أحمد حسين الشيمي "إن نجاح إسرائيل في تطوير علاقاتها مع الدول الإفريقية في غرب القارة -خاصة تلك الدول التي تقع جنوب الصحراء والمناطق المتاخمة للدول العربية- سيحقق لها مكاسب إستراتيجية كبيرة، ويساعد على تلافي نقاط الضعف الإستراتيجي المتمثلة في إحاطتها بطوق عربي محكم، والوصول إلى الظهر العربي المكشوف في ميدان لا يتوقعه العرب".. بهذه الكلمات لخّص رئيس هيئة الأركان الإسرائيلي السابق الجنرال حاييم لاسكوف سياسة بلاده تجاه قارة إفريقيا، تلك السياسة التي يزداد فيها الدور الإسرائيلي ظهورا كلّما اشتعلت الخلافات في مختلف مناطقها، خاصة بعد اكتشاف العديد من الثروات الطبيعية من نفط ويورانيوم في أراضي القارة. ولعل السودان هو أحد الأركان الهامة في هذه الإستراتيجية، بالنظر إلى المحاولات المستميتة من قبل حكومات تل أبيب المتعاقبة منذ أواسط القرن الماضي في أن تجد لها موطئ قدم في تلك البقعة سواء كانت في الجنوب السوداني أو في دارفور. ثروات ضخمة يحوز إقليم درافور أهمية إستراتيجية واقتصادية بالغة على أجندة المخططات الإسرائيلية أو الأمريكية الداعمة لها على طول الخط، حيث موقعه المحاذي لبحيرة بترولية ضخمة تمتد من إقليم بحر الغزال مرورًا بتشاد والنيجر وموريتانيا ومالي والكاميرون؛ وبالتالي فإن السيطرة عليه يعد بمثابة صمام الأمان لسهولة تدفق النفط المستخرج من هذه المنطقة، وكونه أيضًا أحد أكبر المناطق الغنية بالنفط على مستوى العالم، والتي لم يتسنَّ استغلالها حتى الآن بسبب ما تشهده السودان من صراعات وحروب أهلية منذ فترة طويلة. ويتخطى الاهتمام الأميركي تحديدا بدارفور مسألة الاعتبارات الإنسانية، إذ تُدرك الولاياتالمتحدة، أن إفريقيا تشكل واحدة من أسرع المناطق نموا في إنتاج البترول، فبحلول عام 2012 سيكون بوسع الولاياتالمتحدة أن تستورد من إفريقيا ما يُعادل الكمية ذاتها من البترول التي تستوردها حاليًا من الشرق الأوسط، بحسب الدراسة التي أعدها المجلس الأمريكي للعلاقات الخارجية بواشنطن.كما يحتوي الإقليم على كميات ضخمة من الثروات المعدنية، وعلى رأسها اليورانيوم، وقد أشار الرئيس السوداني عمر البشير العام الماضي إلى أن دارفور تزخر بأكبر كميات يورانيوم في العالم، وأن الدوائر الغربية تمتلك إحصائيات ووثائق عن الثروات الكامنة فيها. وبالإضافة إلى البترول واليورانيوم، فإن أقاليم دارفور الثلاثة تتمتع بوجود ما يقرب من 40 مليون فدان من الأراضي الخصبة لم يستغل منها سوى الثلث، وأكثر من 24 مليون فدان من الغابات والمراعي الطبيعية التي تزخر بكميات هائلة من الصمغ، تقدر بحوالي 16% من الإنتاج العالمي للصمغ، إلى جانب كميات كبيرة من النحاس والحديد والرصاص والجرانيت والكروم، والصخور النادرة والرسوبيات وأحجار البناء، لتشكل منتجاته نسبة 45% من الصادرات السودانية غير النفطية. تطويق الدول العربية الأهمية الإستراتيجية لدارفور لم يَسِلْ لها اللعاب الأمريكي فقط، بل دخلت إسرائيل على نفس الخط، لكن من الباب الإنساني كواجهة "مشروعة" تختبئ وراءها لتنفيذ مخططاتها وأهدافها الخفية، فقامت بتقديم المساعدات المالية والطبية للمتضررين في الإقليم سواء في تشاد أو الدول المحيطة بالسودان، وقد رصدت الخارجية الإسرائيلية 20 مليون شيكل لمساعدة لاجئي درافور، كما أعلنت عن فتح باب التبرعات أمام كافة الجمعيات والمنظمات الأهلية في إسرائيل للغرض نفسه، وأعلنت عزمها القيام بشراء أدوية ومعدات لتحلية وتقطير المياه بمبالغ مالية قدرها 800 ألف دولار من شركات إسرائيلية، ليتم نقلها بعد ذلك إلى مخيمات اللاجئين في جمهورية إفريقيا الوسطى، وكذلك بناء وحدات علاجية ومستشفيات متنقلة، وستدعم تلك العيادات بأطباء إسرائيليين، كما ستوضع لها فروع في كينيا لمساعدة اللاجئين هناك.وتنشط عناصر المخابرات الإسرائيلية "الموساد" في عدد كبير من هذه الدول، والتي يرتبط وجودها بفكرة تطويق البلاد العربية من الجنوب لاحتمالات حروب مستقبلية، لتصبح دارفور ومعظم دول جنوب الصحراء، ساحة كبرى لتصفية الخلافات والصراعات بين إسرائيل والعرب، كما تستهدف السياسة الإسرائيلية، الحصول على تسهيلات عسكرية من دول منابع النيل واستخدام قواعدها الجوية والبحرية، إلى جانب وجود خمس قواعد عسكرية إسرائيلية في جزيرة حنيش وهلك بأثيوبيا، والتي تسعى من ورائها للتجسس على الأقطار العربية، إضافة إلى تصريف منتجات الصناعة العسكرية الإسرائيلية، وخلق كوادر عسكرية إفريقية تدين لها بالولاء. وستضع هذه المساعدات إسرائيل بين المتبرعين العشرة الكبار للتخفيف من معاناة اللاجئين في العام الحالي، وهو ما يشكل خطوة كبيرة وقفزة عن السنوات السابقة التي خُصص فيها فقط مبلغ 2 مليون دولار، في حين وصلت المساعدات الأمريكية للاجئين منذ بداية العام الحالي إلى ما يقرب من 380 مليون دولار، بحسب صحيفة معاريف الإسرائيلية. وتتهم حكومة الخرطوم إسرائيل صراحةً بلعب دور رئيسي في تصعيد الأحداث في دارفور، حيث أشار وزير الخارجية السوداني السابق مصطفى عثمان إسماعيل إلى "أن المعلومات التي لدينا تؤكد ما تردد في أجهزة الإعلام من وجود دعم إسرائيلي، وأن الأيام القادمة ستكشف عن الكثير من الاتصالات الإسرائيلية مع المتمردين". المساعدة.. والسياسة وفي المقابل، أعلنت وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني أن حكومتها ستساعد في إيجاد حل للأزمة في إقليم دارفور السوداني، وذلك خلال لقاء جمعها مع عدد من السفراء الأفارقة في تل أبيب، حيث ناقشت معهم الأزمة في الإقليم. وتشهد إسرائيل في الآونة الأخيرة دخول أعداد كبيرة من لاجئي دارفور عبر حدوها المشتركة مع مصر، تقدرها مصادر رسمية إسرائيلية ب 1000 لاجئ سوداني، بمعدل 40 شخصا يوميا، في حين تقدرها الحكومة السودانية، التي تتهم تل أبيب بتشجيع المتسللين إليها وتسويق المشكلة إعلاميا للإساءة إلى صورة بلادها، بنحو 3 آلاف، منهم 40% لاجئون من الجنوب، و35% من دارفور و25% من منطقة جبال النوبة. وتهدف إسرائيل من وراء هذه الخطوات لتحقيق هدفين: محاولة إبراز نفسها كطرف إنساني يسعى لمساعدة الشعوب التي تعاني من كوارث، وهذا بدوره -من وجهة نظر إسرائيل- يمنحها علاقة طيبة مع سكان هذه المناطق، ويمهّد لها موطئ قدم في علاقات مستقبلية تتعدّى نطاق شكل العلاقات الإنسانية.تخفيف الضغط الدولي عنها، طبقا لسياسة "الإحلال أو النقل" التي تتبناها تل أبيب في الكثير من المواقف، أي صرف النظر عن الوضع المأساوي في فلسطين ولفت الانتباه لأزمة دارفور. مخططات استعمارية وتتشابك المخططات الأمريكية والإسرائيلية في دارفور، والهادفة إلى إقامة دولة منفصلة في غرب السودان، تخضع لقبيلة الزغاوي التي تقود حركة التمرد في الإقليم، إلى جانب إنشاء قاعدة عسكرية متقدمة ومزودة بأحدث الوسائل التكنولوجية تحت إشراف أمريكي - بريطاني - إسرائيلي مشترك، يكون الهدف منها هو التحكم في الأوضاع الأمنية والسيطرة على التفاعلات السياسية في كل من مصر والسودان وليبيا والدول الإفريقية والبحر الأحمر، كما تهدف أيضًا إلى حماية خط أنابيب نفط، تجري الولاياتالمتحدة حاليا اتصالات لإنشائه، وهو خط يمتد من العراق ودول الخليج إلى البحر الأحمر فإقليم دارفور ثم يمر عبر ليبيا والمغرب وصولاً إلى المحيط الأطلنطي. وتأتي هذه الخطوة في سياق تنفيذ توصيات التقرير الإستراتيجي الذي أقره الكونجرس عام 2004 عن السودان، والذي أوصى بجعل السودان قاعدة الانطلاق للإستراتيجية الأميركية الجديدة في القارة السوداء، ولتحقيق ذلك، فإن هناك تنسيقًا كاملاً بين المخابرات الأميركية والموساد الإسرائيلي ومتمردي دارفور بهدف زعزعة الاستقرار في الإقليم ونشر الفوضى في السودان، من أجل دفع الشعب السوداني إلى مغادرة أراضيه ليقال إن الحرب الأهلية أدت إلى بث الرعب والخوف في صفوفه، وبهدف اكتساب تعاطف المجتمع الدولي مع قرار نشر قوات دولية في الإقليم، لتكون مركزا للانطلاق منه إلى السيطرة على منطقة القرن الإفريقي، بالنظر إلى الخطط الأمريكية المتعلقة بتوسيع نفوذها في إفريقيا إستراتيجيا والسيطرة على مناطق النفط الجديدة هناك.ومما لا شك، فإنه في حال موافقة الحكومة السودانية على نشر القوات الدولية في دارفور، فإن الباب سيكون قد فُتح على مصراعيه لمزيد من أعمال العنف وعدم الاستقرار في الإقليم، ليجد الموساد الإسرائيلي نفسه طليق الأيدي في أن يفعل ما يشاء، ليتكرّر نفس السيناريو الحالي في العراق. وفي السياق ذاته تحاول واشنطن الضغط على الحكومة السودانية لقبول هذه القوات، من خلال فرض العقوبات الاقتصادية، واتهام الخرطوم بارتكاب أعمال "إبادة جماعية" في دارفور بتسليح ميليشيا الجنجويد العربية لمواجهة المتمردين، ومحاولتها إفشال أي جهود عربية لاحتواء الأزمة، والتشكيك في قدرة قوات الاتحاد الإفريقي على تحقيق الاستقرار في الإقليم. وأخيرا، فالواضح أن ما يحدث على أرض الواقع يكشف عن حجم النوايا الإسرائيلية والأمريكية في دعم انفصال إقليم دارفور أولا، ثم تفتيت السودان وغيره من دول القارة الإفريقية، لتضرب الأمن القومي العربي ككل في مقتل، لذا فإنه من الضروري أن تقوم الدول العربية برفض أي تدخل أجنبي أو وجود قوات أممية في دارفور، مع استمرار قوات الاتحاد الإفريقي في مهماتها ودعمها بقوات إضافية لسد النقص القائم في قدراتها، حتى تجهض أي محاولة لإسرائيل والولاياتالمتحدة للدخول إلى جزء هام من الأراضي العربية، وحتى لا تتكرر مأساة ما يحدث الآن في فلسطين والعراق. (الاسلام اون لاين)