بيروت: سونا, (smc) نشرت صحيفة النهار اللبنانية واسعة الانتشار أمس مقالا لسعادة الأستاذ جمال محمد إبراهيم سفير السودان ببيروت تحت عنوان (كوفر بلاك وبلاك ووتر وبلاك سودان) تناول فيها ماهية مؤسسة بلاك ووتر الأمريكية وفضائحها في العراق ومساعيها للدخول إلى دارفور بحجة حماية القوات الدولية (الهجين) والتى تمت الموافقة على انتشارها بدارفور وفيما يلي نص مقال السيد السفير: كوفر بلاك هو الرجل الذي أدى دورا رئيسيا في عملية اقتناص كارلوس في الخرطوم، وهي العملية التي جرت بتنسيق محكم كما هو معروف، بين الأجهزة الأمنية السودانية والفرنسية والأمريكية، وانتهت بكارلوس حبيسا في السجون الفرنسية. كانت عيون "القاعدة" الوليدة تطارد الدبلوماسي في السفارة الأمريكية، رجل المخابرات الأميركية كوفر بلاك، وكادت أن تقتنصه أيضا، في منتصف التسعينات، لكنه افلت، وتم نقله بعد ذلك من الخرطوم الى رئاسة وكالة المخابرات المركزية في لانغلي. تلك افادة الصحافي الاميركي جيريمي سكاهيل مؤلف كتاب Black water: The Rise of the Powerful Mercenary Army: Worlds Most ISBN 1560259795 Nation Books, New York, N.Y. 2007 بعد 11 سبتمبر 2001، كان كوفر بلاك هو الذي اشرف ونسق عمليات مواجهة الإرهاب الدولي، وعهد إليه البيت الأبيض تنفيذ خطة مطاردة قيادات "القاعدة"، وعلى رأسهم أسامة بن لادن في كهوف تورا بورا في أفغانستان. كان هو رأس الحربة في إدارة حملة "بوش" للقضاء على الإرهاب الدولي. بعد أكثر من ثلاثين عاما، غادر "كوفر بلاك" وكالة الاستخبارات، لا ليذهب إلى بيته ويرتاح، بل ليلتحق بمؤسسة "بلاك ووتر" الأمنية الخاصة في فبراير عام 2005. في مارس عام 2006، شارك كوفر بلاك في ورشة عمل شبه أكاديمية في الأردن، وأعلن هناك أن مؤسسة "بلاك ووتر" ستكون على استعداد للمشاركة بقوات مخصخصة في قوات حفظ السلام ترسل إلى دارفور، وان "بلاك ووتر" تقلب الأمور للحصول على الاذونات اللازمة: إما من الأممالمتحدة، أو من "الناتو"، أو من حكومة الولاياتالمتحدة، وإنها انخرطت في "لوبي" لتحقيق ذلك الهدف. ويقول جيريمي سكاهيل في مقابلة صحافية بتاريخ 17 سبتمبر أن دارفور ملأى بمليشيات، وان إضافة قوات خاصة جديدة ستضيف تعقيدا جديدا إلى الوضع هناك. ويقول سكاهيل أن الثري الأمريكي "اريك برينس" الذي يدير "بلاك ووتر"، هو عضو ناشط في الجماعات المسيحية التي درجت على تنظيم الحملات المعارضة للحكومة السودانية، مما يثير الشكوك حول نياته هناك.وتشير تقارير لمجلة "فيرجينيا بايلوت" الاميركية بتاريخ 17 يناير 2007، إلى أن مؤسسة "بلاك ووتر" أنشأت شركة متفرعة عنها اسمها "جري ستون ليمتد"، خطط لها أن تتخصص في تقديم الخدمات الأمنية لعمليات الأممالمتحدة الإنسانية في مناطق النزاعات التي تنوي المنظمة الدولية التدخل فيها. نشرت مجلة أمريكية أخرى اسمها "فيرجينيان ريبورت"في 20 يناير2007، أن مؤسسة "بلاك ووتر" في صدد الدخول في تعاقد لتقديم خدمات أمنية في جنوب السودان، وان السيد ازيكيل لول جاتكوث الذي وصفته بأنه ممثل حكومة جنوب السودان في واشنطن، ذكر أن مؤسسة "بلاك ووتر" ستشرع في تقديم برامج تدريبية خلال أسابيع يناير2007 في جنوب السودان، خصوصا أن الحكومة الاميركية قد رفعت قيودا جزئية عن شركات أمريكية لتعمل في جنوب السودان. لقد صارت خصخصة الجيوش من مكونات "عقيدة بوش"، وهو يعلن حربه ضد الإرهاب الدولي. ولكن ذلك استلزم بالطبع نظرا أكاديميا جديدا إلى الموضوع، بل تعريفا جديدا لظاهرة "المرتزقة" و"القتلة المأجورين". فقد وضح جليا أن 11 سبتمبر دشنت مرحلة تبدلت فيها المفاهيم، واختلطت فيها مفاهيم الخير والشر، وبدأت مقاربات مذهلة، بما يشككنا في ثوابت الحلال والحرام، وتباين اللونين الأسود والأبيض.ولا بد من أن نلاحظ تلاشي الحديث في العقود الأخيرة من القرن العشرين، عن ظاهرة المرتزقة، إذ تكاد تخلو الأدبيات السياسية في تلك الفترة من أي تحليل لهذه الظاهرة. أذكر شتاينر عندنا في السودان أوائل السبعينات من القرن الماضي، وبوب دينارد أواخر السبعينات، وهما من أشهر المرتزقة الذين أوغلوا في القارة الأفريقية. هذان اسمان لمعا وعرفت شرورهما القارة الأفريقية، قبل أن تطفح ظاهرة ما سمي الإرهاب الدولي. ثمة عوامل وظواهر تتصل بذلك، أعدد بعضها في ما يلي: 1 – لعل التحولات الكبيرة التي أعقبت ثورة الاتصالات واندياح المعلوماتية، كانت من العوامل التي قرّبت الأمكنة واختزنت الأزمنة، فصرنا نحيا عصر الشفافية الكونية، وشهدنا في مثالين حيين، كيف دارت حرب الخليج الأولى والثانية في شاشات الفضائيات ومواقع الانترنت، وتابعنا وقائعها لحظة اثر لحظة. 2 – درجت القوى العظمى، ولا سيما الولاياتالمتحدة، على إدارة الصراعات والحروب بأقل تكلفة ممكنة، ونأت قدر المستطاع عن إقحام جيوشها مباشرة في النزاعات التي تنشب بعيدا عن أقاليمها، وسعت في ذلك باستغلال حلفائها لإدارة هذه الصراعات بالوكالة (بروكسي) أو عبر المنظمة الدولية، وخصوصا مجلس الأمن، وبالريموت والتحكم عن بعد، والمثال الصارخ هو الحرب العراقية – الإيرانية، ثم حربي الخليج الأولى والثانية، أما غزو العراق الأخير، فمساعي الولاياتالمتحدة جارية لجلاء القوات الأمريكية عنه، طال الزمن أو قصر. بعد أن وضحت الكلفة العالية للحروب المباشرة، ثم الحروب التي تدار بالوكالة، كان طبيعيا أن تجنح الإدارة الأمريكية إلى الاستعانة بالقطاع الخاص "الموالي"، فقد كان طبيعيا أن تترهل المؤسسة العسكرية الأمريكية، بما أفضى إلى بروز مؤسسات عسكرية وأمنية خاصة، لا تتبع الحكومة ولكنها مرتبطة تمام الارتباط بالمؤسسات الاقتصادية الكبيرة، مثل مؤسسة "بلاك ووتر" و"جري ستون" ليمتد، لتقتسم المخاطرة وكذلك كعكة المغامرة، صغرت أم كبرت. لم يكن القائمون على أمر هذه المؤسسة، ببعيدين عن دوائر القرار الأمريكية الرسمية في الوزارات المهمة وفي الكونغرس. نشير إلى أن نائب مدير هذه المؤسسة، هو السيد كوفر بلاك، منسق خطة ملاحقة الإرهاب الدولي عقب 11 سبتمبر، والرجل الذي ألمح إلى إمكانية ضلوع "بلاك ووتر" بدور في دارفور. أليس هو ذلك الخبير الأمني (ثلاثون عاما في المخابرات المركزية) الذي يعرف السودان ظاهرا وباطنا، مقيما فيه يلاحق بن لادن، وفاعلا مشاركا في اصطياد كارلوس، وتسليمه لاحقا إلى المخابرات الفرنسية؟ وهكذا فان تعقيدات الحروب الأخيرة، وفي ضوء هذه المتغيرات، استوجبت تحويرا رئيسا في طبيعة تكوين الجيوش، بما أفضى بالإدارة الأمريكية في العشرية الأولى من القرن الحادي والعشرين، وتحت هيمنة المحافظين الجدد، إلى تعديل العقيدة العسكرية، وتوسعت لتضم بعض مؤسسات القطاع الخاص العاملة في المجال الأمني والمرتبطة بالصناعات العسكرية، إلى المؤسسة العسكرية الرسمية. وتقول التقارير أن كلفة عنصر الأمن في اليوم الواحد تبلغ ألف دولار أميركي. وهكذا فان خصخصة القطاع الأمني تتصل بشكل وثيق بمعالجة ترهلات المؤسسة العسكرية الرسمية، وكذلك بعمليات ضخ الدم في شرايين الاقتصاد والصناعة العسكرية الأمريكية، وفي النهاية يصب في دائرة تنفيذ الأهداف الإستراتيجية للولايات المتحدة. تحكي الإحصاءات عن موازنة بلغت 750 مليون دولار أمريكي لمؤسسة "بلاك ووتر"في العراق، فقط لحماية الوجود الدبلوماسي والقيادات الاميركية هناك، منذ السفير الحاكم بول برايمر، الفضيحة الأخيرة (سبتمبر – أكتوبر 2007) لمؤسسة "بلاك ووتر" وتجاوزاتها المريعة في العراق، وتورطها في المجازر واصطياد العراقيين الأبرياء بدم بارد، تجعلنا نرفع حواجب الاستغراب والدهشة! ينبغي أن نطرح سؤالا مشروعا: هل يكون في دخول مؤسسة "بلاك ووتر" تحت اسم "جري ستون" ليمتد إلى جنوب السودان، أو هل تكون نيات هذه المؤسسة في الدخول إلى دارفور، عبر ثغرة توفير الحماية الأمنية للقوات الدولية، فيما إذا تيسرت لها الأذون اللازمة، هي في مصلحة تحقيق الأمن والاستقرار في السودان؟ ويا لسخرية القدر. ترى أتفيدنا رمزية اللون ونحن في السودان إلى كوفر بلاك و"بلاك ووتر؟".