنة والأزمنة.. ومازال التعاون في مساري مُكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية دليلين إضافيين لهذا التجاوز تعديةً إلى مرحلة بناء شراكة استراتيجية لجهة استناد السودان إلى قناعات راسخة تجاه ضرورة وقف كافة أشكال العنف وتمهيد السبيل لمجتمعات الكفاية والاستقرار. إن كان الأمر كذلك.. حريٌ بنا تصويب النظر إلى ما بعد القرار، تجليةً فاحصة، حتى يُظن أننا ننشُد تضييع الفرحة، في حين ننشُد عدم الدخول في نشوة تُنسينا قواعد اللعبة وتصرفنا عن الكياسة والفطنة، إذ لا يُنتظر أن يعود القرار علينا ببركات من السماء والأرض، ما لم تُستولد منه الفُرص ويُعمل على إنزالها خُططاً وبرامج عمل، وفي هذا المجال تُشحذ الهمم ويُوحد الصف إنفاذاً لمخرجات الحوار الوطني وتوسيعاً للمشاركة السياسية وإعمالاً لمبدأ المُحاسبة عبر القانون، وفي ما يلي الاقتصاد ومعاش الناس ليس هناك أنفع من تكملة الخريطة الاستثمارية تشجيعاً لرؤوس الأموال المُتدفِقة وتفعيلاً للقوانين الضابطة وترويجاً للشراكة الذكية في كافة المجالات، كما آن الأوان للشروع في عقد مؤتمرٍ جامعٍ للحوار الاقتصادي بعد أن لعبت الدبلوماسية دورها بالكامل يتداعى له كل مفكري بلادي لتفريخ وصفة علاجية مُستدامة يُكافأ بها الشعب السوداني على صبره الطويل. هذا في ما يلي الأمد القريب، أما المأمول للخروج بالسودان إلى كامل المشهد وتمام العافية، فينطلق من تعزيز المناخ الداخلي الإيجابي ببث الأمل لدى قطاعات الشعب وتهيئة السلام الاجتماعي تمهيداً للشروع في تنفيذ خُطة إزالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، ليضطلع بدوره المأمول في إنتاج شراكة مبنية على تبادل المصالح، بجانب التعامل المدروس تجاه ردة الفعل السالبة والمتوقعة من الجهات المُتربصة التي ترفض لهذا البلد مُجرَّد التعافي أو مُغادرة غرفة الإنعاش.