ظل الحديث في الآونة الأخيرة عن سلام دارفور أمراً متداولاً على جميع الأصعدة، ولعل حديث د. غازي صلاح الدين مسؤول ملف دارفور عن أنه يستوجب مراجعة وتقييم منبر الدوحة، وإشارته لتبنى إستراتيجية جديدة للتعامل مع مشكلة دارفور مع ضرورة الإلتزام بالمبادرة القطرية، هذا الحديث جعل الأنظار تتوجه نحو مسارات جديدة للحل بحيث يكون شاملاً للقضية، وذلك بالنظر إلى البرامج وليس الأشخاص والزعامات المصنوعة. المركز السوداني للخدمات الصحفية استنطق أصحاب الرأي حول دلالات عودة الحوار السوداني إلى الداخل دون المنابر الخارجية، وماهو متوقع من الحكومة والحركات المسلحة مستقبلاً للإسراع بوضع نهاية لقضية دارفور.. اختصار الوقت والمسافة د. إسماعيل حاج موسى علّق على حديث د. غازي قائلاً أنه ليس بالأمر الجديد، فقد سبق أن تحدث الرئيس من قبل وأعلن أن منبر الدوحة سوف يكون آخر منبر للتفاوض خارج السودان، والمقصود بذلك أن يكون منبر التفاوض سوداني. ويمضي الحاج موسى بالقول: صحيح أن د. غازي انتقد منبر الدوحة من ناحية أن هنالك بطء لكن ذلك لا يرجع إلى الوساطة لكنه يرجع بصورة أساسية إلى الفصائل المسلحة، حيث نجد جزء منها يشارك وآخر يمتنع، ومن هذا تتبين لنا المشكلة الحقيقية التي تكمن في الطرف الآخر (الحركات المسلحة). وأضاف أن توطين المبادرة بأن تكون سودانية أمر مطلوب، لكن المشكلة أن حركة العدل والمساواة يصعب الحكم عليها بأن تكون حاضرة لهذه المبادرة، وقد سبق أن بدأ التفاوض معها لأول مرة في الدوحة وقامت بتوقيع الاتفاق الإطاري واتفاق وقف النار، لكن سرعان ما قامت بنقض هذين الاتفاقين وقامت بعمليات عسكرية، وإلى الآن لم يكن لديها موقف محدد فيما إذا كانت ستلتحق بمفاوضات الدوحة أم لا. وفي تقديري أن حركة العدل والمساواة غير جادة في إقامة حوار والوصول إلى سلام تنهي به مشكلة دارفور، وإذا كانت جادة لما كان تحديد مكان للتفاوض مشكلة لها ومحل اهتمام. الحكومة من جانبها ستقدم على العمل الذي يختصر لها الوقت والمسافة وتصل من خلاله إلى سلام واتفاق في أقرب وقت لكي تنهي الأزمة. منهج الوساطة أما الناطق باسم تحالف حركات دارفور الموقعة محمد عبد الله ود أبوك فقد كان رأيه أن منبر الدوحة أصبح به خلل في المبادرة العربية وعزا ذلك لعدم سيطرة الوساطة والمسلحين على حركة العدل والمساواة، قائلاً: حركة العدل والمساواة تأتي إلى التفاوض ومن ثم تمتنع وتقاطع وتقوم بنقض الاتفاق الذي وقعته، إذن أين منهج الوساطة في تحديد المسئوليات وتحديد من هو الطرف المقصر، والسير في نهجها لتحقيق الآليات التي تمنع الذي يتمادي في الوضع الميداني، وأضاف: لكن الحكومة إذا حاولت أن تتجه بالتفاوض إلى الداخل فإن ذلك سوف يجعل عليها أن تقوم بتأمين المطالب التي يطالب بها أهل دارفور وتحقيقها وأن يكون ذلك بحضور المجتمع الدولي والمدني الدارفوري، وذلك سوف يقطع الطريق أمام الحركات المسلحة، لكن تبقى فكرة الحل الداخلي فكرة مقبولة جداً. التفاوض طريق السلام لكن د. بول دينق الخبير السياسي كان رأيه أن حديث د. غازي صلاح الدين عن الدوحة يغلب عليه الجانب السياسي، لأنه سبق وأن تم تجريب الحلول الداخلية مع الحركة الشعبية ولم تنجح، لذلك فإن أي تفاوض من غير وساطة خارجية لا يجدي، فطالما أن هنالك مشكلة لابد من طرف وسيط خارجي، لذلك أي محارب بالعادة يكون لديه عدم ثقة ويحتاج إلى ضمانات خارجية تحثه على الاتفاق وتضمن له متطلباته، لكن من خلال وضع الدوحة الحالي فإنني أرى أن حركة خليل إبراهيم سوف ترجع إلى التفاوض لأن البندقية لم تنجح يوم في تحقيق السلام والأمن. وأضاف د. بول: أتوقع بعد خليل أن تظهر أطراف غير الدوحة وتسعى إلى مشكلة دارفور الحل النهائي. وعن عودة التفاوض بحيث يكون مركز الثقل الخرطوم ذكر أن خليل إبراهيم لا يثق في الخرطوم ومن المؤكد أن هذا لن يجعل خليل إبراهيم يأتي للتفاوض، ولكن ربما تكون المشكلة في شخص خليل وربما إذا حدثت انقلابات داخل الحركة وتم تغيير القيادة فإن فرصة التفاوض الداخلي سوف تكون أكبر، سيما أن هذه القيادة الجديدة سوف تقبل التفاوض في أي بلد، وذلك لأن خليل إبراهيم حاول أن يستأثر بمفاوضات الدوحة ويسود لوحده في الساحة وعندما وافقت الدوحة على باقي الحركات أنسحب ونفر. وأتوقع أن يتم فتح مسار جديد للتفاوض مع قيادات جديدة دون خليل إبراهيم ويتم إخطارها بالتفاوض الحالي في الدوحة، وربما إلى حد كبير سوف ينجح هذا الاتجاه. ترتيب الأولويات د. مرتضى الطاهر حاج العاقب رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة النيلين تحدث عن الانتقادات التي وجهتها الحكومة للمبادرة العربية والإفريقية في دارفور واعتبرت أنها لم تستوف الشروط والأهداف المطلوبة رغم استمرارها لأكثر من عام، وقال إنه على الرغم من رضاء الأطراف المختلفة وارتياحهم للدور العربي ممثلاً في الدور القطري والجهود العظيمة المبذولة من الدوحة على كافة الأصعدة لتسوية ومعالجة معضلة دارفور أمنياً وإنسانياً واجتماعياً واقتصادياً، لكن تتمثل المعوقات في عدم القدرة على جمع الحركات كلها على صعيد واحد وعلى قلب رجل واحد، وكذلك عدم المقدرة على توحيد مطالب الدارفوريين وترتيب الأولويات، وعدم القدرة على الإسراع بحل الإشكال قبل حلول نتائج استفتاء الجنوب حتى الآن. وفيما يتعلق بالحديث عن الأفكار التي سيقدمها الوفد الحكومي لتفعيل إستراتيجية جديدة يرى حاج الطاهر أن الحكومة حريصة على تمثيل أصحاب الشأن الدارفوري والمتضررين الحقيقيين من المهدد الأمني والفقراء و النازحين واللاجئين، فمن شأن ظهورهم في مسرح التفاوض أن يشكل دفعاً إنسانياً ومزيد من حجج للإسراع بالحل، إضافة لتطمينهم والاستئثار بآرائهم، والتأكيد على عدم انتظار الخوالف وغير الحريصين على سرعة الحل والذين يقدمون مطالب تعجيزية، وأيضاً التأكيد على دعم جهود حل العملية خاصة الاقتصادية المتمثلة فيما تعود به مشاريع مثل بنك دارفور، وما يمكن أن يقدمه من دفع معنوي حالياً ومادي بعد استتباب الأمن والسلم لاحقاً. ويضيف: اعتقد أن الحكومة ستقدم مزيد من التطمينات حول عدالة توزيع السلطة، خاصة وقد ظهر نذر ذلك في التشكيلة الحكومية الأخير على المستوى التنفيذي. تنافس المبادرات وبشأن ما يدور عن أن الحكومة لن تقبل أي منبر بديل للدوحة رغم تأكيدها لرفض أي مبادرة جديدة لحل أزمة دارفور خارج السودان يقول د.مرتضى الطاهر حاج العاقب إنه ليس في هذا الأمر تناقض إذا فهمنا أن قضية دارفور قتلت بحثاً واتضحت معالمها تماماً، وبالتالي فإن ما يؤخر الحل هو عدم توحد رؤى الأطراف الدارفورية حول الأولويات والجوهريات، والاختلاف حول أوزان الأطراف الدارفورية التي ترى تمثيل أهل دارفور، فكل يحاول أن يثمن دوره وأهميته وأحقيته بتمثيل قضية دارفور. وهذا الأمر ماثل أيضاً على الصعيد الإقليمي مما يشكل تنافساً حاداً مع أصحاب المبادرة الكريمة في الدوحة، فالجانب المصري مثلاً يشعر بتراجع دوره الإقليمي العربي والإفريقي منذ وقت طويل ويشعر أن دولة مثل قطر قد تسحب البساط منه وربما أراد استعادة دوره. كذلك مثال آخر هو ليبيا التي لقيادتها تطلعات كبيرة في الإقليم الإفريقي وتعمل في ملف دارفور مداً وجزراً. تمثيل الجميع الأمين السياسي لحركة العدل والمساواة جناح السلام عيسى عبد الكريم فتحدث عن المبادرة العربية والإفريقية وأنها لم تستوف الشروط ولم تحدد إلى أين يتجه مستقبل قضية دارفور، وقال إن المبادرة لم تستوف الشروط لأن الجميع لم يجلسوا للتفاوض كما ينبغي، وإذا لم يتدارك ذلك الموقف سيكون أمر التفاوض تحصيل حاصل، لأن هناك أطراف سياسية غير موجودة في التفاوض والأطراف الموجودة ليست لها تأثير مباشر. ويرى عبد الكريم أن قضية دارفور يمكن أن تذهب إلى بر الأمان إذا استوعبت كل الأطراف، فإذا ذهب خليل وعبد الواحد للمفاوضات بالتأكيد ستكتب نهاية جديدة لقضية دارفور ترضي بها جميع الأطراف، أما إذا انتهت مفاوضات الدوحة وتم التوقيع بعدم وجود خليل فاعتقد أن القضية ستكون قائمة، فعدم توقيع خليل يفتح الباب لخلل الأمني الذي يعني لا سلام. أما بخصوص الأفكار التي سيقدمها الوفد الحكومي لتفعيل المبادرة باستراتيجية جديدة أشار عبد الكريم إلى أن العبرة ليست في الأفكار ولكن في من هم الذين يمكن أن يديروا التفاوض. تراضي بلا اشتراط وبالحديث عن أن الحكومة لن تقبل أي منبر بديل للدوحة رغم تأكيدها لرفض أي مبادرة جديدة لحل أزمة دارفور خارج السودان وكيفية تقريب المسافة بين الحركة والحكومة يشير عيسى عبد الكريم إلى أن الحكومة هي طرف والحركة تمثل الطرف الآخر، لهذا يجب عدم وضع أي شروط من جانب الحكومة أو الحركة، فالمسألة هي يجب أن تؤخذ بالتراضي وصولاً لحل أمثل لحل قضية دارفور.أيضاً التفاوض من الداخل يعتبر حل مثالي وذلك من خلال التجارب التي خاضها الشعب السوداني كشعب أشتهر بحل مشاكله من دون تدخل أي جهة، فقط إذا توفرت الثقة. أما عن المجتمع المدني فهو أدخل حديثاً في المفاوضات واعتقد أن لديه رأي وهو بأي حال من الأحوال جزء من المشكلة، وعموماً فإن الحركات تنادي باسم المجتمع المدني لكن ذلك لا يكون لجهة معينة أو جهة موالية فإنه يكون للمتضررين من الحرب أو في معسكرات النزوح أو اللجوء.