أثار القرار الرئاسى الآخير الذى قضى بإضافة ولايتين جديدتين لولايات دارفور الثلاث الحالية ردود افعال واسعة بين الاوساط الدارفورية بمختلف تنظيماتها وكيانتها واصبح الجميع ما بين مؤيد ومعارض حول هذا الموضوع وقد برز الخلاف حول هذا الامر منذ ان كان فكرة تخضع للدراسه والتقييم. وقد نص القرار علي قيام ولايه جبل مرة وعاصمتها زالنجي واخري تحت مسمى بحر العرب وعاصمتها الضعين ، وذلك انفاذا لتوصيات ملتقي اهل السودان الذى عقد ب (كنانه) في اواخر العام 2008 وانبثقت منه ثلاث لجان تختص احداها بتطوير الاداره الاهليه بدارفور واسندت رائستها للاستاذ محمد عثمان خليفه وكيل وزاره الموارد البشريه سابقا والثانية لجنه المصالحات القبليه برئاسة الامير عبد القادر منصور والفريق معاش الطيب عبد الرحمن مختار والي غرب كردفان السابق نائباً له ، واللجنة الثالثة تختص بدراسه زيادة عدد ولايات دارفور برئاسة فؤاد عيد وكيل وزاره الحكم الاتحادي سابقا ، وحاتم الوسيله والي البحر الاحمر السابق نائباً له وتضم فى عضويتها الدكتور الامين عبد القادر ،والشرتاي جعفر عبد الحكم ، وحليمه حسب الله بالاضافة الى عدد من النخب الدارفوريه وزعماء الادارت الاهليه وقد باشرت اللجان اعمالها بعد فتره وجيزه من اعلان تشكيلها ورفعت تقاريرها النهائية لرئاسة الجمهورية . واوضح فؤاد عيد رئس لجنه زيادة عدد ولايات دارفور انه وبعد الاطلاع علي كافه الوثائق ودراسه التاريخ الاداري لدارفور تكونت ثلاث لجان فرعيه من اللجنه الرئيسية وقامت باستطلاع الولاة وقيادات الادارت الاهليه بجانب الوقوف علي الاراء ووجهات النظر المختلفة خاصة الهئيه البرلمانيه لنواب دارفور والكيانات الحزبيه في المجتمع الدارفوري بجانب القيام بزيارات ميدانية متلاحقه نظمتها اللجنه للولايات الثلاثه مستصحبة معها كوادر من جهازي الاحصاء والمساحه حيث تم اختيار مناطق الولايتين الجديدتين مشيراً الي ان العمل تركز علي توزيع استبيانات بطريقة عشوائيه لاستطلاع الراي العام فى اوساط المواطنين . بعد ذلك وضعت اللجنه معايير محدده للمناطق التي يمكن ان تشكل ولاية قائمة بذاتها ، وتتمثل هذه المعايير في الخصائص الجغرافيه والبيئيه والدمغرافيه والاجتماعيه والموقع والمساحة بجانب عدد السكان الذي يجب أن لا يقل عن سبعة الآف نسمه بأى حال ، بالاضافة الى التنوع في الموارد وتوفر الخدمات الاساسيه والبنيات التحتيه والمشاريع الاعاشيه والتى تشكل اسس معياريه هامه وضعتها اللجنه للولايه المقترحه، واعتبر عيد الخطوة بانها جاءت نزولا لرغبة المواطن الدارفوري التي اكدتها نتائج الاستبيانات والاستطلاعات التي علي ضوئها اوصت اللجنه بأنشاء هاتين الولايتين ، مؤكداً انها تصب في مصلحة دارفور بتحقيق المزيد من المشاركه الجماهيريه بتعدد دوائر اتخاذ القرار وانشاء مجالس محلية اضافة الي ربط المجتمعات المحليه بمحيطها القومي . ورحبت الهيئه البرلمانيه لنواب دارفور بقرار زيادة الولايتين واعتبرته انفاذا لخيار اهل دارفور الذين يرفضون مبدأ الاقليم الواحد الذي تنادي به الحركات المسلحه ، واشارت الهيئة الي ان دارفور عندما كانت تحت حكم الاقليم الواحد لم تستفيد منه شي سوى التكريس لمفاهيم ومبادي التقوقع القبلي والجهوي والذي تسعي الحركات المسلحه لتعزيز ثقافته الان وفق اجنداتها الخاصه . وطالبت الهيئة بالتركيز علي توجيه الموارد والخدمات عبر ادارة رشيدة للولايات الجديدة بجانب الإهتمام بالريف والبنيات التحتية والموارد الإقتصادية وتنمية إنسان المنطقة في القطاع الزراعي والرعوى من منطلق ان قضية دارفور تتلخص في التنمية والخدمات والمشاركة في السلطة والثروة. وبالرغم من هذا التفاؤل والإنحياز الذى ابدته بعض الجهات لفكرة قيام الولايتين الجديدتين إلا ان هناك بعض الأطراف اختلفت وتباينت رؤاها فمنهم من نظر الى الامر بطريقة قاصرة وفق معاييره وأهدافه كما هو الحال لدى حركة العدل والمساواة بقيادة خليل إبراهيم التي وصفت القرار بأنه سياسي حكومي بحت وخطوة إستباقية لإغلاق الباب أمام المطالبة بإقليم واحد لحسم الجدل في ذلك الشأن قبل التوصل لإتفاقات واضحة في مفاوضات الدوحة التي تجرى الآن بين الحكومة والحركات المسلحة كما اعتبرتها وسيلة لإذكاء روح النعرات القبلية والجهوية بالمنطقة. ولعل الاختلاف بين الاطرف حول المضمون والتوقيت لإعلان الولايات يكمن فى التخوف من مآلات الوضع الجديد ومايمكن أن يضيفه القرار لانسان دارفور، ويرى الرشيد عيسى أمين شئون الرئاسة لحركة العدل والمساواة جناح السلام ان المرحلة الحالية تستوجب حشد الجهود تجاه التنمية والإعمار وجمع الفصائل وتفعيل الحوار الدارفوري الدارفوري والآليات المساعدة لتنفيذ اتفاقية أبوجا وملحقاتها بدلاً من النظر في توسيع دائرة الظل الإداري مؤكداً ان الحركة ليست ضد الفكرة ولا من دعاة رفضها ولم تعمل على ذلك ولكنها لديها وجهة نظر في التوقيت وترتيب الأسبقيات بحيث يتم البدء بحراك سياسي واسع بين المجتمع الدارفوري ليكون الحل أشمل ، مؤمناً على أنهم يساندون كل المقترحات التي من شأنها تعزيز سلام دارفور وتحقيق الاستقرار بإعتبار ان دارفور مكّون أساسي من مكونات السودان الحديث مضيفاً ان الحوار الدارفوري الدارفوري هو المظلة الأوسع والأشمل لحل كافة المسائل العالقة في قضية دارفور بإجتماع أهل دارفور وإلتفافهم حول رؤية موحدة في مختلف قضاياهم السياسية والقبلية لافتاً إلى ان هذا التوقيت لايحتمل إثارة الجدل والخلاف حول الإقليم الواحد أو الولايات المتعددة بقدر الحوجة إلى قيام نهضة تنموية شاملة تمهد لعمليات العودة الطوعية للنازحين واللاجئين و توحيد أبناء دارفور على كلمة سواء لتوطين أسس الحل الداخلي الذي يعتبر الطريق الأوحد للخروج من النفق المظلم الذي تعيش فيه دارفور بفعل أبناؤها . الجدير بالذكر ان دارفور كانت فى عهد الحكومات الوطنية السابقة مديرية من ضمن المديريات التسعة التي قسم السودان اداريا على أساسها ، وتم في العهد المايوي إعادة التقسيم الإداري في السودان إلى (18) إقليم وأصبحت دارفور في تلك الحقبة إقليماً واحداً وعانت في ذلك الوقت ماعانت من أنماط الظلم والتهميش والإستبعاد من المشاريع التنموية والخدمات. ولكن في عهد الإنقاذ تم إنفاذ طرح الحكم اللامركزى بتقسيم السودان الى (26) ولاية بهدف تقصير الظل الإداريى وتمكين مواطني كل منطقة من تولى زمام أمرهم والمساهمة بفعالية في تفجير إمكانياتهم من اجل التنمية لذلك تم تقسيم إقليم دارفور او بما يعرف ولايات دارفور الكبرى إلى ثلاثة (شمال دارفور وعاصمتها الفاشر ، جنوب دارفور وعاصمتها نيالا ، وغرب دارفور وعاصمتها الجنينة ) وصار لكل ولاية حكومتها ومجلسها التشريعي . ويبدو أن الحكم اللامركزى بدارفور اعطى مساحة للمشاركة الشعبية الواسعة ضمن برامج وخطط التنمية وحققت تلك السياسات وفلسفة الحكم الجديدة نتائج ايجابية واضحة قفزت بمستوى خدمات التعليم والصحة والبنى التحتية المتمثلة في زيادة عدد المدارس والمستشفيات والمراكز الصحية وتفعيل مشروعات المياه والكهرباء حيث تبذل حكومات الولايات الثلاث جهوداً كبيرة رغم قلة الامكانيات من اجل تطوير البنيات الاساسية من طرق وجسور ومطارات بالاضافة الى الاهتمام بالتخطيط العمرانى والاتصالات والتعليم والشئون الاجتماعية والثقافية والزراعة والصناعة ، وحدث فى دارفور تطور ملحوظ فى شتى المجالات بعد خروجها من دائرة الاقليم الواحد . ولما كانت دارفور رقعة مترامية الاطراف تمتد في مساحة شاسعة تبلغ حوالي (197,404) ميلا مربعا وتحظى بكثافة سكانية عالية مقارنة بباقى ولايات السودان ، وتحتل مساحتها خمس مساحة السودان ، كما انها تعادل مساحة الجمهورية الفرنسية . لذا كان لابد ان يتم تقسيمها الى عدة ولايات من اجل خلق نوع من العدالة في توزيع مشروعات التنمية ، والتمكين من بسط هيبة الدولة وضبط الامن وذلك بتأمين جميع اطرافها وحدودها ومداخلها ومخارجها خاصة فى الفترة الحالية التى تعانى فيها دارفورمن تفلتات امنية تحدث بين الحين والاخر من قبل الحركات المسلحة التى تستهدف زعزعة الامن والاستقرار. لذلك كان امر تقسيم دارفور لعدة ولايات من الاهمية بمكان ، ليس لتقصير الظل الادارى فقط وانما ايضا لدواعى امنية وتنموية شاملة وفى مختلف المجالات.