عانى السودان فى سبعينات وثمانينات القرن الماضى من تدهور أدائه الإقتصادى ، وعدم قدرته فى الحفاظ على معدلات معقولة للنمو الإقتصادى نتيجة للخلل الهيكلى بين القطاعات ، والجمود فى هياكل الإنتاج ، والإعتماد على تصدير عدد قليل من المنتجات الإولية والمواد الخام. ضعف الصادرات فى ظل تقلص القروض الميسرة إضطر السودان للإقتراض يشروط غير ميسرة ، مما أدى الى تفاقم أزمة ديونه ، وعدم قدرة البلاد على إجتذاب الإستثمارات الأجنبية ، والذى قاد بدوره الى تدهور الأوضاع الإقتصادية وزيادة الإعتماد على التمويل الأجنبى والمساعدات . ثمانينات القرن الماضى شهدت إرتفاعاً متسارعاً فى معدلات التضخم ، وقد تسبب نزوح الملايين من أبناء الجنوب للشمال هرباً من الحرب وحفاظاً على حياتهم، فى تزامن مع موجة من الجفاف والتصحر التى ضربت البلاد تأثرت بها مناطق الإنتاج التقليدية ، إضطر معها السكان الى الهجرة نحو المدن والمناطق الحضرية بأعداد كبيرة، أدى الى إستنزاف موارد البلاد الشحيحة وإعاقة جهود التنمية ، صاحبها تدهور فى الأوضاع الإجتماعية والإقتصادية والأمنية ، ومما زاد الأمر سوءاً تدفق أعداد كبيرة من اللاجئين على السودان ، إضطرت معه الدولة لزيادة الطلب على الموارد محليةً كانت أم خارجية ، والإستمرار فى الأقتراض من الخارج بأسعار فائدة عالية . التأخر فى سداد مديونيته وفوائدها المتوارثة حد من قدرة السودان التفاوضية فى الحصول على قروض جديدة بشروط ميسرة ، مما حرمه من المكاسب الإقتصادية التى نجمت عن تحسن الاداء الإقتصادى فى التسعينات ، وعمل على إستفحال أزمة المديونية ، وأضطراره لقبول برامج الإصلاح والإستقرار الهيكلى التى تصفها مؤسسات التمويل الدولية كشرط أساسى للحصول على المزيد من القروض. تداخل الأجندة السياسية لعب دوراً كبيراً فى تفاقم أزمة الديون بالسودان وقد إستمرت حالة الفتور بينه وبين مؤسسات التمويل العالمية ، مما دفعه الى التوجه والإقتراض من الدول العربية والصين، ووجدت الكثير من المنح والمساعدات المالية طريقها الى السودان من الدول العربية والآسيوية فى ظل غياب للغرب من تلك المنح والقروض الخارجية . وكان من المتوقع بعد توقيع إتفاقيتي السلام الشامل عام 2005 ، وأبوجا عام 2006 أن يكون الطريق ممهداً أمام السودان للإستفادة من مبادرة البلدان المثقلة بالديون (الهيبك) ، بعد أن إستوفى معيار الدول الفقيرة الجديرة بالإعفاء وقد بلغت نسبة إجمالى الديون الخارجية الى الإيرادات ثلاثة أضعاف، إلا أن الأجندة السياسية الرامية الى حصار السودان ومنعه من التقدم والتطور حالت دون ذلك . مشاركة وفد إقتصادى من شريكى إتفاقية السلام فى الإجتماعات السنوية للبنك وصندوق النقد الدوليين بواشنطن لمناقشة قضية الديون تؤكد حرصهما على تناول قضايا مابعد الإستفتاء بروح المسئولية ومراعاة المصلحة المشتركة فى ظل التواصل الإجتماعى والثقافى بين الجانبين ، والعمل على تقريب وجهات النظر فيما يخص قضية الديون.. بين أنه يُعد جزءاً من إرث الماضى تلفظه الدولة الجديدة ، وإنه يُمثل عبئ وثمن عادل يجب أن يدفعه الإقليم الذى يرغب فى الإنفصال . وفق قانون التوارث بين الدول يلزم القانون الدولى الدول الجديدة بوراثة الإلتزامات الخارجية القانونية للدولة الأُم التى تتضمن الدين ، وأعدت لجنة القانون الدولى التابعة للأُمم المتحدة دراسة عام 1961 شكلت أساساً لمقررات مؤتمر فيينا عام 1978 حول التوارث، الذى أرسى إقتسام الدين العام بنسب عادلة تأخذ فى الإعتبار على وجه الخصوص الأصول الموروثة والحقوق والفوائد التى إكتسبتها تلك الدولة من الدولة السابقة ، وحددت عدة معايير لقسمة الديون منها معيار عدد السكان ، الموقع الجغرافى ، الناتج المحلى ، نسبة المساهمة فى الإيرادات أو الموارد، والمعيار الصفرى والذى تتحمل فيه واحدة من الدول إما الخلف أو السلف إلتزامات الديون ، وهذا يتم فقط فى حالات إنهاء الإستعمار ، كما حدث فى فصل بنما من كولومبيا ، ينغلاديش من باكستان وجمهوريات الاتحاد السوفيتى . ويحذر الخبراء من أن الإخفاق فى تسوية قضية عبئ الديون بالسرعة الكافية ، سيؤثر سلباً على تدفق الإستثمارات الأجنبية ، وطالبو بتشكيل آلية مشتركة بين الدولتين للتعامل مع المجتمع الدولى خاصة الدائنين ، وتقديم تطمينات لهم بأن مديونيتهم لن يتم المساس بها فى أية تسوية ، متضمنة دعوتهم لإعادة جدولتها أو إلغائها، وتأكيد إلتزام حكومة السودان أخلاقياً بسدادها بعد تسوية خلافتها مع الدولة الجدبدة بعقلانية وفى أقصر وقت ممكن ، حيث أن إطالة أمد الخلاف يمس مصداقية الدولة وإلتزاماتها ، ويثيرمخاوف الدائنين تجاه منحها أية قروض جديدة، أو إعفاءات وتسهيلات للقروض الممنوحة سلفاً الطرفان الشمال والجنوب سيكونا فى وضع حرج وهما يعتمدان فى إقتصادهما بشكل كبير على الأسواق الدولية، وإذا فشلا فى تسوية قضية الديون بما يضمن للدائنين سداد مستحقاتهم ، فإن كلا الإقتصادين سيصاب بالشلل إذا تنكرا للديون الخارجية ، وإذا إستمر الخلاف حولها عالقاً..فالتقسيم الأمثل بين الطرفين هو التقسيم الذى يضمن لهم الإلتزام والمقدرة على سداد مستحقاتهم ، لاسيما وأن الدائنين يتمتعون بقوة تفاوضية كبيرة يوظفوها لحماية مديونياتهم وبصلاحيات إعفاء أوجدولة ، وقد يلجأو الى تحميل طرف دون الآخر قدر من الدين لأجندة سياسية تتيح لهم الضغط عليه مستقبلاً.