تقرير: أبو عبدالله اليوشابي البريق الإعلامي الذي صاحب زيارة وفد الحركة الشعبية لتحرير السودان للولايات الشمالية لم يطفئ الحقيقة الماثلة أمام قطاع الشمال بالحركة الشعبية ومفادها أن مكاتب الحركة الشعبية بهذه الولايات صارت محبطة من الواقع الذي تحاول بعض القيادات فرضه عليها. وما بين أحلام السودان الجديد التي أطلق لها العنان قائد الحركة الراحل د.جون قرنق دى مابيور ومحاولات السيطرة على هذه الأحلام لتحقيق أهداف أخرى لا تمت بصلة لمشروع الحركة الذي دفن مع د.جون قرنق فإن الحركة الشعبية تدرك الآن أنها تدفع ثمناً غالياً يخصم كثيراً من رصيدها الذي حاولت بناءه في الشمال. الدعاية الإعلامية التي حاول قطاع الشمال إطلاقها قبل المرحلة الحاسمة في تاريخ اتفاقية السلام والتي تمهد لمرحلة الانتخابات وذلك بزيارته إلى ولايات الشمال ارتدت لتخرج بتصعيد أنطلق دون مقدمات من جماهير ومكاتب الحركة التي صبرت طويلاً على التناقضات التي تعيشها القيادة في نظرتها (للمهمشين) الذين جاءت على أكتافهم إلى السلطة ليكتشفوا أن البرنامج المنفذ فعلاً للحركة في الشمال لا يمثل حداً أدنى لطموحات ظنوا أنها ستحقق وأصبح كل من رمته الأقدار أن يكون ضمن عضوية الحركة يدرك أن قطاع الشمال يتحرك بإشارات من نائب الأمين العام للقطاع ياسر عرمان الذي أصبحت الحركة الآن بفضله في وضع لا تحسد عليه فمخططات الاختراق من قبل الأحزاب الأخرى خاصة الحزب الشيوعي السوداني أصبحت على كل لسان بما يجعل النفي الذي ظلت تردده قيادات الحركة الشعبية لا معنى له في ظل الحقائق التي تأبى إلا أن تكشف عن نفسها. فولاية البحر الأحمر مثلاً شهدت تساقطاً في عضوية الحركة الشعبية وانسلاخات أدت لإغلاق عدد كبير من مكاتب الحركة بالولاية التي قام أكثر من (50) قيادياً فيها بالانضمام إلى حزب المؤتمر الوطني بعد أن يئسوا من استجابة القيادة لمطالبهم بإدخال تغيرات جوهرية على أسلوب العمل بالولاية. وفي بيان الحركة بالبحر الأحمر الصادر في 29 مارس الماضي طالبت الجماهير صراحة بتغيير قيادة قطاع الشمال لأنها لا تمثلهم وإشراك ممثلي الولايات فيه. هذا البيان الذي تزامن مع زيارة قيادات الحركة بالولاية كشف عن انهيار التنظيم بالبحر الأحمر نتيجة للممارسات الخاطئة للقيادة وفقدان أي أمل في الإصلاح. أما دارفور التي تعوَّل الحركة الشعبية عليها كثيراً مستفيدة من أجواء الحرب التي تقودها الحركات المسلحة ضد الحكومة فإن الأمور فيها خرجت عن نطاق السيطرة بعد تجاوز قطاع الشمال وتحديداً ياسر عرمان لرغبات جماهير الحركة بانتخاب جميع مكاتب الحركة من القواعد وقيامه بتعيين مكاتب جديدة للحركة الشعبية متخطياً بذلك قرار رئيس الحركة في هذا الصدد وهو ما أدى لحالة تذمر واسعة وسط القواعد وصلت إلى حد التهديد بتقديم استقالات جماعية في حالة استمرار الأوضاع الخاطئة بتهميش عرمان للمنضمين إلى الحركة الشعبية. ولم تفلح مساعي موفدي الحركة لولايات دارفور في تهدئة ثورة الغضب التي انطلقت وفشلت مهمة الوفد في تكوين المكاتب التنفيذية وقيام مؤتمرات الولاية لاختيار المصعدين للمؤتمر العام بسبب رفض القواعد لهيمنة اليسار على قطاع الشمال مما حدا بها المطالبة بأن تكون دارفور قطاعاً قائماً بذاته أسوة بقطاعي الشمال والجنوب. أما ما يحدث في ولايات القضارف وسنار والنيل الأبيض فلا يقل بأي حال من الأحوال عما يجرى في مكاتب الحركة في الولايات الشمالية الأخرى خاصة وأن القواعد في هذه الولايات من القبائل الأفريقية التي ترى أن قيادة قطاع الشمال تعمل على عزلها باعتبار أن توجهاتها تهدد مشروع الهيمنة اليسارية مما أدى لانضمام هذه القواعد إلى حزب المؤتمر الوطني الذي رأت أن وعاءه الجامع أكثر تحقيقاً لتوجهاتها من الحركة الشعبية التي أصبحت الأمور فيها لا تشبه الشعارات التي تحاول بها استمالة قلوب الجماهير. القواعد التي هيأت نفسها لعقد لقاءات تنظيمية مع وفود الحركة لحسم الخلافات التي تدور في مكاتب الحركة بالولايات الشمالية فوجئت بالإنصرافية في طرح القيادة وهروبها من تحقيق تطلعات الجماهير مما جعلها تخرج بانطباع واحد وهو أن المؤتمر العام الثاني للحركة الشعبية سيتجاوزها وان الزيارات التي تمت ما هي إلا محاولة لتجميل وجه الحركة التي اختارت طريقاً لا يمر بأي حال من الأحوال بقواعدها.