الحياة القائمة في أبيي تفرض نفسها وتؤكد عدم القدرة على تجاهلها وتجاوزها وتدعو لضرورة التعايش السلمي بناء عليها وتجنب الانحراف عنها و السقوط في الهاوية بفعل المواقف المتناقضة التى تسعى بها بعض العناصر المتطرفة والمتشنجة والمتمردة، والمثقفين والمتعلمين المنتمين لعدد قليل من المشيخات الممثلة لدينكا أنقوك وذلك عبر الترويج لأساطير وأباطيل مضللة والانخراط في الانسياق لتلقي وتقديم وتوفير لتنفيذ مؤامرة معادية ومتواطئة مع جهات وأطراف في القوى الأجنبية ذات الأهداف الإمبريالية المناهضة للمصلحة الوطنية العامة لشمال وجنوب السودان والمصالح المباشرة الخاصة لدينكا أنقوك والمسيرية والقبائل السودانية الأخرى المترابطة والمرتبطة بالمصالح العامة والخاصة التي تجمع بينهما. وتجدر الإشارة بناء على هذا إلى ما ورد من توضيح للتحذير من الخطورة البالغة للأباطيل المضللة التي يسعى بعض أبناء دينكا أنقوك المنتمين للحركة الشعبية والنافذين أو المتنفذين فيها إلى الترويج لها والاستناد عليها في تقديم وتوفير المساندة والمساعدة على تنفيذ المؤامرة المعادية والمتناقضة مع المصلحة الوطنية المباشرة الخاصة بالمنطقة وشمال وجنوب السودان بصفة عامة وذلك على النحو الذي جاء في الإفادة والشهادة غير المباشرة التي أدلى بها السيد نائب رئيس الجمهورية ونائب رئيس المؤتمر الوطني الأستاذ علي عثمان محمد طه لتقديمها إلى المحكمة الدائمة للتحكيم الدولي في لاهاي عندما تم الاتفاق مع الحركة الشعبية وحكومة الجنوب على اللجوء إليها بشأن أبيي في عامي 2008م – 2009م الماضيين حيث ذكر في تلك الإفادة والشهادة المهمة أنها خلال جولة المحادثات الأولى التي دارت بعد أن بدأت بيني وبين الدكتور جون قرنق بنيفاشا في كينيا واستمرت من أغسطس2003م وحتى مايو 2004م حيث قادت إلى صياغة وتوقيع اتفاقية السلام الشامل بواسطة الطرفين في التاسع من يناير 2005م بالعاصمة الكينية نيروبي لم تكن قضية أبيي مدرجة ضمن الأجندة لكنها ظهرت بوضوح مع بداية الجولة الثانية ولقد أدركت أن الحركة الشعبية قد بدأت تتحدث عن منطقة تم تحويلها لكردفان عام 1907م فقط بعد الندوة التي عقدتها الإيقاد عام 2003م وأشار فيها الخبير الأجنبي (دو جلاس جونسون) إلى إقليم تم تحويله من بحر الغزال إلى كردفان في تلك السنة، وقد أصبح جلياً أن هذا التاريخ وعلى الرغم من أنها مكنت الحركة من التحدث عن الاستعادة فإن ذلك لم يتوافق مع موقفها القديم الذي يشير إلى المنطقة كمنطقة تداخل جنوبي والطريقة التي كانت تدار بها في السنوات الأخيرة، وقد لاحظت أيضاً خطأً جسيماً آخر متعلق بالوقائع في ورقة عمل قدمتها هيئة الحركة للدكتور جون قرنق وشخصي بعد أسابيع قليلة، فقد عرفت الورقة مصطلح أبيي على أنه يشير إلى المنطقة المعنية بنفس الاسم في اتفاقية أديس أبابا لعام 1972م والتي تمت إدارتها من مكتب رئيس الجمهورية في تلك الفترة كما زعمت تلك الورقة المذكورة. الحلول المقترحة في مفاوضات نيفاشا ويضيف الأستاذ علي عثمان في الإفادة والشهادة المهمة المشار إليها أنها (وكمعلومات عامة يمكن القول أن اتفاقية أديس أبابا للسلام بين الشمال و جنوب السودان في عام 1972م لم تُسمى أبيي أو أي منطقة أخرى خارج المديريات أو الولاياتالجنوبية الثلاث بأسمائها بل فضلت الإشارة إليها كمنطقة تداخل جنوبي بدلاً عن ذكر أبيي ناهيك عن توضيح أي حدود لها ونشير مرة أخرى لحقيقة ماثلة إلى استمرار إدارة أبيي ضمن كردفان خلال الفترة التاريخية المعاصرة حيث لم تتم إدارتها أبداً بواسطة مكتب الرئيس ولقد أشرت إلى بعض هذه الأخطاء والتناقضات التاريخية في أحد اجتماعاتي مع د. جون قرنق وأكدت على الحاجة إلى الاستفادة من خبرة المؤسسات العامة القومية والدولية، كما أوضحت وأكدت أيضاً على أن الأساطير التي تخلفها مثل هذه الأخطاء والحجج المضللة الباطلة ستعمل على أن نظل فرقاء مالم يتم دحضها، وبعد نقاشي مع د. جون قرنق في يناير 2004م قدم وفد الحكومة موقفاً مفصلاً لأبيي ثم تبع ذلك تقديم مسودة إطار عمل كل القضايا العالقة في الخامس عشر من مارس 2004م ويمكن تلخيص العرض المقدم بواسطة الحكومة كما هو مبين في وثائق مفاوضات نيفاشا بأن يقوم الطرفان على مشكلة أبيي دون تحيز للحدود الشمالية الجنوبية المتفق عليها في 1/1/1956م بالإضافة إلى الحكومة الدستورية والعرف والنصوص الأخرى التي تم الاتفاق عليها وتتم إدارة أبيي تحت إشراف الرئاسة وتمنح أبيي حصة عادلة من الصندوق القومي لإعادة التعمير والتنمية، وتخصص لها نسبة من عائدات النفط وترتبط أبيي بكل من شمال وجنوب السودان دون اعتبار لنتيجة استفتاء تقرير المصير، ويتمتع مواطنوها بهوية مزدوجة في جزئي القطر كما يتم تمثيلهم في برلمان الشمال والجنوب، وإلى جانب ذلك يشير الأستاذ علي عثمان محمد في الإفادة والشهادة المهمة إلى أن حزب المؤتمر الوطني اقترح من خلال اللجنة السياسية المشتركة أنها إذا كانت الحركة الشعبية تنوي التخلي عن استفتاء أبيي الذي يربط منطقة أبيي باستفتاء حق تقرير المصير فإنه سوف لن يعبر على حدود 1905م ويمكنه أن يقبل منطقة التداخل الجنوبي الأوسع ليتم تحديدها وتعريفها بأنها منطقة أبيي وتعطي وضعاً إدارياً خاصا بها تحت إشراف الرئاسة ضمن الشمال. وفي إطار ذات السياق تجدر العودة أيضاً إلى تقرير رئيس لجنة الدفاع والأمن في مجلس الشعب القومي العميد أ.ح عبد الوهاب محمد بكري بشأن أبيي في فترة الحكم المايوي آنذاك حيث ذكر في التقرير الذي نشره المعتمد الأسبق لمحلية أبيي اللواء الركن مهندس فني (م) عبد الرحمن أرباب في كتاب الدورة عام 2008م حول مسار مشكلة أبيي بعد اتفاقية نيفاشا أن النزاع في أبيي بدأ كإمتداد لنشاط عمليات الأنانيا السابقة التي كانت متمردة في جنوب السودان وتسرب هذا النشاط إلى بعض مجموعات الدينكا في أبيي. وبعد اتفاقية السلام عام 1972م وتطبيق الحكم الذاتي للإقليمالجنوبي في ذلك الحين شعر من اشترك في التمرد من أبناء الدينكا في أبيي التي لم يشملها الحكم الذاتي آنذاك بأنهم لم يجدوا شيئاً من ثمار اتفاقية أديس أبابا للسلام ونتيجة لذلك بدأت محاولات من هذه المجموعات لضم أبيي للإقليمالجنوبي ويمكن تقييم مشكلة أبيي بأنها ليست ذات جذور سياسية أو عنصرية وإنما هي امتداد لما كان يجري في الجنوب قبل اتفاقية السلام في عام 1972م، وقد كانت هذه المشكلة من أولى المشاكل القبلية التي اهتمت بها اللجنة حيث اجتمعت بوفد من المسيرية والدينكا واستطاعت أن تتوصل إلى أن المشكلة من وجهة نظرهم ليست بين الدينكا والمسيرية بل بين أغلبية من الدينكا والمسيرية بالمنطقة وجانب من الدينكا إذ أنها من التسع عموديات للدينكا بالمنطقة توجد سبع عموديات في وئام تام مع المسيرية وعموديتين هما الشاذتين في المطالبة بالانضمام لبحر الغزال. وأن الفئة التي تطالب بالانضمام لبحر الغزال واقعة تحت تأثير فقدان النظارة بالمنطقة وتغيير الفرصة بالنسبة لها في المنافسة على مناصب الحكم الذاتي للإقليمالجنوبي بمستوى تعليمها وان العلاقة بين الدينكا والمسيرية في هذه المنطقة أذلية وأنهم يبدون مخاوفهم من أن تكون السلطة غير واقفة على الحقيقة وان يجرها الذين يروجون في المنطقة بأنها ستنضم للإقليمالجنوبي إلى عرض صورة غير واقعية للرغبة الجماهيرية وأنهم يؤمنون بأن النتيجة الإدارية ليست هي الغاية ما دامت الحياة ستستمر في المنطقة كما هي وأن الغاية هي الاستقرار والمعايشة الآمنة مهما كانت الشعبية الإدارية. عودة للمعالجة بعد اتفاقية أديس أبابا ويشير التقرير إلى الخطة التي وضعها رئيس اللجنة لإحلال الاستقرار بالمنطقة حيث يضيف أن تصور الخطة التي تم وضعها آنذاك هو أن يكون الاعتماد في الوصول لاستقرار مواطني المنطقة عن طريق مؤتمرات تراقبها السلطة وتحميها من ما يهدد نجاحها وذلك بالدعوة لمؤتمرات صلح لإزالة رواسب العداء تشرف عليها لجنة مقيمة ذات سلطات عالية حتى يمكنها التعامل السريع مع ما يعرقل الصلح والتقدم بتوصيات عن ترشيد الإدارة والأمن بالمنطقة وتأمين إجراء المؤتمرات والتعامل مع الأحداث التي تهدد سريان الاتفاق بالسرعة والحسم اللازمين حتى تعود الحياة إلى طبيعتها وعندها ترفع اللجنة تعزيز السلطة بما يمكنها مع ما يجب اتخاذه نحو التبعية الإدارية ويجب ان يراعي في هذه الخطة أبعاد أي أثر سياسي أو عنصري على الأحداث بالمنطقة مع التأكيد على أن الحل كلما كان نابعاً من الجماهير بأنفسها كلما كان أجدى وان المبادرات الرسمية للحل تكون في الغالب إلزام أكثر منها التزام من جانب المنفذين لها.