العنف الأسري والحروب والجفاف الأسباب الرئيسية للتشرد ونتيجة لعدم الرعاية الكاملة توجه جيمس صوب الحياة العامة يهيم في الطرقات ويسد رمقة بما تجود به السماء وتركه الآخرون بعد تخمة يشتهي ان تكون في جوفه سالمة غير منقوصة، يقول بطلنا إن الحياة في الشارع العام أفضل من السجن داخل منزل لا تتوفر فيه مقومات، فهو اليوم يجول ويصول في أحد الاسواق بمدينة امدرمان يخدم بائعات الشاي والخبز البلدي نظير دراهم معدودة، يشجع احد أندية القمة ، ويطربه سيد خليفة ولا يسمع للمطرب محمد وردي.. يقول جيمس انه يجد الراحة في هذا التجوال المستمر يفترش الأرض ويلتحف السماء كغيره من الهائمين على وجوههم، وكغيره من الرجال يرغب ويتطلع جيمس للزواج من احدى حسناوات البلد، غير ان ظروفه تحول دون تحقيق حلمه الذي استبدله بتعاطي بالمخدرات مع رفقاء الدرب الذين لا يبخلون في تقاسم الكيف حيثما كان وكيف ما يكون. لا يرغب صديقنا في تغيير حياته، ففيها يجد من الراحة ما لا يجده في غيرها.. فقضيته مثال واحد يصور بكل صدق الضياع الذي يلم بأمثاله، وبالرغم من الجهود التي تبذلها عدد من المؤسسات ذات الاهتمام المباشر بأمر المتشردين في الشوارع إلّا ان كل الجهود التي تبذل في هذا الاطار تكون في الغالب الأعم ذات مردود محدود.. فعادة ما يعود المشرد لحياته السابقة نتيجة لعدم إلفته للضوابط التي تحد من حريته وتحركه. يقول الأستاذ وحيد الدين عبد الرحيم مدير مركز الرشاد المختص برعاية وتأهيل المشردين التابع لوزارة الرعاية الاجتماعية بولاية الخرطوم إن الأسباب الرئيسية للتشرد تنحصر في عوامل طبيعية كالجفاف الذي ضرب البلاد ثمانينيات القرن المنصرم والعنف الأسري فضلاً عن الحروب والسخرة التي يتعرض لها الأطفال فاقدي الرعاية الأسرية بولاية الخرطوم.. بدأت فكرة معالجة هذا الموضوع بفكرة انشاء مراكز تجميع في منطقة حجير امدوم بغرض تأهيل وتدريب هؤلاء الأطفال وحمايتهم، وفي العام 2008م تم قيام مركز الرشاد للاطفال فاقدي الرعاية الأسرية في جنوبالخرطوم بشراكات مع عدة جهات منها مركز طيبة ودار الأرقم بغرض توفير مقومات إعادة التأهيل والاندماج، كما يخضع هؤلاء الأطفال البالغ عددهم (3) الف طفل للرعاية الصحية والمعالجات النفسية،10% من هؤلاء الأطفال اناث. ويحدد وحيد عبد الرحيم سكان المركز من الأطفال فاقدي الرعاة الأسرية بالقول إن 90% من الحالات الموجودة بالمركز كانت نتيجة للخلاف بين الوالدين والذي غالباً مايفضي للطلاق . مشيراً إلي وضع دراسات لمعالجة أوضاع (1380) طفل وفق جهد ملحوظ يبذله الباحثون الاجتماعيون الذين يعملون بالمركز توطئه لاعادتهم لاسرهم وفق معايير تضمن عودتهم مرة اخرى للتشرد. من أبرز الولايات التي تعتبر مصدّرة لهذه المشكلة جنوب السودان عامة بنسبة بلغت 28%، كردفان 19%، دارفور 16%، النيل الازرق 9%، الجزيرة 5% وولايتي نهر النيل والشمالية بنسبة 1%. ويتطلع مدير مركز الرشاد لقيام المجتمع بدور فاعل في درء وتجفيف هذه الظاهرة ابتداء من القطاعات السكانية في الأحياء والفرقان وكذلك المنظمات الانسانية واللجان الادارية التي من الممكن ان تلعب دوراً فاعلاً في معالجة الموضوع في بداياته الأولى . أثبتت الدراسات الميدانية التي يجريها العاملون بالمركز ان بمقدور الدولة وتضافر جهود المجتمع الوصول لنتائج ايجابية. فشرطة امن المجتمع تقوم بدور فاعل في تجميع الأطفال بصورة مثالية لا يصاحبها أي عنف وتسليمهم لمركز الرشاد الذي آل على نفسه ان يكون مرفقاً لإعادة هؤلاء الأطفال إلى الحياة مرة اخرى بما يوفر من معاملة كريمة ورعاية صحية وغذائية حتى تكتمل دراسة حالة كل طفل ومن ثم إعادته مرة اخرى الى أهله وذويه وقد تسلح بالمعرفة التي تؤهله ان يكون عنصراً ايجابياً في الحياة . ويقول فضيلة الشيخ محمد الطيب بابكر إن عمر بن الخطاب امير المؤمنين رضي الله عنه حينما لم ير صبياً مشرداً كهؤلاء وانما رجل شيبة اصابه العوز والفاقه، فقال حرام علينا ان نأخذ منه الجزية وهو شاب ونتركه اليوم، فأمر له من بيت مال المسلمين، عليه فانا اخشى على الذين يؤتمنون على أمر الامة من ان يحاسبوا في يوم تمور فيه السماء موراً، فهؤلاء الصغار لا ذنب لهم وحرام علينا ان نتركهم يهيمون على وجوههم، فالدين قد حدد المسئولية وهي للجميع منعقدة، فلا يجوز لنا ان ننظر وننتظر وعلينا أن نتحرك لإيجاد معالجات تتمثل في توفير مقومات الحياة وجمع لم الاسر لبناء مجتمع قوي ومعافى . وبين الجهود التي تبذلها الدولة ورؤية المكتوين بنيران التشرد تبقى أماني واشواق جيمس رين محبوسة تحت ظل شجرة.