بعد انتهاء مرحلة الانتخابات وإعلان النتيجة النهائية، طفت إلى السطح من جديد بعض القضايا التي تعتبر من أولويات المرحلة القادمة التي تحتاج إلى عمل كبير أهمها العلاقة بين شريكي اتفاقية السلام وقضية الاستفتاء وما يترتب عليها، والجهود التي يجب أن تنصب لجعل خيار الوحدة الطوعية جاذباً. القيادي بالحركة الشعبية أتيم قرنق جلس مع المركز السوداني للخدمات الصحفية في حوار تناول هذه القضايا، وأجاب على الأسئلة التي تدور في أذهان الكثيرين باسلوبه المعروف الذي يميل إلى الهدوء وإعمال المنطق.. فإلى مضابط الحوار.. كيف تنظر إلى العملية الانتخابية التي جرت وهل أنتم راضون عن النتيجة النهائية لها؟ في البدء الانتخابات مطلب أساسي جاء من اتفاقية السلام الشامل، كما أنها وردت في الدستور الانتقالي لجمهورية السودان عام 2005م، فكان لابد من قيام الانتخابات في نهاية السنة الرابعة من اتفاقية السلام ولظروف ما لم يتم إجراء الانتخابات في الموعد المحدد. والانتخابات في حد ذاتها ليست غاية لكنها إحدى آليات و وسائل تحقيق عملية التحول الديمقراطي، وكان في اعتقادنا أن هناك ثلاثة جوانب مهمة لابد أن تتم، وهي تعديل القوانين الموجودة التي تعتبرها القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني مقيدة للحريات، وضرورة وجود قوانين تحمل في صميمها معاني الديمقراطية، كان هذا واحدة من التحديات وتم تعديل بعضها والبعض منها لم يتم تعديله، وقد أجريت الانتخابات في جو أعتقد أن فيه نوع من تقييد الحريات، والجانب الآخر أن المفوضية القومية للانتخابات كونت بعد ربع قرن من آخر انتخابات فلم تكن لديها الخبرة الكبيرة، وحتى إذا أتينا بالذين قاموا بأمر الانتخابات في عام 1986م نجدهم أيضاً ليس لديهم الخبرة الكافية لأن الأوضاع في البلد تتغير، وحتى مفاهيم الانتخابات تغيرت.. بالتالي الناس أشارت أن المفوضية لم تكن مهنية مائة بالمائة. نحن دخلنا الانتخابات وكانت هنالك معضلة لم تحل وهي مسألة نتائج التعداد السكاني والتي كانت مرفوضة من كثير من القوى السياسية من بينها الحركة، مسألة التعداد توقف عليها تقسيم الدوائر وقد أثر التقسيم في بعض المناطق، ولكن في النهاية الانتخابات أجريت في جو ليس ديمقراطي 100% بواسطة المفوضية في وضع خرجت فيه البلد من الحرب، وأيضاً جاءت في وقت تشبع فيه الناس من المعارك وتشبعوا من ثقافة الكراهية والبغض، إلا أن إقبال الشعب السوداني على للانتخابات وتصويت ما يزيد عن 60% منه يستحق أن يتم الحديث عنه، ورغم أن الانتخابات بها أخطاء لم يمتنع الشعب من الانتخابات وقالوا بأنها لم تكن ديمقراطية وجلسوا في منازلهم، لكن جاءوا وأدلوا بأصواتهم ولم يحدثوا أي عنف.. هذا يعتبر نجاح للعملية الانتخابية سواء كانت هذه النتائج مشكوك فيها أو غير مشكوك، الآن القضية هي ليست قبول نتائج أو عدم قبول، إنما السؤال هو ماذا بعد هذه الانتخابات؟، وحتى الرئيس المنتخب لن ينتظر في بيته حتى تقبل جميع الأطراف بالنتيجة لكنه سيشكل حكومته لأن هذا هو الواقع، فلابد إذاً من التعامل مع الواقع. ويبقى السؤال لجميع المنتخبين في الشمال والجنوب والشرق والغرب ماذا أنتم فاعلون بعد هذا لقضايا مهمة تحدد مستقبل السودان؟ وما هو موقف هذه القوة المنتخبة من قضية دارفور؟ هل ستتماطل حتي يأتي الحل للقضية أم تكون هناك جدية في الحل حتي يستمتع المواطن في دارفور بثمار التحول الديمقراطي، وأيضاً ماذا يفعل المنتخبون ليكون التصويت لمصلحة وحدة البلد، هذا هو التحدي الذي يواجههم. والنجاح الكبير هو أن يتصرفوا بأسلوب ديمقراطي ويقدموا شكرهم للشعب السوداني الذي انتخبهم ويقروا بأخطائهم الماضية ويعدوا بزيادة ايجابياتهم. في النهاية تعتبر الانتخابات مرحلة من المراحل في تاريخ السودان وقد مرت بعافية سواء رضينا بها أم لم نرض. البعض يصف النتيجة النهائية للانتخابات بأنها تكرس بقاء المؤتمر الوطني والحركة الشعبية على السلطة؟ القضية ليست قضية السلطة بل ماذا تفعل بها، فإذا جاءوا إلى السلطة وتفهموا روح التحول الديمقراطي يكون وجودهم في السلطة خير للناس، لكن إذا حولوا السلطة إلى سوط يعذب الناس فإن هذا يعتبر مصيبة للبلد، فهم حكومة منتخبة لابد أن تتصرف وفق ذلك، لأن الحكومة المنتخبة تختلف عن حكومات الاتفاقيات، بمعنى أن الحكومة المنتخبة لا تكون سيدة للناس بل تكون خادمة لهم، وهذه نوعية الحكومة التي يريدها الشعب. ما هو شكل علاقتكم بالقوى الشمالية المعارضة بعد الانتخابات؟ القوى السياسية كقوى سودانية لابد أن تكون هنالك علاقة سياسية معها، ليس بالضرورة أن تكون تحالف أو تعارض لكن الكل يحتاج إلى بعضه، نحن نحتاج إلى تحول ديمقراطي وهو بدوره يحتاج إلى الآخرين من أجل الدفع نحو التحول الديمقراطي، سواء كان من خلال التشريعات أو النشاط السياسي أو التفاهم مع الآخرين وهذه العلاقات متداخلة، لكن هذا لا يعني أن مواقفهم ستكون متطابقة تماماً لأن الايدولوجيا مختلفة، فالقاعدة الأساسية لكل الأحزاب السودانية عدا المؤتمر الوطني هي أن يسود التحول الديمقراطي الحقيقي ، ونحن في الحركة الشعبية نؤمن بالتعددية بكل مفاهيمها ونؤمن بالتنوع السياسي والثقافي والديني، هذه نلتقي فيها مع الأحزاب الأخرى وإن كان المؤتمر قد رضي بأن تكون التعددية جزء من المبادئ التي يحكم من خلالها السودان وهذه من خلال اتفاقية السلام الشامل. هل يعني هذا استمرار التنسيق معها في أطار تجمع جوبا ؟ الالتقاء السياسي بين الأحزاب ليست معاهدة دائماً وهي عبارة عن تكتيكات سياسية مؤقتة لمواجهة قضايا بعينها في وقتها مثل قضية الانتخابات، فعندما تنتهي هذه القضايا فإننا نحتاج إلى تحالف جديد، أمامنا الآن قضية دارفور وقضية الاستفتاء فنحن نحتاج إلى حلها وإقناع الناخب الجنوبي إلى ما نريده نحن السودانيون، وهذا يحتاج إلى تحالف وهذا موقف يختلف عن المواقف الأخرى لأننا في هذه الحالة نخاطب فئة معينة، وعليه فإن أي تحالف في الماضي يمكن أن يجدد قضايا جديدة، فمطلوب من الحكومة المركزية الجديدة أن توضح للناس قضية التحول الديمقراطي، وبالتالي فإن على الأحزاب التي تحتاج الجو الديمقراطي أن تتحالف كي تبنى قواعدها. هل ستعقدون تحالف أو حوار مع د.لام أكول في إطار التحالفات السياسية؟ لام أكول خرج من الحركة الشعبية وأسس حزبه، منذ يونيو 2009م كان خطابه السياسي ولم يزل حتى الآن مهاجمة الحركة الشعبية ولم يغير لغته، وإذا كان أسس حزبه عن قضايا الشعب كان يمكن أن تكون هنالك نقاط نلتقي فيها معه لكن قضاياه نفي وجود الحركة الشعبية، فإذا كيف نتعامل مع الذي لا يعترف بوجودنا واعترافه الوحيد إننا موجودون وشر وزوالنا هو الخير.. فكيف إذاً نتعامل معه. هل تتفق معنا أن قطاع الشمال كان هو معوق أساسي وسبب في فشل مشروع السودان الجديد؟ قطاع الشمال هو الثقل السياسي للمؤتمر الوطني الذي ركز بكل الوسائل الإعلامية على أن يقلل من قطاع الشمال، وقطاع الشمال صمد. والمؤتمر الوطني في رأيي أراد أن تكون الحركة الشعبية هي جنوبية وان يكون المؤتمر الوطني شمالي، لكن نحن نقول إننا ننبع من السودان بكل اتجاهاته ومفاهيمنا هي نفس المفاهيم في الجنوب والشمال، أما مفاهيم المؤتمر الوطني في كريمة ليست هي مفاهيمه في الرنك والبيبور وراجا، فهو له لغتين ، وبالتالي وجود قطاع الشمال ضرورة من أجل أن يكون الحزب في الشمال لأن قضايا الشعب السوداني مترابطة، القطاع عمل ما عليه وحاول أن يثبت نفسه وفعلاً اثبت نفسه، إلا أن قرار عدم مشاركته في الانتخابات في آخر لحظات كانت خطأ كبير من وجه نظري لعوامل كثيرة أهمها انه إذا صّوت شعب السودان للوحدة فإننا نحتاج إلى تطبيق مبادئ الحركة الشعبية في كل أنحاء السودان بصورة سليمة، بمعنى أن المناهج التربوية ووسائل الإعلام الحكومية الموجهة لابد أن تتضمن هذه المفاهيم ولا يمكن أن تتم في الشمال بدون الحركة الشعبية من أبناء الشمال في مثل هذه الأجهزة وخاصة الأجهزة التشريعية، أما إذا اختار الجنوب الانفصال والحركة الشعبية في الشمال غير موجودة في البرلمانات وحتى الحكومات الشمالية سوف تنشأ دولة في الشمال لا تحمل في قوانينها ومبادئها أفكار الحركة الشعبية للمواطن في شمال السودان، لذلك الاشتراك في الانتخابات كان ضروري. إذا وقع الانفصال أين موقع قطاع الشمال في الحركة؟ (قال منفعلاً) هذا سؤال أنا شرحته، فقطاع الشمال ليس مرتزقة أو جنوبيين، القطاع يتكون من أفراد ينتمون للشعب السوداني. وهناك ناس المؤتمر الوطني موجودون في الجنوب فما مصيرهم بعد الانفصال.. هل سيكونون في الجنوب بأفكارهم أم لا.. عندما يجيبون عن ذلك سنجيب.. لماذا يتحدث باقان وعرمان بلسان الحركة الشعبية؟ ولماذا لا يتحدثون بلسانها؟.. باقان الأمين العام للحركة الشعبية وياسر نائبه ورئيس قطاع الشمال، هل سيتحدثون بلسان المواطنين وباقان لم ينطق يوماً بأنه انفصالي وهذه إسقاطات نفسية.. هذا حديث الانفصاليون في الشمال حتى يبرروا انفصاليتهم. أنت رجل وحدوي كيف تفسر ارتفاع أصوات الانفصاليين داخل الحركة؟ الحركة الشعبية في حقيقة الأمر إنها جبهة تكونت بمجموعات كثير من السودانيين منهم الشيوعيين والأخوان المسلمين والذين ليس لديهم فكر سياسي والديمقراطيين وغيرهم من الجماعات السودانية، ومن بينهم الذين يؤمنون بأن وحدة السودان قوة ومنهم من يؤمن بأن وحدة السودان بالطريقة القديمة ضعف، ولكن ممكن نوحد السودان بأسس جديدة وتكون قوة، وبعضهم يؤمن بأنه لابد أن يكون الجنوب لوحده وأن السودان يمكن أن يتفتت، ولكن الحركة الشعبية كانت أمام المعضلة وحاولت أن تستقبل هذه التيارات السياسية والفكرية وأن تضعهم داخل بوتقة واحدة ولكي لا تحدث عملية انفجار وكان لابد من توجهين أساسي وعلاجي، الأساسي هو أن نعمل من أجل الوحدة في السودان وحدة مبنية على أسس جديدة. التوجه العلاجي أننا طلبنا من الانفصاليين أن يعطونا فرصة ويوقفوا الحرب منذ توقيع اتفاق السلام الشامل لكي نبرهن أن الوحدة التي ننادي بها فيها خير كثير، فأنتم راقبونا وبعد (6) سنوات صوتوا واستجابوا لذلك، وقد أخبرنا المؤتمر الوطني أن هناك مجموعات انفصالية موجودة وحاولنا إقناعهم لمدة ست سنوات لكي نقنعهم بالوحدة، وكان من بين وسائل الإقناع المصالح الوطنية في كل السودان وهذا توجه نفسي لإزالة الكدر النفسي الذي كان موجود وأيضاً نحول الفكر الانفصالي إلى وحدوي وأن نقوم بعملية التحول الديمقراطي فعلياً وأن يشعروا بعملية التحول والحرية. كان من المفترض أن نوقف كل النزاعات مثل قضية دارفور كي نعطي رسالة بأن هذا البلد مستقر ونحن غير عاجزين عن الحل وأيضاً حل قضية أبيي مهم والاستقرار في النيل الأزرق ووجود التنوع في الإعلام والمناهج التربوية. وحاولنا المستحيل مع المؤتمر الوطني ومع غيره حتى نغير نظرة الانفصاليين. ما هي جهودكم خلال الأشهر القادمة لجعل خيار الوحدة جاذبة؟ نحتاج إلى عمل مضاعف خلال الأشهر القادمة من قبل الشعب السوداني والمؤسسات ومنظمات المجتمع المدني والمؤسسات الفكرية الثقافية والتنظيمات السودانية والحكومة المركزية وحكومات الولايات بأن ينظروا إلى تطلعات الشعب في جنوب السودان، ليس بالضرورة بناء كباري أو نقل رئاسة الحكومة إلى جوبا، لكن المهم هو أن نبدأ بالخطاب السياسي الإقصائي لابد أن يتغير إلى خطاب سياسي يستوعب الآخر ونحتاج أيضاً على سبيل المثال بإنتاج البترول.. الجنوب ينتج منه 80% من البترول وأهله يقولون لا ندري أين يذهب البترول، ولابد أن يشعر الناس بأنهم جزء من هذا الإنتاج. والحركة الشعبية هي التي جاءت بمفهوم الوحدة للجنوبيين على أساس أنه الخيار الأفضل، مسألة الانفصال ليست مسألة يوم وإنما هي تراكم تاريخي لذلك نحتاج إلى من اشترك في الحكم في الفترات السابقة كالترابي والصادق ونقد كي يقنعوا أهل الجنوب بأن يصوتوا للوحدة. الفريق سلفاكير ذكر أن توفير الأمن في الجنوب من الأولويات هل أنتم قادرون على ذلك في ظل التحديات؟ لا يوجد بلد فيه الأمن مائة بالمائة، فالأمن شيء نسبي في كل دول العالم، حكومة الجنوب سعت لنزع السلاح لأن الحرب كانت ثقافة البلد لمدة (23) سنة وكان الجنوب ميدان معركة، لذلك حكومة الجنوب تحاول أن تنزع السلاح لكن الناس يشعرون بأنهم غير آمنين إذا تم جمع السلاح عنهم. ما هو دوركم تجاه قضية دارفور؟ حاولنا أن نتحدث إلى حاملي السلاح بأن يكون لديهم موقف تفاوضي واحد وهذا لم يعجب المؤتمر الوطني، وحاولنا أن نقول قضية دارفور واحدة لذلك لابد من موقف تفاوضي واحد وسوف نواصل خلال المرحلة القادمة أن نقنعهم بالتوحد بدلاً من أن كل مجموعة تتفاوض مع المؤتمر الوطني لوحدها وأن يكون مع الحكومة شاملاً. المشاكل بين الرزيقات والجيش الشعبي أدت إلى تخوف من نشوب الحرب مرة أخرى؟ هذا شيء طبيعي سوف ينتهي ويجلس الناس ويتكلموا. وخلال ال5 سنوات تصرف الرزيقات بحكمة، وما حدث هذا شيء عارض والجيش الشعبي لديه شك بأن هؤلاء أشخاص لهم أجندة خفية وأخذوا صفة الرزيقات لأن علاقة الرزيقات مع قبائل الحدود كانت جيدة.