في الوقت الذي تنشط فيه المفوضية القومية للانتخابات وبشكل كثيف للإيفاء بمستحقات والتزامات العملية الانتخابية والتي دخلت مراحلها قبل النهائية ، تنشط في المقابل ما يعرف بأحزاب تحالف جوبا التي ركبت الآن موجة المعارضة في محاولات يائسة لإجهاض الاستحقاق الانتخابي الذي أقرته شرعية اتفاقية السلام الشامل. والمعارضة هذه ظلت تتربص بأداء وأدوار المفوضية إزاء عمليات التحضير الفني والقانوني للعملية الانتخابية المزمع إجراؤها منتصف أبريل المقبل ، وكل المراقبين والخبراء على المستوى الإقليمي والدولي أشادوا بحجم العمل والترتيب الذي تمارسه المفوضية الآن لتهيئة المناخ الانتخابي بما يتفق وقضايا السودان وواقع القوى السياسية والحزبية .. ولهذا شرعت المفوضية منذ أن أوكلت لها هذه المهمة في إجراء العديد من الإجراءات والترتيبات والاستحقاقات وبشكل كامل الحيادية والاستقلالية وهذا ما ظلت تشدد عليه المجموعة التي تتولى مسؤولية إدارة شأن المفوضية، إلا أن الذين لا يعجبهم العجب ولا يريد لمراكب المفوضية أن تمضي في مسيرتها ظل هؤلاء يكيلون لها الاتهامات وينصبون لها الشراك والمكايد والمؤامرات ليس بقصد سوى إعاقة العملية الانتخابية. إذن لا أحد يتوقع من القوى الحزبية المعارضة أن تبادر أو تستجيب لكل الأنشطة والإجراءات التي تقوم بها المفوضية الآن لجهة توفير كل استحقاقات هذه العملية الانتخابية ولذلك ليس من المستبعد أن توجه هذه المعارضة سهامها الغاضبة صوب مراكب المفوضية وهذا ما حدث بالفعل من المعارضة للمفوضية بسبب المنشور الإعلامي الذي أرادت عبره المفوضية حماية الحملات الدعائية للمرشحين وتأمينها من التخريب أو الاستغلال السيء، إلا أن ردة الفعل من هذه الأحزاب كانت غريبة وغير مبررة ولا تتسق مع عملية التحول الديمقراطي الذي تنادي به هذه القوى السياسية المعارضة بل أن هذه الأحزاب مضت في عجزها وعبرت بشكل واضح عن فشلها السياسي لتقديم برامج سياسية مقنعة للناخبين واستخدمت في ذات الوقت المفوضية كمطية وشماعة لفشلها وعجزها حيث انتهجت أسلوب التهديد والتحذير حال عدم الاستجابة لمذكرتها الاحتجاجية التي دفعت بها إلى المفوضية والرد عليها في فترة زمنية لا تتجاوز الأسبوعين ولكن رغم عدم المنطق الذي سارت عليه أحزاب المعارضة في دوافع هذه المذكرة إلا أن المفوضية شرعت في دراسة وبحث مبررات ودواعي هذه المذكرة والتي كان محورها الأساسي يرتكز على نهج الآلية الإعلامية المشتركة والتي جاءت لا لشيء سوى تنظيم الحصص الإعلامية لبث الحملات الدعائية لكافة المرشحين. وحتى المؤتمر الوطني الذي تتهمه الأحزاب المعارضة بالاستثناء بالقدر الأكبر من الإعلام الحكومي إلا أن هذا الحزب نفسه شكا من التمثيل غير المتكافيء في الآلية المشتركة حيث تضم الآلية خمسة أحزاب تمثل تحالف جوبا ويقابل ذلك حزب واحد هو المؤتمر الوطني وهذا الخلل وعدم التكافؤ في عضوية الآلية عبر عنه البروفسير ابراهيم غندور الذي وصف مذكرة المعارضة للمفوضية بأنها تعبير حقيقي عن الهروب من العملية الانتخابية. وعموماً فإن تفاعلات مذكرة الأحزاب المعارضة تسيطر في طبيعة الأجواء والحراك الانتخابي ، ورغم التلاسن والاتهامات والتشكيك في عدم حيدة المفوضية هي سلوك ظل يشكل ملامح الخطاب الإعلامي المضاد للمفوضية إلا أن المفوضية نفسها لم تجارى هذه الحالة الهستيرية التي استحوذت على عقل وفكر قادة المعارضة في الأوقات الراهنة بل أن المفوضية تعاملت بشكل ايجابي مع المذكرة ووعدت بدراستها والرد عليها. ويبدو أن المفوضية تدرك تماماً أن أحزاب المعارضة ستعمل على إثارة الغبار الكثيف حول أداء المفوضية وهذا ما لم يتوقف من هجوم ونقد منذ فترة التعداد السكاني وتوزيع الدوائر الانتخابية مروراً بالسجل الانتخابي حيث ظلت هذه الأحزاب تتعامل بأسلوب واحد وبوتيرة واحدة ومتصاعدة طابعها التشكيك في نزاهة المفوضية وبالتالي التشكيك في العملية الانتخابية وهذا المسعى السياسي وصفه البعض بأنه محاولة تريد من خلالها هذه الأحزاب اليائسة تهيئة المسرح السياسي السوداني لقبول أي قرارات أو مواقف ضد العملية الانتخابية وهذا سيناريو شرعت قوى تحالف جوبا في الترتيب له منذ الآن إذا ما سارعت العملية الانتخابية على عكس ما تهوى وتحب. ولكن إرادة المفوضية المسنودة باستحقاق قانوني ومسؤولية وطنية ستظل هي حريصة على استكمال العملية حتى أشواطها النهائية هذا ما أكده البروفسير عبد الله أحمد عبد الله نائب رئيس المفوضية بقوله إن أداء المفوضية وإجراءاتها القانونية والفنية تجري حسب ما هو مخطط ومبرمج لها ، كما أن الحملات الإعلامية والدعائية تسير وفق منظور ورؤية المفوضية وأن كل ما تم حتى الآن لا غبار عليه. وعلى ضوء تداعيات المنشور الإعلامي فإن المفوضية أدركت تماماً أن أصحاب هذه المذكرة بلا رؤية ولا هدف ولا برنامج وأن المذكرة نفسها لا علاقة لها بأخطاء أو تجاوزات من قبل المفوضية بقدر ما أن الغاية الأساسية للمذكرة هدم العملية الانتخابية وتعطيلها وسوف يتصاعد هذا المسعى إذا أدركت هذه القوى المعارضة فعلاً أن حظوظها في العملية الانتخابية تتلاشى يوماً بعد يوم وأن عدوها الأول وهو المؤتمر الوطني سوف يكتسح لا محالة هذه العملية وبإرادة الجماهير لا بإرادة المفوضية كما تدعي المعارضة، وعلى المعارضة أن ترضى بهذا الواقع وتقدم على النزال الانتخابي بكل شجاعة لا أن تطلق النيران على المفوضية.